مراكز الأبحاث ترسم خريطة سياسات ترامب المقبلة
تعتبر مراكز الأبحاث امتداداً للسياسة الأميركية وتشاطرها وظيفة "بلورة ورسم السياسات المقبلة" بعيداً عن أي هيئة رقابة أو محاسبة، بعضها يتلقى معونات مالية حكومية دون أن يرافقها مساءلة واضحة، على نقيض ما تفترضه الممارسات الديموقراطية التي تستند إلى المساءلة والمحاسبة. ربما الوصف الأدق هو أنها بمجموعها تخضع لسيطرة "بعض الأفراد" النافذين بين النخب السياسية والاقتصادية، التقليدية والصاعدة، الذين "يمارسون أدواراً هامة ترافقها قدرات ذاتية غير محددة المعالم والمميزات ولا تخضع لإجراءات المساءلة".
-
-
المصدر: الميادين نت
- 7 كانون الثاني 2017 20:12
لم يوفّر ترامب مؤسسات مراكز الأبحاث من ازدرائه وانتقاداته وتوجّسه
تميّزت حملة ترامب الانتخابية
بإطلاقه التصريحات الحادّة على عواهنها، ولم يوفّر مؤسسات مراكز الأبحاث من ازدرائه
وانتقاداته وتوجّسه، وطالب بتقليص أدوارها ونفوذها على أركان المؤسسة الحاكمة، ونادى
"بتجفيف مستنقع" السياسيين في واشنطن. بعد هدوء عاصفة الانتخابات بادر بعض
مسؤولي المراكز المحافظة التقليدية الاتصال بأركان فريقه الانتقالي لعرض الخدمات المنوطة
بالرئيس المقبل بلورتها، وتشذيب رؤاه.
في هذا السياق تتعزز محورية
الإضاءة المكثّفة على "حقيقة" مراكز الأبحاث التي حافظت على نفوذها الطاغي
في أركان المؤسسة السياسية الأميركية، التشريعية والتنفيذية والقضائية، منذ نهاية الحرب
العالمية الثانية وتدريجياً خلال الحرب الباردة وما تلاها من هزات وتطورات محلية وعالمية.
وامتداداً، يمكن الاستنتاج أيضاً بما تقوم به رديفاتها الأوروبية، وعلى رأسها
"معهد تشاتام هاوس" في بريطانيا، من رسم سياسات أوروبية موازية ولا تتعارض
مع السياسات الأميركية.
جدير بالإشارة إلى أن متطلبات
العولمة في القرن الحالي وتداعياتها على الدول النامية، بشكل خاص، أدّت لتراجع دور
الدولة المركزية لصالح إملاءات وتوجهات مراكز الأبحاث وملحقاتها من "منظمات غير
حكومية" التي يراها البعض أداة ميدانية لمموليها في مراكز الأبحاث والمنتشرة في
عدد من الدول والمناطق المختلفة؛ تجمعات بمسميات رفيعة تجري مسحاً اجتماعياً وسياسياً
واقتصادياً لمجتمعاتها بما يتسق وأهداف المموّلين من "مراكز" ومؤسسات.
مراكز أبحاث أم حكومات ظلّ موازية!
تعتبر مراكز الأبحاث امتداداً
للسياسة الأميركية وتشاطرها وظيفة "بلورة ورسم السياسات المقبلة" بعيداً
عن أي هيئة رقابة أو محاسبة، بعضها يتلقى معونات مالية حكومية دون أن يرافقها مساءلة
واضحة، على نقيض ما تفترضه الممارسات الديموقراطية التي تستند إلى المساءلة والمحاسبة.
ربما الوصف الأدق هو أنها بمجموعها تخضع لسيطرة "بعض الأفراد" النافذين بين
النخب السياسية والاقتصادية، التقليدية والصاعدة، الذين "يمارسون أدواراً هامة
ترافقها قدرات ذاتية غير محددة المعالم والمميزات ولا تخضع لإجراءات المساءلة".
الركائز الفكرية الجامعة لتلك
"النخب" هي رؤاها الضيّقة لمستقبل الكون برمته انطلاقاً من تسليمها بنظرية
التفوق الأحادي في "صراع الحضارات" البائسة؛ ترويج لا يزال طاغياً وإن بمسميّات
أخرى مبتكرة، خاصة وأن خلاصاتها تتجسد في "اجترار حلول وأهداف تتحقق بفعل الصراع
والتجزئة والتقسيم، وإثارة القلاقل" في مناطق إقليمية معيّنة تخدم مصالحها، وليس
بفعل التعاون والتنافس السلمي – كما تروج أدبياتها.
شهد أفول القرن الماضي وبروز
القرن الحادي والعشرين ظاهرة تعددية "المنظمات غير الحكومية" وانتشارها في
بقع جغرافية محددة، لا سيّما في المنطقة العربية والساحة الفلسطينية ودول "الطوق"
بشكل أدق؛ تعود مرجعيتها بغالبيتها إن لم نقل بشموليتها إلى عدد محدود من "مراكز
الفكر والأبحاث،" أميركية بالدرجة الأولى وأوروبية عندما تتطلب الحاجة، أبرزها
مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، بشطريها المرتبطين بالحزب الديموقراطي والجمهوري تباعاً.
تلك المؤسسة وأخواتها في أميركا كان لها الدور الأبرز في احتضان وإطلاق "الثورات
الملونة" التي اجتاحت بلدان المنظومة الاشتراكية السابقة، وامتدّت للمنطقة العربية
عبر "ثورة الياسمين" وما درج على تسميته "الربيع العربي" الدموي.
من ضمن "المؤسسات"
مميّزة النفوذ مؤسسة "هاريتاج"، الركيزة الفكرية الأهم للحزب الجمهوري وإداراته
المتعاقبة؛ مؤسسة "راند"، المعروفة أيضاً بشركة راند البحثية التي تعد من
أبرز المتنفذين في أجندة الاستخبارات الأميركية وعلى رأسها وكالة الاستخبارات المركزية،
كما يفيد بعض ضباطها المتقاعدين.
في ما يخص العالم العربي برمته،
تبرز مؤسسة "كارنيغي" ومعهدها البحثي والوقفي في آن، ويمتد نفوذها على رقعه
جغرافية واسعة منها مقر رئيس وهام في بيروت، ولاحقاً الدوحة، ومراكز أخرى في موسكو
وبيجينغ ونيودلهي؛ مما يوفّر لها ممارسة نفوذها على نطاق عالمي.
صنّاع سياسة ترامب
كانت مؤسسة "راند" البحثية أوّل من دشن معالم السياسات العامة للإدارة المقبلة
من أهم ميزات "المرحلة
الانتقالية" في مؤسسة الرئاسة الأميركية أن الرئيس المقبل، دونالد ترامب، حافظ
على أولوية حضور الجنرالات في مراكز صنع القرار، وارتكازه أيديولوجيا على مراكز أبحاث
هامّة تمثّل التيارات اليمينية والمحافظين الجدد. تلك الإشارة ضرورية لسبر أغوار المرحلة
المقبلة من السياسة الأميركية.
كانت مؤسسة "راند"
البحثية أول من دشن معالم السياسات العامة للإدارة المقبلة، وأطلقت العنان لسباق التسلح،
بإصدارها "دراسة" تبشّر فيها بالتأزم والصدام المقبل في شرق آسيا، بعنوان
"الحرب مع الصين: التفكير بالاحتمالات فوق العادية" منتصف شهر آب/اغسطس العام
الماضي.
بإيجاز، استعرضت الدراسة التي
شارك في إعدادها سلاح البر الأميركي "الخيارات المتاحة الناجمة عن نشوب حرب بين
دولتين نوويتين دون أدنى مبالاة بالعواقب الكارثية التي ستطال شعوب الولايات المتحدة
والصين وبقية العالم."
كما استندت الدراسة إلى جملة
من الفرضيات الخاطئة: الحرب مع الصين لن تستدعي تدخل قوى أخرى؛ وإنها ستبقى محصورة
في منطقة شرقي آسيا؛ وعدم لجوء الدولتين لاستخدام الأسلحة النووية. واستنتجت أن كلفة
الصراع ستكون باهظة لا سيما وأن "الولايات المتحدة لا يمكنها الرهان على تفوقها
ميدانياً، أو قدرتها على تدمير الدفاعات الجوية الصينية المتطورة، أو إنجاز نصر مؤزر.."
وتستطرد أن الخسائر الأميركية "ستتصاعد" في حال إرجاء الصدام العسكري لعام
2025، مقارنة بالصدام النظري السابق الذي شهدنا تجسيده عام 2015.
الصدام المرئي المذكور جائز
من الناحية النظرية استناداً إلى الأزمة البنيوية التي تعتري النظام الاقتصادي والسياسي
العالمي، إن لم يتم تفاديه بإعادة ترتيب بعض الأولويات الكونية، على رأسها قبول الولايات
المتحدة بمنافسين دوليين آخرين لها على الساحة العالمية.
عودة لاختيارات ترامب، ما يتضح
هو إفراط ثقة فريقه بمؤسسات الفكر والأبحاث المؤيدة للتيار المحافظ والمحافظين الجدد،
ومن الطبيعي الاستنتاج أنه سيصغي لإرشاداتهم وتصوراتهم، خاصة وأن عناصر طاقمه للأمن
القومي والسياسة الخارجية مروا على منابر المؤسسات الفكرية المتعددة: مؤسسة "هاريتاج"؛
معهد "المشروع الاميركي"؛ معهد "هوفر"؛ و"مركز الدراسات الاستراتيجية
والدولية – التي تمّ التطرق لها بمجموعها في تقرير سابق لنا.
مؤسسة هاريتاج
من المرجح أن تعود "هاريتاج" إلى صدارة الأحداث والقرارات السياسية في عهد ترامب
تعتبر "هاريتاج" إحدى أعرق المؤسسات
اليمينية منذ تأسيسها عام 1973، بتمويل من وريث عائلة "كوورز" Coors لمشروب الجعة، جوزيف كوورز؛ وضمّت نائب الرئيس الأسبق ديك شيني كأحد مستشاريها
عام 2013.
تتميز المؤسسة عن قريناتها الأخريات
من مؤسسات التيار المحافظ بأن لديها مروحة واسعة من القضايا ذات الاهتمام تتوزعها نخبة
من نحو 50 خبيراً وعضواً مشاركاً يعاونهم نحو 235 عنصراً إدارياً وبحثياً لمراقبة نواحي
المسائل الهامة للتيار المحافظ كافة.
نظراً لتلك الخصائص وغيرها،
من المرجح أن تعود المؤسسة إلى صدارة الأحداث والقرارات السياسية في عهد ترامب، على
المستويين الداخلي والخارجي على السواء، خاصة وأن المؤسسة تتبجح بفرادة نمط عملها المستند
إلى "آلية إنتاج دراسات دقيقة ذات أبعاد إيديولوجية" على الرغم من عدم تقيّدها
بالقواعد العلمية والبحثية الصارمة، يعززها تمويل ثابت لا ينضب من كبريات الشركات والممولين. تعرّضت مؤسسة هاريتاج إلى حوادث قرصنة لسجلاتها وتمويلها
وملفاتها الداخلية في تموز/ يوليو 2015، ونشرت محتوياتها على شبكة الانترنت. أوضحت
الملفات المذكورة حجم العلاقة الوثيقة القائمة بين المؤسسة وكبريات شركات الأسلحة،
لوكهيد مارتن، وسيل التبرعات السخية.
في هذا السياق، أقدمت وزارة الدفاع آنذاك على إلغاء مشروع طائرة أف 22 عام 2009، التي
تصنعها شركة لوكهيد؛ وتحرّكت مؤسسة هاريتاج على الفور عقب لقاءات شبه شهرية مع مدراء
الشركة بهدف شن حملة شرسة لدى الحكومة الأميركية لإعادة العمل بتمويل المشروع الضخم.
وهذا ما كان.
من القضايا "المقدّسة"
بالنسبة للمؤسسة فرط اهتمامها بوزارة الدفاع وزيادة الإنفاق على الشؤون العسكرية ورفعها
إلى مرتبة متقدمة عن الأولويات الأخرى. بالنظر إلى وعود ترامب الانتخابية "لإعادة
بناء وتأهيل المؤسسة العسكرية الأميركية" فليس عسيراً الاستنتاج بدور فاعل وبارز
وربما حاسم لمؤسسة هاريتاج في صياغة السياسات الدفاعية، لا سيما وأن من أبرز إصدراتها
كانت دراسة بعنوان "مخطط للإدارة الجديدة" تناشد فيها ضرورة سدّ الثغرات
الكامنة في الأوضاع العسكرية وإيلاء الأولوية لتعزيز الجهوزية القتالية للقوات الأميركية
وزيادة عديدها وتحديث ترسانتها، بعيداً عن ضغوط المتطلبات الاجتماعية الأخرى.
يشار إلى أن الرئيس أوباما وضع
ملامح رؤيته العسكرية ضمنه خطاب ألقاه أمام كلية "ويست بوينت" العريقة، عام
2014، بمفاضلته "تدخلات عسكرية محدودة تستند إلى دعم وانخراط قوى دولية متعددة
لمكافحة الإرهاب ومواجهة التحديات العالمية الأخرى" الأمر الذي عاد عليه بانتقادات
لاذعة من أقطاب اليمين ومؤيدي المؤسسة العسكرية، واتهامه بترؤس مهمة "انحدار الولايات
المتحدة وانسحابها من المسرح الدولي."
رؤية الرئيس باراك أوباما لوظيفة
القوات العسكرية تلخّصت بالاعتماد على وحدات "القوات الخاصة" لتنفيذ المهام
الكبرى بعد الإعياء الذي أصاب القوات العسكرية الأميركية نتيجة انخراطها في حروب متتالية
ومستمرة.
كما أن الأسلحة الأميركية المعتمدة
هي نتاج تصاميم عصر الحرب الباردة والتي بانت ثغراتها الكبرى في أداء أبرز وأحدث طائرة
مقاتلة "أف 35" وأكثرها كلفة، إذ فشلت في التحليق والمناورة في ظروف جوية
ماطرة، وهي في طريقها الانضمام لسلاح الجو الصهيوني، قبل أسابيع معدودة.
يذكر أيضاً أن "مشروع الميزانية"
العامة لعام 2011 الذي تبناه رئيس لجنة الموازنات في مجلس النواب آنذاك، بول رايان،
استند بكثافة إلى مواد بحثية أجرتها مؤسسة هاريتاج، بعنوان "خارطة طريق لمستقبل
أميركا" التي شكلت بداية توجهات الكونغرس لنقض برنامج الرعاية الصحية الشاملة.
في عهد الرئيس أوباما، سلكت
مؤسسة هاريتاج مساراً سياسياً متبايناً مقارنة بأركان الحزب الجمهوري الذين "احتضنوا"
التيارات المتطرفة والمنددة بالمؤسسة الرسمية، تيار حزب الشاي مثالاً. وركزت "هاريتاج"
جهودها على تصويب مسار ووجهة ممثلي الحزب الجمهوري في مجلسي الكونغرس في صراع ايديولوجي
مع الرئيس أوباما وأجنداته، ومواجهة برنامج الرعاية الصحية الشاملة – اوباما كاير،
بعيداً عن رسم سياسات واستنباط برامج خاصة.
اختيار ترامب لوزير الطاقة،
حاكم ولاية تكساس السابق ريك بيري، يضفي خطورة مضاعفة على الأسلحة النووية، إنتاجاً
وتطويراً واستخداماً، نظراً لخضوع برامج تطويرها وصيانتها تحت سلطة وزير الطاقة الجديد
وتوجهاته المساندة لصناعة الأسلحة وتحديث الترسانة النووية.
استقراء توجهات مؤسسة "هاريتاج"
نحو قضايا الشرق الأوسط يقودنا إلى القول "إن هاريتاج ترجح المسار التصادمي
".. ففي الشرق الأوسط، يتعين على الرئيس مواجهة طموحات إيران النووية ودعمها للإرهاب
في سوريا والعراق وليبيا، ومناطق أخرى من العالم."
كما حثت هاريتاج الرئيس المقبل
على "التنصل من الاتفاق المشترك" مع إيران وإعادة العمل بنظام العقوبات الأميركية،
والبحث في آلية مختلفة تؤدي بمجلس الأمن الدولي إلى تفعيل عقوباته السابقة ضد إيران
تدفعها لتفكيك منشآتها النووية. وتطالب المؤسسة باتخاذ إجراءات عقابية مماثلة ضد كوريا
الشمالية.
الصين، بنظر مؤسسة "هاريتاج"،
تمثل التحدي البارز لنفوذ الولايات المتحدة، وتطالب الرئيس المقبل بانتهاج سياسة متشددة
نحوها ونعزيز علاقاته مع الحلفاء الإقليميين في اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا،
تحديداً، وطمأنتهم إلى التزام واشنطن تعهداتها الأمنية، بما فيها دعم نظام جزيرة تايوان.
كما تناشده تكثيف الدوريات البحرية الأميركية في مواجهة البحرية الصينية إمعاناً في
حرية الملاحة في المنطقة، ومقاومة مساعي الصين للسيطرة على جزر ومناطق في المحيط الهاديء.
اختيار ترامب لوزير خارجيته
الجديد، ريكس تيلرسون، يؤشر إلى نيته إعادة ترتيب أولويات وزارة الخارجية الأميركية،
بالاتساق مع نصائح مؤسسة "هاريتاج" التي طالبت بخفض مستويات عدد من مكاتب
وزارة الخارجية للشؤون الإقليمية "إذ شهد حضورها خلال عقدين ونيف ماضيين على تنامي
عديد وحجم الكادر المهني والإمكانيات المخصصة لتلك المكاتب. فالنمو المذكور نجم عنه
إهدار للإمكانيات والموارد، وأسهم في تعميق هوة الخلاف السياسي، وأدى لتداخل السلطات
والصلاحيات فيما بينها".
وناشدت "هاريتاج"
وزير الخارجية المقبل "إعادة هيكلة طواقم الوزارة وتقليص صلاحيات المكاتب المختصة
وإلحاقها بالمكاتب الإقليمية في الوزارة تحت إمرة منصب مستحدث لنائب الوزير للشؤون
متعددة الاطراف."
وأوضحت هاريتاج ضيق ذرع القائمين
عليها من تمدد الجهود الديبلوماسية النشطة لوزير الخارجية (في الإدارة الديموقراطية)
مطالبة الطاقم القادم بـ"الحدّ من الاعتماد على صيغ المبعوثين الخاصين والممثلين
الخاصين" على السواء. ورصدت المؤسسة وجود نحو 60 مبعوثاً خاصاً للشؤون الديبلوماسية
موزعون على تصنيفات متعددة: مبعوث خاص، ممثل خاص، منسق، مستشار خاص، وجملة أخرى من
رتب ومناصب رفيعة ملحقة أوكلت إليها مهام وإدارة ملفات خاصة متعددة. ودقت المؤسسة ناقوس
الخطر من الإبقاء على تلك الصيغة لا سيما وأن المعنيين عادة ما يلجأون للتصرف واتخاذ
مواقف خارج الصلاحيات الرسمية لوزارة الخارجية (وفق تفسيرها الضيق) وما قد يترتب عليها
من تنافر صلاحيات مع السفراء الأميركيين في المناطق المعنية، علاوة على الكلفة الإضافية.
أدبيات مؤسسة "هاريتاج"
تدل بوضوح على حثّها الرئيس ترامب على النأي عن سياسات الحفاظ على البيئة، الأجندة
الخضراء، لما تشكله من قيود ومعوقات على برامج التسليح وبلوغها أهدافها المرسومة.
على سبيل المثال، أقرت المؤسسة
بأن "الوقود الإحيائي" لا يستطيع تلبية متطلبات توفير الطاقة للقوات العسكرية،
وعليه ينبغي إحياء الاعتماد على الطاقة الأحفورية المهددة للبيئة. يشار في هذا الصدد
إلى "تكامل" رؤية مرشح ترامب لمنصب وزير الدفاع، جيمس ماتيس، مع تصورات "هاريتاج"،
إذ طالب قياداته العسكرية إبان اجتياح واحتلال العراق "استثناء" قواته من
مشاة البحرية – المارينز من القيود المفروضة على حصص الطاقة زاعماً أنها كانت أحد مسببات
تعثر تقدم القوات الأميركية.
لب رؤى مؤسسة "هاريتاج"
في مجال توزيع حصص الطاقة والوقود يمكن إيجازه بإيلاء الأولوية للمتطلبات العسكرية
وتذليل العقبات، العمل على تخفيف المتطلبات اللوجستية، والنظر إلى إمكانية الاعتماد
على الطاقة النووية – هكذا وبدون خجل.
مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية
مدى نفوذ مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في أروقة الكونغرس ظاهرة لكل عيان
نادراً ما يتمّ دحض القراءة العامة
لدور "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" كأحد أهم معاقل بلورة السياسات
الخارجية التي تقتدي بها الإدارات المتعاقبة والدول الأخرى.
إنتاج المركز يمكن تصنيفه بالمدرار
كمّاً ونوعاً، تناول قطاعات ومواضيع متعددة: قضايا الدفاع والأمن القومي؛ الأمن العالمي؛
الاقتصاد والطاقة؛ أساليب الحكم؛ دراسات إقليمية متعددة تعالج قضايا أفريقية وآسيوية
وأميركا اللاتينية وروسيا ودول حلف الناتو.
يشار إلى أن الرئيس الأميركي
الأسبق رونالد ريغان أشاد مراراً بالمركز وإنتاجاته وتفضيله على ما عداه في دعم سياساته
الخاصة بتأييد قوات الثورة المضادة وفرق الموت، الكونترا، في أميركا الوسطى واللاتينية.
بل تصدّر المركز جهود الدفاع "الفكري" والإعلامي عن فضيحة إيران-كونترا؛
بيع إيران أسلحة في حربها مع العراق واستخدام ريعها لدعم عناصر الكونترا.
مدى نفوذ المركز في أروقة الكونغرس
ظاهرة لكل عيان، ويستخدم سياسة الباب الدوار إذ يستقطب بعض الأعضاء للعمل معه بعد تقاعدهم
الرسمي. وأوضح رئيس المركز الأسبق، عاموس جوردان، مضمون تقارير مركزه للكونغرس بأن
"ما يرغّب في قراءاته هو أفكار تمت صياغتها وبلورتها لتصب في سياق خطابه السياسي"
عوضاً عن دراسات مكثفة وعميقة.
وزير الخارجية المرشح، ريكس
تيلرسون، يشغل مركز عضو مجلس أمناء المركز، مما يؤشر إلى عمق النفوذ المنتظر للمركز
أن يلعبه في رسم معالم السياسة الخارجية الأميركية.
بعد إعلان ترامب ترشيحه لتيلرسون،
أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بياناً أشاد فيه بقدرات الأخير قائلاً
"السيد تيلرسون كان عضواً في مجلس أمناء المركز منذ عام 2005 ولعب دوراً نشطاً
في الإنتاج الفكري للمركز، بتركيز خاص على مسألة الرعاية الصحية على المستوى الدولي؛
وكان أحد مدراء برنامج هيئة المركز لسياسات الصحة العالمية."
في مسائل رؤى وبلورة السياسات
الخارجية، سينشر المركز قريباً سلسلة من أحدث إصداراته بعنوان "الانتقال 45"
يحث فيها الرئيس المقبل وفريقه على ضرورة التحلي بالكياسة والواقعية وتفادي مفردات
الخطاب الانتخابي، وتحديد معالم السياسة المقبلة والعقيدة العسكرية "على وجه السرعة."
ومن بين العناصر الهامة للمركز
ضرورة "طرح (ترامب) معالم رؤيته لدور الولايات المتحدة في العالم، تحديد مصالح
الأمن الوطني؛ الوسائل التي (ينوي) استخدامها لحماية تلك المصالح، وبشكل خاص دور القوات
المسلحة في تلك المعادلة."
تتضمن السلسلة أيضاً "تحذيرات"
موجّهة ضد روسيا والصين، مع الإدراك التام أن الولايات المتحدة بحاجة لمساعدتهما في
عدد من القضايا، تنص على ".. روسيا غزت بلداناً مجاورة والصين اتخذت خطوات لعسكرة
خطوط الملاحة البحرية الدولية. الولايات المتحدة كانت بحاجة لتعاون الدولتين معاً لصياغة،
ومن ثم تطبيق، سبل تضمن عدم انتشار الأسلحة ضد إيران وكوريا الشمالية."
مركز الدراسات أيضا له باع طويل
في بلورة الوعي الجمعي من حالات التطرف، وتصدر إنتاجها تحت عنوان إعادة النظر بتهديد
التطرف الإسلامي: المتغيرات المطلوبة في الاستراتيجية الأميركية. تستند الدراسة إلى
التنبيه من تشتيت الجهود الأميركية الرسمية ومحورها الراهن هو التهديد المباشر من تنظيم
داعش، والخطر الخارجي الذي يمثله على الولايات المتحدة وأوروبا. ويمضي المركز بالقول
إن قلة ضئيلة من الأميركيين تدرك أهمية نسج الولايات المتحدة شراكة استراتيجية مع دول
غالبيتها إسلامية، وإن المعركة الحقيقية مع التطرف الإسلامي تجري داخل أراضي دول إسلامية،
كما أنها معركة تدور حول مستقبل الديانة الإسلامية – عوضاً عن التهديد المحدود الذي
تمثله المعركة على ديانات ودول خارجية.
ويوضح المركز في دراساته أنه
يتعين على الولايات المتحدة توفير الدليل الحسي لقدرتها على التصرف بحزم وأيضاً كشريك
باستطاعة الأطراف الأخرى المشاركة منحه الثقة. وفي نفس الوقت، عليها العمل سوية مع
الشركاء الأمنيين في الدول الاسلامية ودعمهم في تحديد ثغرات أدت لفشل الأداء وبلورة
تدابير فعالة لمحاربة التطرف، وتكثيف الجهود لتعزيز الاوضاع الدفاعية، وتحديد مناحي
الفشل الذي لحق بجهود تحديد جذور التطرف الاسلامي.
معهد المشروع الأميركي
يعدّ المعهد من أنشط المراكز المؤيدة "لإسرائيل" وقدّم درع تقدير لبنيامين نتنياهو
يصنّف المعهد ضمن فئة أبرز مراكز
المحافظين الجدد، ويرجح أن يحجز مقعداً متقدماً له في المرحلة المقبلة، يعززه تصريح
لرئيس مجلس النواب الحالي، بول رايان، عام 2012 قائلاً "إن المعهد يشكل رأس جسر
لحركة المحافظين الحديثة."
يشار إلى أن الرئيس الأميركي
الأسبق، جيرالد فورد، انضم لطاقم المعهد عقب انتهاء ولايته عام 1976، مصطحباً بعض أبرز
الشخصيات اليمينية مثل القاضي روبرت بورك والصحافي البارز ديفيد غيرغين.
كما يعد المعهد من أنشط المراكز
المؤيدة "لإسرائيل،" وقدّم درع تقدير لبنيامين نتنياهو، في تشرين الأول/
أكتوبر عام 2015، لجهوده في "إثراء الإنتاج الفكري المميز وتطوير السياسة الرسمية .."
ضمّ المعهد بعضاً من أهم الشخصيات
السياسية والمستشارين في إدارة الرئيس جورج بوش الإبن، منهم جون بولتون، بول ولفوويتز،
ريتشارد بيرل وجون يو. كما انضمّ لفريقه السيناتور السابق ومرشح نائب الرئاسة الأسبق جو ليبرمان.
للمعهد أيضاً علاقة مميزة مع
إدارة الرئيس أوباما، وكان من أبرز وأنشط المؤيدين لنشر قوات عسكرية أميركية في العراق
وسوريا من منطلق حاجة الاستراتيجية الأميركية لإثبات التزامها باستخدام القوة لتحقيق
أهدافها. وطالب فريدريك كيغان، أحد كبار مدراء المعهد، البيت الأبيض "إرسال ما
لا يقل عن 25 ألف جندي أميركي للعراق وسوريا، والمرابطة الدائمة هناك."
شجّع المعهد إدارة ترامب على
ترشيح جيمس ماتيس لمنصب وزير الدفاع نظراً "لخبرته القتالية السابقة التي تؤهله
لتبؤ موقع فريد لمساعدة الرئيس الجديد" في إدارة الحروب الجارية في أفغانستان
والعراق. كما يتردد من بعض التسريبات إمكانية اختيار ترامب لجون بولتون كمرشح لمنصب
نائب وزير الخارجية.
وشاطر المعهد ترشيح تيلرسون
لمنصب وزير الخارجية للأسباب عينها التي ساقتها مؤسسة هاريتاج بالتعويل على خبرة المرشح
لإحداث إصلاحات جادة في هيكلية وزارة الخارجية الأميركية، ويبلغ تعداد "موظفيها
نحو 70 ألف شخص بميزانية سنوية قدرها 65 مليار دولار، مشدداً على أن الوزارة بحاجة
ماسة لإعادة الحيوية والنشاط لطواقمها المتعددة وترشيد عدد موظفيها امتثالاً للمهام
المطلوب إنجازها في عهد الإدارة الجديدة.
التطرف وتأييد مساعي التغيير
بالقوة العسكرية من سمات فكر وإنتاج المعهد. في العراق، مثلاً تصدّر المعهد جهود تبرير
دوافع شن العدوان على العراق والتلاعب بمضمون التقارير الاستخباراتية لدعم الغزو والاحتلال؛
بل مضى في تأييد أساليب التعذيب المختلفة التي
نفذتها إدارة بوش، لا سيما استخدام أسلوب محاكاة الإغراق، وما رشح من معتقل أبو غريب.
في سوريا، دعا المعهد إلى تكثيف
الغارات الجوية في المسرح السوري معتبراً أن "سلاح الجو (الأميركي) لم يفشل هناك؛
بل لم يتم انخراطه ومشاركته بفعالية". وأضاف في سياق تبريره استخدام القوة إن
"الطائرات الأميركية المقاتلة تنفذ غارات ضدّ سوريا بمعدل سبع غارات يومياً..
ممّا يمثل معدلاً أقل بمئة مرة عما فعله في العراق."
في العراق وسوريا، يشار إلى
ديمومة مطالبة المعهد صناع القرار توفير الدعم العسكري للكرد؛ والحث على استخدام مكثف
لوحدات القوات الخاصة الأميركية؛ مناشداً الرئيس ترامب العمل الحثيث مع الأردن لإنشاء
وتوسيع منطقة آمنة على حدوده الشمالية مع سوريا التي يعتبرها "أزمة أجيال، مستقبلها
يكمن في فدرلتها ".
لا يخفي المعهد عداءه الشديد للاتفاق النووي مع إيران، مطالباً الرئيس المقبل بإلغاء
الاتفاق، كما عبّر عنه صراحة جون بولتون، وتسديد ضربات لإيران لحملها على "إنهاء
دعمها للإرهاب، وتوفير فسحة أوسع للمناورة الأميركية حين تنضج ظروف التفاوض بشأن الملف
النووي."
معهد هوفر
يتسّم معهد "هوفر" بميله الشديد لتأييد أجندة المحافظين الجدد
تأسس المعهد عام 1919 من قبل
الرئيس الاميركي هيربرت هوفر، كما يوحي اسمه، قبل تسلمه منصب الرئاسة؛ بغية معالجة
تداعيات الحرب العالمية الاولى وكل ما يتعلق بها من تطورات. يعتبر المعهد من أقدم المؤسسات
البحثية في الولايات المتحدة، ومقره في جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا. لا يعتبر
المعهد من المقربين للدوائر الحاكمة في العاصمة واشنطن، بحكم بعده الجغرافي، بيد أنه
رشح العديد من أكفأ خبرائه لمناصب عليا في الإدارات الأميركية المتعاقبة: هنري كيسنجر؛
جورج شولتز؛ كونداليسا رايس؛ ويليام بيري؛ دونالد رامسفيلد؛ مرشح الرئيس ترامب لمنصب
وزير الدفاع جيمس ماتيس؛ ورئيس القيادة المركزية الأسبق جون ابي زيد الذي انضم لطاقمه
عقب انتهاء خدمته العسكرية.
يتسّم المعهد بميله الشديد لتأييد
أجندة المحافظين الجدد، لا سيما في مجال السياسة الخارجية الأميركية؛ وخرج من صفوفه
الأكاديمي العربي السابق فؤاد عجمي، المستشار السابق لإدارة الرئيس بوش.
الأطر العامة التي تحكم رؤى
وفكر المعهد ضمنها في دراسة أصدرها عام 2015 بعنوان استراتيجية أميركية كبرى جديدة،
شارك في إعدادها المرشح لمنصب وزير الدفاع جيمس ماتيس. البند الخاص بالشرق الأوسط أوضح
أن "ما نحتاجه هيكلية أمن جديدة مبنية على سياسة صائبة، تلك التي تسمح لنا التصرف
بملء إرادتنا في هذا القتال". وأضاف إن الاستراتيجية المقصودة ينبغي أن تنطلق
من "نقطة أساسية تليها القضايا الأخرى، وهي هل يخدم الإسلام السياسي مصالحنا؟
إن كان الجواب بالنفي فما هي معالم سياستنا لدعم القوى المضادة؟ حلفاؤنا المنتشرون
عبر العالم وفي الشرق الأوسط يهبون لمساعدتنا لكن سياستنا لم تعرف وضوحاً في بعدها
أين نقف في مساعي تعريف أو التعامل مع تهديد الجهاديين الإرهابي العنيف."
في هذا السياق، سلّط المعهد
جهوده على التهديد المتخيل للبلاد نتيجة أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وأصدر أحد
مدراء وباحثي المعهد، دينيش دي سوزا، عام 2007 مخطوطته العدو الداخلي: اليسار الحضاري
ومسؤوليته في 11/9، محمّلاً ما أسماه شريحة الليبراليين مسؤولية انتعاش "غضب التشدد
الإسلامي."
إيران احتلت حيزاً بارزاً في
الدراسة المذكورة باعتبارها "حالة خاصة ينبغي معالجتها كتهديد على الاستقرار الاقليمي،
نووياً وغير ذلك". وطالبت الكونغرس بإنزال عقوبات إضافية عليها "أثناء سير
المفاوضات."
كما خصص المعهد لإيران مساحة
إضافية لتقييد تمددها في "لبنان والعراق والبحرين واليمن والمملكة السعودية، ومناطق
أخرى في المنطقة" معتبراً أن جذورها تكمن في السياسات الأميركية الخاطئة.
وحذر باحث المعهد فيكتور هانسن
الإدارة الأميركية من "سوء تقدير حجم الانفصام بين أقطاب النظام الإيراني، وينبغي
التعامل معه "بالقوة وحدها". وطالبت الدراسة الحكومة الأميركية الالتفات
لتشكيل حلف مناهض مواز لإيران عماده "مصر والسعودية ودولة الإمارات وبقية دول
مجلس التعاون الخليجي الذي باستطاعته دعم سياستنا شريطة إدراك أطرافه لأهداف سياستنا
الخارجية بوضوح يتعدى مسألة برنامج ايران النووي."
معهد أبحاث السياسة الخارجية
المؤرخ بيرنارد لويس من أبرز الشخصيات المرتبطة بمعهد أبحاث السياسية الخارجية
أنشئ عام 1955 تحت رعاية جامعة
بنسلفانيا ومقره في مدينة بيتسبيرغ بهدف "تنوير القادة السياسيين حول طبيعة الصراع
طويل الأجل (الحرب الباردة) .. وآليات الفوز بها". وأضاف لاحقاً إلى مهماته
"بلورة سياسات تتعهد بالحفاظ على المصالح الوطنية الأميركية" لا سيما فيما
يخص صعود الصين والتحولات داخل الدول الإسلامية.
من أبرز الشخصيات والكفاءات
المرتبطة بالمعهد المؤرخ المعروف بيرنارد لويس، الذي يشغل منصب عضو في مجلس مستشاري
المعهد، إضافة إلى وزير الخارجية الأسبق ألكسندر هيغ. وخرج من بين ثناياه لعالم السياسة
المسؤول المالي السابق في البنتاغون، دوف زخايم، وآخرون من أقطاب الفكر المحافظ.
إصدارات المعهد تتسم بنظرة الجناح
الواقعي في اليمين المحافظ. وجاء في تقريره السنوي لعام 2012 تحذير الساسة الأميركيين
من الإدانة الجماعية".. ومن الخطأ التنبؤ بوجهة مسلك المعارضين الاسلاميين والارهابيين
استناداً إلى العقيدة الإسلامية وحدها أو حتى الفكر الإسلامي بمفرده .." بالمقابل،
سعى المعهد لإبراز التيار المحافظ بترويج مقولة إن "الحضارة الأميركية أفضل من
(الحضارة) الإسلامية" وذهب إلى اتهام تنظيم الإخوان المسلمين بالتمثل المباشر
بالفكر النازي؛ مفضلاً "نشوب حرب أهلية في مصر الآن عوضاً عن الانتظار لحين تتوفر
للإسلاميين أسلحة أفضل وتهيئة وإعداد مناسب". (ادبيات المعهد منتصف تموز/يوليو
2012).
كما انتقد المعهد مبدأ
"الاستثنائية" الأميركية بشدة عام 2012 محذراً في أدبياته من ذلك المفهوم
الذي "يرافقه مزيد من المتاعب وربما حتى يشكل خطراً أكبر من عائداته" على
السياسة الأميركية. أما الثابت في أدبيات وإصدارات المعهد فهي الدراسات المذيّلة بتوقيع
أبرز الشخصيات المتطرفة مثل ريتشارد بيرل، جيمس وولسي، دانيال بايبس، فريدريك كيغان
وآخرين.
الأرضية السياسية والفكرية التي
يجمع عليها أقطاب المعهد هي مسألة زيادة الإنفاق العسكري، كما جاء في مقال لعضو مجلسه
الاستشاري، فرانك هوفمان، عام 2012 حاثاً فيه الإدارة الأميركية على الحفاظ على ميزانية
لوزارة الدفاع يتجاوز سقفها 500 مليار دولار سنوياً.
اتساقاً بما سبق من استعراض،
باستطاعة المرء تنبؤ توجهات المعهد المتشددة في ما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط. وكان
في قائمة الصدارة لسيل الانتقادات من فعالية المفاوضات النووية مع إيران؛ واستهداف
إدارة الرئيس أوباما "لإحجامها عن التدخل العسكري في سوريا."
في الشأن الداخلي الأميركي،
انضمّ المعهد لجوقة المطالبين بتقليص حجم ونفوذ مجلس الأمن القومي الذي تضخم في عهد
الرئيس أوباما لنحو 400 عنصر، واتهامه للمجلس بفقدان استراتيجة واضحة المعالم.
وناشد صناع القرار الاقتداء
بأداء "وكالة الأمن الوطني عند التحضير وتنسيق الجهود وتطبيق القرارات الرئاسية"
التي يفتقدها مجلس الأمن القومي، كما يقول المعهد. وطالب بدخول عناصر محدودة من ذوي
الكفاءات الاستراتيجية على طاقم الأمن الوطني لتبوء مهام تحليل المعلومات وبلورة خيارات
للرئيس للأخذ بها.
معهد واشنطن
أسس اللوبي الإسرائيلي معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
تمّ إنشاء المعهد من قبل
"اللوبي الإسرائيلي – ايباك" للدفاع عن سياسات "إسرائيل" وحشد
الدعم الرسمي الأميركي لها؛ ويعتبر من أهم أركان "اللوبي الإسرائيلي" في
واشنطن وتيار المحافظين الجدد.
إصدارات وأدبيات المعهد تركّز
على قضايا المنطقة العربية بشكل عام، والصراع العربي-الصهيوني بشكل خاص. وأصدر عدد
من الدراسات الموجّهة للرئيس دونالد ترامب وما يتعين عليه القيام به في شتى المجالات.
في المسألة السورية، يناشد المعهد
الإدارة المقبلة التسليم بما يعتبره حقائق راسخة، منها:
ـ التسليم بأن سوريا أضحت مقسّمة
فعلياً ويتعين إنشاء مناطق آمنة في مناطق مختلفة تحت سيطرة قوى المعارضة وبمحاذاة الحدود
التركية والأردنية للحد من تدفق اللاجئين للخارج، ومحاربة الإرهاب. وأضاف إن إنشاء
تركيا لمنطقة آمنة شمالي مدينة حلب، بمباركة من روسيا، يشكّل فرصة جديدة لحماية السوريين
واستخدامها كقاعدة انطلاق للأعمال العسكرية والسياسية لاقتلاع تنظيم داعش على طول وادي
الفرات. كما أن المناطق الكردية، في الشمال، والأخرى في جنوب سوريا تشكّل خيارات إضافية.
ـ التفاوض مع موسكو: ينبغي على إدارة ترامب امتحان مدى التزام
روسيا بمكافحة الإرهاب في سوريا، وتقييد نظام الأسد، والتوصل لتسوية سياسية قابلة للتطبيق؛
محورها إقامة عقبات بينة من أجل التعرّف إلى نوايا موسكو.
ـ إحداث شرخ بين إيران وروسيا
حول سوريا: ليس من اليقين مدى تطابق أهداف طهران وموسكو السياسية في سوريا؛ وينبغي
على الولايات المتحدة التفاوض مع روسيا للتوصل إلى تسوية مستدامة في سوريا من شأنها
إبعاد حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى الموالية لإيران عن سوريا؛ الأمر الذي يصبّ
في تعهدات إدارة ترامب في التوصل لاتفاق أفضل من الاتفاق النووي الحالي مع إيران، والحدّ
من تمددها الإقليمي.
في ما يخص إيران، تجدر الإشارة
إلى خطاب المعهد المتشدد دوماً في التعامل مع إيران داعياً الولايات المتحدة إلى
"افتعال أزمة معها مما يتطلب من واشنطن اتخاذ خطوات عسكرية ضد إيران في حال فشل
المفاوضات النووية". وأضاف مدير الأبحاث في المعهد، باتريك كلاوسون، محذراً تردد
الإدارة الأميركية ".. في الحقيقة لن يلجأ الوفد الإيراني لتقديم تنازلات، ومن
الأفضل أن يقدّم طرف آخر لإشعال الحرب" معها – في إشارة واضحة إلى "اسرائيل."
(ايلول/ سبتمبر 2012).
خلاصة القول في ما يخص مراكز
الفكر والأبحاث المختلفة إن بعضاً منها سيحظى بنفوذ واضح للتأثير على بلورة معالم سياسات
ترامب المقبلة، على الرغم من أن أطباعه تشدّه إلى انتقاء ما يناسبه في لحظة زمنية معينة،
وغير ملزم بالتقيد بالأبعاد الايديولوجية للإرشادات والنصائح المقدمة.