مسار ترفيديا وصولاً الى عين بوبين

أعادت فرق المسارات إحياء نشاطاتها بعد حظر "الكورونا"، وقام فريق "أمشي.. تعرف على بلدك" بمسار يعرّف بمناطق فلسطينية، وينابيع، ومواقع تراثية، مقتصراً على عدد صغير من المشاركين حفاظاً على قيم الوقاية من الفيروس.

  • مسار ترفيديا وصولاً الى عين بوبين
    بساتين زيتون على الطريق

بعد انقطاع عن المسارات بسبب جائحة الكورونا، وما خلّفته من خسائر، استأنفنا مساراتنا على شكل مجموعات صغيرة وقاية من الوباء. بدأنا مسارنا قاصدين "عين بوبين"، نزولاً في وادي عين "ترفيديا" الفاصل ما بين أراضي "رام الله"، وأراضي "بيتونيا"، ومن ثم مررنا في وادي العقدة واتجهنا غرباً نحو بلدة "عين قينيا".

  • مسار ترفيديا وصولاً الى عين بوبين
    مسار ترفيديا وصولاً الى عين بوبين

وصلنا "عين بوبين" حوالي الساعة العاشرة صباحاً، والتي كانت نهاية مسارنا الذي ابتدأناه من سرية "رام الله" مروراً بعين "ترفيديا " فيها، المشاركون 9 مشّائين من الجنسين، والسبب الوقاية الصحية.

النزول كان متوسط الصعوبة، ولكن جمال التضاريس، والتراكيب الصخرية، تجعلك تذهل، وتنسى التعب، وتستمتع بالمكان المحيط، وبالصحبة، والأجواء الطبيعية الجميلة... فتارة تمشي فوق مصطبة صخرية كانت تشكّل خربة يوماً ما، وتارة ترى منحوتة صخرية بفعل جريان المياه عبر آلاف السنين لتتشكل على هيئة حذوة فرس، ويزيدك انتعاشاً سماع صوت الطيور من شنار وبلابل. 

  • مسار ترفيديا وصولاً الى عين بوبين
    منحوتات صخرية طبيعية

هذه المناظر ربما لا يراها المرء إلا في الأفلام أو الأحلام، ولكن حقيقتها أنها تضاريس، وطبيعة فلسطين، بعظمتها، وشموخها، وتنوعها. 

يتميز الموقع بانتشار العديد من "قصور المناطير"، والتي تهدم الكثير منها بفعل التخريب البشري، أو الاعتقاد أن تحتها كنوزاً، وخلافه، بدلاً من الحفاظ عليها، ورعايتها باعتبارها مبانٍ تراثية بامتياز.

  • مسار ترفيديا وصولاً الى عين بوبين
    بقايا مناطير

وبين صعود وهبوط نصل الشارع الرئيسي لـ"عين قينيا"، تلك القرية الفلسطينية التي تحيط بها الأشجار الحرجية، والتي نشأت على ينابيع مياه عذبة تمر فيها، تعطي أشجارها خضاراً يانعاً، يلمع بأشعة الشمس الصباحية. 

ونتسلق الجبل باتجاه مبنى جميل، هو قصر "زلاطيمو"، والذي يقع وسط أشجار حرجية، وفيها صخور متراكبة، ومتناثرة بطريقة خلابة، ومهما زرت هذا المكان لا تشعر بالملل لكثرة ما فيه من خضرة، ووفرة مياه، وخصوصاً أنه يقع في منطقة يطلق عليها "عين أبو العينين" نسبة لولي يحمل هذا الأسم وفقاً للشرح الذي أعطانا إياه دليلنا أبو كرم.

  • مسار ترفيديا وصولاً الى عين بوبين
    صخور متراكبة

انتهزنا هذه الفرصة لنغطس أقدامنا في مياه العين الباردة، لكي ننسى تعب المسار، ونستعيد حيويتنا، والمياه الباردة المنعشة تشدنا نحوها كعاشقين في أحضان الطبيعة الساحرة، وما نغص علينا المشهد هو ذلك الكم الهائل من المستوطنات (ناحال، دولف، وتالمون 1+2 )، والتي تمّ إنشاؤها على قمم الجبال التي تحيط بالموقع، والتي تنتشر وتتوسع، وتأكل الأرض سنة بعد أخرى. 

  • مسار ترفيديا وصولاً الى عين بوبين
    تفاعل مع العين.. وتبريد

في هذه المنطقة، استظلينا بأقدم بلوطة في فلسطين ويبلغ عمرها أكثر من 3000 عام، وفيها أقدم، وأكبر شجرة معمرة من القيقب، وعمرها يزيد على 1500 عام. لاحظنا اهتماما بالمكان، وبأن قصر "زلاطيمو" يتم ترميمه من قبل مجموعة مهندسين معماريين، وسيتم تحويله إلى مركز ثقافي- تعليمي للأطفال، وهذا شيء جيد، ويبعث على التفاؤل، مما سيحمي المكان من قطعان المستوطنين.

  • مسار ترفيديا وصولاً الى عين بوبين
    جذع سنديانة معمرة تعود لآلاف السنين

وبعد أن أخذنا مجموعة من الصور، تحركنا نزولاً في الجبل باتجاه عين ماجور، وتابعنا النزول حتى وصلنا طريقا ترابية تابعنا السير فيها، وعلى جوانبها أشجار صنوبر يانعة في خضارها، تلمع مع أشعة الشمس، لم أرها في الغابات التي مررنا بها من قبل، وشعرنا ببرودة الهواء الذي يتخللها، والسبب على ما أعتقد، أنه كثرة مياه الينابيع في المنطقة.

وتابعنا المسير حتى وصلنا لنبع مياه " عين ماجور"، وكان الاسم محفوراً على لوحة معدنية، باللغة العبرية، والمكان محاط ببعض الكهوف، وبركة تجميع صغيرة للمياه، وعلى ما يبدو أن هذا المكان ربما سكنه كهنة أو مزارعون في قديم الزمان، وربما هم من قاموا بهذا النحت. 

  • مسار ترفيديا وصولاً الى عين بوبين
    بقايا أبنية قديمة

ومن ثم عدنا أدراجنا باتجاه “عين بوبين”، وبعد أن صعدنا طريقاً شديدة الانحدار، وصلناها أخيراً، فإذا هي متربعة وسط أشجار الجوز، والتوت، والرمان. وعند وصولنا المكان خلعنا أحذيتنا، ونزلنا إلى بركة المياه لغسل وجوهنا، والارتواء بمياهها، وكان شعوراً رائعاً بالانتعاش بعد أن قطعنا حوالي 13 كم.  استمتعنا بغذاء، ثم بالقهوة، وأقفلنا راجعين الى "دير ابزيع"،ومنها ل"رام الله".

عين بوبين

سميت بهذا الاسم نظراً لوجود بوابتين لها وهي تقع في أراضي قرية دير أبزيع لبويبين التي يحيطها بابان بالقرب من قرية دير ابزيع الفلسطينية، والتي تقع إلى الغرب من مدينة "رام الله"، وتقع عين بوبين في أراضي قرية دير ابزيع غرب “رام الله”، وفي قلب الأطماع الاستيطانية، ومخطّطات السيطرة على مصادر المياه في المنطقة. كما تمثّل نقطة التقاءٍ اجتماعي وجغرافي بين القرى المحيطة، والتي تقع أيضاً ضمن نقاط الاحتكاك الدائمة مع قوات الاحتلال، والمستوطنات المجاورة. 

الإسرائيليون أسموا العين بـ”نبع داني”، وهو مستوطن قتل في المنطقة عام 2015 بعد عملية إطلاق نار، حيث تقع العين عند سفح مستوطنة دوليف الصهيونية. وعلى إثر الحادث، أنشأ الاحتلال نصباً تذكارياً في هذه المنطقة، والذي أصبح عنواناً للصراع مع أهل المنطقة، وتمّ تدميره 4 مرات، ما دفع بأم المستوطن لتوجيه رسالة توبيخٍ للجيش تقول فيها إنّ ابنها "يموت من جديد" في كلّ مرةٍ يُدمّر فيها النصب.

هذا النبع هو أحد أكبر الينابيع في منطقة "رام الله" حيث يخرج الماء من ثقب في الأرض ليصب بداخل بركة تخزين تاريخية يزورها أهالي المنطقة للتجوال، والسباحة، وخصوصاً بعد حرمان الفلسطينيين من الدخول لأراضي 48، والاستمتاع بمياه البحر.

  • مسار ترفيديا وصولاً الى عين بوبين
    نبع بوبين: ماء يصب في بركة

تتميز المنطقة بنمو أشجار الرمان، والجوز، والتوت، ودوالي العنب التي نمت بسبب اعتناء الفلسطينيين بها، وريها من مياه البركة.

ولطالما استطعنا، نحن الفلسطينيون، العناية بأرضنا، فلماذا نترك الاحتلال يقوم بتحسين وتنظيم هذه الأماكن، وليس نحن؟ أليست هذه ارضنا والنبع نبعنا؟ السنا أحق بصيانته، وتحسينه، وتحويله لمتنزه، وخصوصاً أن معظمنا محروم من الاستمتاع بطبيعتنا، وبأرضنا السليبة، وبحرنا؟

هذه المناطق تحتاج اهتماماً خاصاً من قبلنا، وتنظيم زيارات أهلية ومدرسية، والا فإننا سنندم بعد ان يستولي عليها المستوطنون المغتصبون. سؤال كبير بحاجة لجهود جبارة، ولمبادرات من الأهالي، والحكومة، على السواء، لاستغلالها بطريقة سليمة.

 

 

 

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.