فيروز: يا أجمل ما فينا..يا شاماً بأكملها وأكثر

"لفيروز في مجد ميلادها، فيروز نشيد الإنشاد الأجمل، الذي يُقيم هناك في أعالي الروح والخُلد والوجدان والوعي البهيّ. لفيروز بنت الشام وغمامها: السلام والجمال وندى الغيم، وما قيل يوماً فيها يتصاعد بنفسه قُدُماً مع مرور الزمن".

يا فيروز، يا أجمل وأعلى وأبقى ما فينا
لطالما انتشلتنا من الغفوة والغفلة ومن بؤسنا ومن وحشتنا وأحزاننا، وترفّقت بنا وهي تأخذنا نحو حرير الروح والأبيض. ورسمت لنا غناءً كل علامات الطريق إلى المعنى والبهاء. لقد أقنعتنا وبالبسيط بأن نكون جميلين وحالمين وأقل خوفاً وأكثر أُنساً. وهذّبت أعماقنا وأذواقنا وساعدتنا على أن نستخرج من أنفسنا أجمل وأحسن ما فيها. لقد قامت فيروز فينا كسلطة قاهرة على نحو بالغ الجمال ولا يُضاهى في أية سلطة أخرى. وفيروز ليست صوتاً رقراقاً، تصعد كما كل الدعوات العالية من جسد رقيق فحسب، بل هي ملكة على عرش من جمال وقلوب وروح وضباب وسموّ. إنها صعود يتجاوز الأباطرة والملوك والدول. لأن الريح هنا تذهب بفيروز نحو أعلى وأعمق وتعبر بها كل الأزمنة نحو القيامة المُتعالية والمُتجدّدة والاستعادة والبقاء السرمدي.إنه عرش، نسجه الحب والوجدان والخلد وامتدادات الخيال اللا مُتناهية، إلا، لكي تمتد على نحو أعمق في أفق بلا حدود.

هي بنت الشام وغمامها وأجمل إفصاح وشى به الغيم للندى والوديان من وراء ظهر الجبال المتواطئة على نفسها . وهي تأكيد على سلامة الروح وجمالها وفتنة الكون المُعمّد بما نثرته فيه من معنى. إنها نشيد وأيقونة وفكرة ومُقاربة وسيادة بأكملها، تُعطي القوة وتستولدها. إنها تراتيل حوّلت: الوادي لولهٍ وخلوات. والخطاب إلى ضباب. والريح إلى بشير وذهب تعهّد أيلول بجمعه. والغمام إلى صفحات يُمكن قراءتها. والوجع إلى إيمان. والوعد إلى إمكانية. والحب إلى نداء وصلاة، وسلّمتنا في أمان الله إلى أرجاء صوت رتّل الوجود ورتّبه بصورة مُتمادية في اللياقة والأناقة والحُسن.

وفيروز انعتاق بأكمله من: الرداءة والتردّي والاستسلام، وخير مُتدفِق في نهرٍ من نغم ٍيحمله كلام. الكلام بما هو سرّ الوجود. كلام لا يكون هو نفسه عندما يصدر من نبع فيروز ويسرى في تردّدات صوتها. كلام اجتاحنا فاحتجناه: في كل يوم وصباح ولحظة وخلوة ووعد وقارعة. ولم تكن فيروز صوتاً أودعه البارئ في أرجاء امرأة رقيقة لا تحتاج صرامتها إلى برهان وكفى. لقد بنتنا بالنشيد والكلمات، واستولدت منا وفينا اليقين الجميل الذي حوّلنا أمام أنفسنا (على الأقل) إلى أبطال على نحو ما، في لحظة ما، من دون أن يكون( بالضرورة) في يوميات حياتنا تاريخاً من بطولة. ومن صداها المُتردّد في كل أرجاء روحنا ووجودنا قمنا بأجمل التسلسلات إلى أعماقنا وأعماق المعنى علناً على رؤوس الأشهاد. ودلتنا فيروز من دون صخبٍ أو عناءٍ على دروب الطمأنينة المُمكنة. وفيما كانت فيروز مملوكة لكل مَن يسمعها فقد تحوّلت بعد لميراث يخصّ كل منا بمرتبة ملكه. لا، لا أحد يُضاهي فيروز إلا هي نفسها. إنها شام بأكملها حيثما كانت ورغم اختلافنا في كل شيء وعلى كل شيء (تقريباً)، إلا أننا اتّفقنا من حيث احتسبنا أم لا على فيروز ومعناها، فطوبى. إن فيروز فعل إيمان جميل، يمتدّ من عالم الشهادة ليضعنا في عهده غيب بشري صنعته لنا: صوتاً ونغماً يُعيدنا إلى أنفسنا سالمين.

لقد سرت فينا فيروز وكأنها رسالة تستلهم أعالي الرسالات، وامتثل لها وجداننا عن رغبة وعن حاجة وعن جمال وعن اعتراف لأيقونة مبنية من غمام ونشيد. وفيروز من أهم ما تبقّى لجيل خسر كل شيء تقريباً ، وتواطأ على نفسه وتواطأت عليه الظروف. وعندما ظلّت له فيروز أحسّ بأنه يمتلك "شيئاُ لا يذهب" أبداً. إنها أول ما نحتاج :في الحب والحرب والسلم والصباح والوعد وعند قيامنا في الحياة الدنيا ، كي نعود غانمين لمكان ما في النفس والروح.

يا فيروز، يا أجمل وأعلى وأبقى ما فينا، اليوم وغداً وإلى أن يرث الله الأرض فطوبى، يا جبهة كاملة لا يصلها عدو وغير قابلة للانكسار. ويا علامة ونشيد يتخطّى الأزمنة والدول والقبائل والعابرين والطاعنين في البؤس نحو وعد آخر.


إن الحدث الأجمل هو حيث توجد فيروز: في تراتيل الصباح وانسيابه فينا، طوبى، فلا أجمل!. في شرفة البيت. أو على منصّة النشيد. أو في أية حقيقة أو في سعة خيال. أو كشاهد على موعد بين عاشقين. أو في أي وقت، وفي كل وقت، وحيثما كانت، فطوبى.