متحور "أوميكرون" ومُستقبل الوباء
منظمة الصحة العالمية تصنّف متحوّر "أوميكرون" بـ"المُثير للقلق"، مع ما يعنيه ذلك من أنه يُضعف عمل اللقاح ويكتسب سرعة انتشار عالية.
بعد عامٍ على حملة التلقيح العالمية لمواجهة فيروس "كورونا"، صنّفت منظمة الصحة العالمية المتحوّر الأخير "أوميكرون" بـ"المُثير للقلق"، مع ما يعنيه ذلك من أن المتحور يُضعف عمل اللقاح ويكتسب سرعة انتشار عالية.
عوامل عدة ساعدت الفيروس على تطوير "توليفته الجينية" الخاصة بـ"أوميكرون"، منها بشرية، من خلال تناقل الفيروس بين الناس والمجتمعات، ومنها من خلال عامل حيواني.
وتُعتبر المتحورات الجديدة، من قبيل "أوميكرون"، تذكيراً بأن جائحة "كوفيد-19" لا تزال بعيدة عن نهايتها.
تمّ التعرف إلى متحوّر "أوميكرون" لأول مرة في بوتسوانا وجنوب أفريقيا في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وانتشر في جميع أنحاء العالم بسرعة عالية خلال الأسابيع القليلة الماضية، متفوقاً على أي متحوّر سابق في سرعة الانتشار. وكانت سرعة انتشارة تعادل 3 أضعاف انتشار متحوّر "دلتا"، ما سبّب زيادة في الحالات الجديدة التي قد تدفع بعض أنظمة المستشفيات إلى نقطة الانهيار.
في الإطار العلمي، يتم تأسيس اللقاحات وفقاً للتوليفة الجينية الخاصة بالفيروس، إذ يتم التركيز على منطقة الـ "RBD" الخاص بالشوك التاجي للفيروس، وتحديداً الـ "RBM" المسؤولة عن التصاق الفيروس والمُضيف الخاص بخلية الإنسان الـ "ACE2" .
وكلَّما عمد الفيروس إلى تطوير ذاته في منطقة الـ "RBM"، فإنه ينتج طفرات جديدة من شأنها أن تعزز قدرته على التمكن من خلية الإنسان، وبالتالي فإن اللقاحات تحتاج حينها إلى تطوير كي تؤمن غطاء لهذا التوليف الجيني الجديد الذي يهدد فعاليتها.
وقد تعرف العلماء إلى 50 طفرة في متحوّر "أوميكرون"، كانت كافية لدق ناقوس الخطر عالمياً وإثارة القلق، من بينها 36 طفرة في الشوك التاجي للفيروس أو منطقة الـ "RBD"، بينما لم تتخطَ المتحورات السابقة 12 طفرة في هذه المنطقة، كما يُظهر البيان التالي:
36 طفرة على الشوك التاجي لمتحوّر "أوميكرون" تضمنت بعض المتحورات السابقة، مثل "Alpha" و"Beta"، ولكن نسبة الطفرات العالية والجديدة أظهرت تمكّن الفيروس من الانتشار بسرعة.
ومن المعروف أنّ الطفرات الجديدة تساعد فيروسات "كورونا" على تجنب الأجسام المضادة التي تنتجها اللقاحات، فيما الأدلة تُشير، ووفقاً لمنظمة الصحة، إلى أنَّ "الأفراد الذين أصيبوا سابقاً بالفيروس يمكن أن يُصابوا مجدداً، وبسهولة أكبر، بمتحوّر "أوميكرون"، مقارنة مع المتحورات الأخرى المثيرة للقلق".
للتعرّف أكثر إلى متحوّر "أوميكرون"، فإن المقارنة بينه وبين باقي المتحورات التي صُنفت أيضاً بمتحورات "مثيرة للقلق" تجعلنا أمام صورة واضحة لتطوّر الفيروس ومعرفة مدى فعالية اللقاح ضده.
- الطفرات التاجية في متحور "أوميكرون"
يحتوي متحور "أوميكرون" حوالى 50 طفرة لم تُشاهد مجتمعةً من قبل، بما في ذلك أكثر من 36 طفرة في جين البروتين التاجي الذي يستخدمه الفيروس للالتصاق بالخلية البشرية. كما يحتوي على العديد من الطفرات الموجودة في متحورات أخرى "مثيرة للقلق"، والتي يُعتقد أنها تجعل الفيروس أكثر عدوى، بما في ذلك "D614G" و"N501Y" و"K417N".
موجات المتحورات
ظهر العديد من المتحورات من فيروس "كورونا SARS-CoV-2" خلال فترة انتشار الوباء. انتشر بعضها في جميع أنحاء العالم، بينما تلاشى البعض الآخر بسرعة أو حلّ محله متحوّر آخر.
تشمل المتحورات المُثيرة للقلق حول العالم ما يلي:
ما هو المتحور؟
عندما تقوم خلية بشرية مصابة بجمع فيروسات "كورونا" جديدة، فإنها ترتكب أحياناً أخطاء في نسخ صغيرة تسمى الطفرات. يُمكن للعلماء تتبّع الطفرات، لأنها تنتقل عبر سلالة فرع من شجرة عائلة الفيروس التاجي. تسمى مجموعة الفيروسات التاجية التي تشترك في المجموعة الموروثة نفسها من الطفرات المميزة "المتحور".
الطفرات الرئيسية الخاصة بمتحور "بيتا"
تشمل الطفرات قرب طرف البروتين التاجي ما يلي:
- "N501Y"، الذي يساعد الفيروس على الالتصاق بإحكام أكبر بالخلايا البشرية. تظهر هذه الطفرة أيضاً في سلالات "B.1.1.7" و"P.1".
- "K417N"، الذي يساعد الفيروس أيضاً على الارتباط بشكل أقوى بالخلايا البشرية.
- "E484K"، الذي قد يساعد الفيروس في التهرب من بعض أنواع الأجسام المضادة.
طفرات القلق
الطفرات التي قد تساعد على انتشار الفيروس التاجي:
"أوميكرون" واللقاحات
تدعم الدراسات العملية والبحثية في جنوب أفريقيا مدى نسبة اللقاحات على متحوّر "أوميكرون"، فقد وجد الباحثون أن جرعتين من لقاح "Pfizer-BioNTech" لهما فعالية ضد عدوى "أوميكرون" بنسبة 33٪ فقط. وفي مقابل المتحورات الأخرى، وجدوا أن فعاليتها تبلغ كحد أقصى 80%.
في بريطانيا، وجد الباحثون أنَّ الأشخاص الذين تلقّوا جرعتين من لقاح "AstraZeneca" لا يتمتعون بأي حماية على الإطلاق من العدوى بـ"أوميكرون" بعد 6 أشهر من التطعيم، وكانت فعالية جرعتين من "Pfizer-BioNTech" تعطي 34% فقط من الحماية، لكن معزز "Pfizer-BioNTech" لديه فاعلية بنسبة 75% ضد العدوى.
مما لا شكَّ فيه أنَّ وجود طفرات حديثة داخل الفيروس غير معرّفة سابقاً ستكشف اللقاحات وتضعفها، فضلاً عن وجود عوارض صحية جديدة قد تظهر على المرضى، وهو ما بدا جلياً في حالات التعرّق التي ظهرت على بعض المصابين بمتحوّر "أوميكرون"، فضلاً عن وفاة بعض المصابين ممن تلقوا جرعات معززة من لقاح "Pfizer-BioNTech".
وبالتالي، وخلال الأيام والأشهر القادمة، سنكون أمام جرعة رابعة معززة، بغية محاصرة المتحوّر الجديد وتدعيم المناعة لدى من تلقوا جرعة ثالثة كي تُغطي هذا المتحور، في وقت يسابق العالم الوباء من خلال الجرعة الثالثة لمحاصرة متحور "دلتا" و"دلتا بلس".
يكمن الخطر الحقيقي لمتحور "أوميكرون" في نسبة الطفرات العالية التي لا يغطيها أي لقاح سابق! هذه التوليفة الجديدة للبروتين التاجي من شأنها أن تضعنا أمام مشهد مُقلق ومتحور جديد قد يمثل تهديداً فعلياً للقاحات، إذ تطور شركات اللقاح جرعاتها، بينما يطور الفيروس توليفته الجينية مع ارتفاع الإصابات عالمياً وتغيّر الفصول.
متحور "أوميكرون" أقل حدة
إنَّ ما يميّز متحور "أوميكرون" هو أنه "أقل حدة" من باقي المتحورات، وينتج عدوى أقل ضرراً في الرئتين، لكن فيروس "كورونا" يحتاج إلى فترة زمنية محددة كي يستقر بيولوجياً ويتوطن.
ما زالت أمور عدة خارج إطار البحث العلمي حول كيفية نشأة هذه المتحورات، والتي ستحتاج لدراسات مطولة كي نفهمها، إن كان على صعيد الإنسان أو الحيوان، والذي بدوره ينقلها للإنسان.
من الواضح أنَّ العالم سيبقى رهينة اللقاحات المعززة واتباع النصائح بشأن منع انتشار الفيروس، بما في ذلك التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامة، والغسل المنتظم للأيدي، والمحافظة على تهوئة المساحات الداخلية.
هي حرب الأشهر القادمة، إما للسيطرة من خلال الدواء واللقاح والإجراءات، وإما لظهور متحور جديد مثير للقلق، يطيح كل ما سلف، ويعيد البشرية إلى المربع الأول، ليفتك بها كالجراد الذي يفتك بالزرع.