السعادة
قد يظن البعض أن حياتنا تدور على عَجَلة العقاقير، فيما الواقع أنها جاءت مؤقّتة لتُعيد بعض التوازُن والتناغُم بين أوتار الكمنجة، لا كل التوازن.
هناك منظور للسعادة، على أنها التفاعل الكيميائي في الدماغ بين ترابط هرمون الدوبامين مع المتلقيات العصبية. هذا صحيح، لكن بنسبية وجزئية، وكون العملية التفاعلية وليدة اللحظة، أي هي سعادة اللحظة.
لكن هذا المُفاعل الهائل، مُنتج الأفكار والمشاعر، لعلّه من أشدّ المُفاعلات تعقيداً للدراسة والمراقبة. نعرف أن التفاعل قد يُولِّد طاقة على هيئة ما قد تصدر صوتاً أو لوناً أو رائحة أو حرارة.
إن السعادة، هي محصول تفاعل طويل مُعقَّد، تصدُر نغمة رنّانة، تطغى على كل أصوات هذا الجسد المُفاعل، تطغى على دقّات القلب، وصوت النفس وهَمْهَمات الأفكار.
لكن هذه النغمة لا تأتي بلا شحذ طويل مرير لأوتار كمنجة في الذات مُتجسّدة بين القلب والدماغ. في طريق هذه النغمة، كثير من البؤس والحزن والغضب والاكتئاب.
نعم في حين علاج الاكتئاب، نلجأ إلى العقاقير التي تساعد العملية التفاعُلية الأولى لسعادة اللحظة، لكنها ليست كل القضية. قد يظن البعض أننا مدمنون، حياتنا تدور على عَجَلة العقاقير ولا نستطيع العمل من دونها، فيما الواقع أنها جاءت مؤقّتة لتُعيد بعض التوازُن والتناغُم بين أوتار الكمنجة، لا كل التوازن.
لقد راقبت هذه العملية على مدى سنوات في تصرّفات ذهني وجسدي، خلال أخذي للعقاقير ومن دونها، وللمُفارَقة امتنعت منذ مدّة عنها لحوالى ثلاثة أشهر لكثيرٍ من الأسباب بعضها مُتعلّق بالجائِحة وصعوبة التنقّل وبعضها مُتعلّق بفضولي وتساؤلاتي وإعادة مُراقبة التجربة.
لم يكن قراراً صائباً، لكن لا أندم عليه بعد أن عدت إلى العلاج من جديد. نحن في هذا التفاعل نبحث عن التناغُم مع بقيّة التفاعُلات في كل شيء حولنا، نريد أن نرى الترابُط، نريد أن نفهمه، نريد أن نعرف أن كل شيء مُترابط.
نريد البحث عن المعنى، وهذا البحث مؤلِم وقاسٍ وقد يُبعدنا عن كل ما نحب أو نريد، لكن ثمرته هذه النغمة، التي سيغدو صداها أعلى من صوت كل الأنين والنحيب في الصدر وأعلى من صوت الهموم والحَسْرة في الرأس، كل هذا هو شحذ لأوتار الكمنجة، إشعال وتنشيط للمُفاعل، إلى أوج قُدرته، إلى حيث تخرجه من الطاقات والأفكار والمشاعر الصفوة الخالصة مع رنين هذه النغمة، المُتناسِقة الجذّابة التي تُنبت أجنحة التحليق فوق المرارة والعذاب إلى خير المآب.
سأحزن، سأغضب، سيدوم اكتئابي واضطرابي، في سبيل هذه النغمة.