تحالف حماس مع دحلان يُنذر بقطيعة بين فتح وحماس

كان الخلاف ما بين حركة فتح وحركة حماس منذ عام 1993 ولغاية عام 2004، خلافاً سياسياً، ولم يأخذ الخلاف ما بين الحركتين طابعاً عنيفاً، ولم يظهر للعلن بشكل رسمي. فقد كان هناك تفاهم قائم ما بين قيادة الحركتين المتمثّلة بالرئيس الشهيد ياسر عرفات والشيخ الشهيد أحمد ياسين.

كان الخلاف ما بين حركة فتح وحركة حماس منذ عام 1993 ولغاية عام 2004، خلافاً سياسياً، ولم يأخذ الخلاف ما بين الحركتين طابعاً عنيفاً
كانت حماس متفهّمة لموقف فتح من مشروع التسوية واستحقاقاته، وكانت فتح متفهّمة للمقاومة المسلّحة التي كانت تقوم بها حماس .

وعلى الرغم من وجود تاريخ من التوتّر والتنافس السياسي بين الحركتين إلا أنه كانت هناك نقاط يتم الاتفاق عليها رغم وجود الاختلاف، فقد كان هناك تعاون ميداني نشط في تنفيذ العمليات العسكرية المشتركة في بداية انتفاضة الأقصى بعد عام 2000.

إلا أن شدّة الخلاف بين الحركتين ازدادت بعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، والتي بدورها لم تعمّر طويلاً، ما أدّى إلى تصاعد الاشتباكات بين الحركتين وإلى وقوع قتلى وجرحى، وبالرغم من محطات الحوار بين الطرفين إلا أن الصِدام المسلّح استمر ووصل ذروته باستيلاء حماس في الرابع عشر من حزيران/يونيو2007 على القطاع بالقوة العسكرية، ما أدّى إلى انقطاع الاتصالات والحوارات بين الطرفين. هناك اختلاف حول الأسباب التي أدّت إلى نشوء الخلافات ووصولها حدّ الاقتتال بين الحركتين، أبرزها الاختلاف الأيديولوجي بين الحركتين، ورفض حماس الاعتراف بمنظمة التحرير كممثل وحيد وشرعي للشعب الفلسطيني، ومحاولة حركة حماس تشكيل قوة موازية للسلطة في غزّة إثر الانسحاب الإسرائيلي منها. كما أن اختلاف البرامج السياسية لكلا الطرفين، واستمرار الحصار الدولي ومنع المساعدات أدت إلى فشل حكومة الوحدة الوطنية، وحدوث حال الانقسام والاقتتال التي تعتبر الأسوأ في تاريخ الشعب.

تعزّز الانقسام الجغرافي بين الضفة والقطاع بعد الانقلاب الذي قامت به حماس في غزّة والذي أدّى إلى قيام حكومتين متناحرتين في كل من القطاع والضفة. إن أحداث العنف التي شهدتها الأراضي الفلسطينية ما بين حركتي فتح وحماس كان لها تأثير كبير على الشعب وعلى طبيعة العلاقة ما بين الحركتين وعلى العملية الديمقراطية.

لقد أصبح الانقسام الجاري بين الحركتين أمراً واقعاً يجري تكريسه على الأرض، ويغرس جذوره في كافة المجالات، إضافة إلى أن ممارسات الطرفين في الضفة وغزّة طالت الحريات العامة والخاصة، والعملية الديمقراطية، والتعدّدية السياسية، واستمرار حملات الاعتقال السياسي في غزّة والضفة، وكل هذا يجري في ظل الإصرار على فرض سلطة الأمر الواقع، وإقامة المجتمع الخاص بكافة أبعاده ومكوّناته في القطاع، حيث أدّى الانقسام إلى وجود حكومتين وسلطتين، إحداهما تحت الاحتلال، والأخرى تحت الحصار، وأدّى هذا الأمر إلى تداعيات على الصعيد السياسي تمثل بإضعاف دور منظمة التحرير، والتشكيك بقدرة الشعب في حكم نفسه، ما مكّن إسرائيل من التذرّع بعدم وجود شريك فلسطيني، والتهرّب من عملية السلام، إضافة إلى تراجع التأييد العربي والدولي لنضال الشعب الفلسطيني.

وجاء اتفاق مكّة من أجل رأب الصدع بين حركتي فتح وحماس مابين السادس والثامن من شباط/ فبراير عام 2006 برعاية المملكة العربية السعودية، حيث جرت في مكّة حوارات، ومن أبرز ما تم الاتفاق عليه التأكيد على حرمة الدم الفلسطيني وعلى أهمية الوحدة الوطنية كأساس للصمود الوطني والتصدّي للاحتلال، والاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية وفق اتفاق تفصيلي معتمد من قِبَل الطرفين، مع المضيّ في إجراءات تطوير وإصلاح منظمة التحرير، وتأكيد مبدأ الشراكة السياسية على أساس القوانين المعمول بها في السلطة الوطنية وعلى قاعدة التعدّدية الوطنية .

وتم الاتفاق بين الطرفين بناءً على اتفاق مكّة على تشكيل حكومة وحدة وطنية على قاعدة المحاصصة، حيث تسمّي حركة حماس رئيس الوزراء بينما تسمّي حركة فتح نائبه، أما في ما يتعلق بالوزارات السيادية وهي الخارجية فتم الاتفاق على أن يتولاها مستقل مقبول من قِبَل الجانبين، والمالية من نصيب سلام فياض، والداخلية يتولاها مستقل تسمّيه حماس على أن يوافق عليه الرئيس. ووزارة الإعلام والسياحة والمرأة والثقافة فتعيّن بحسب التوافق بين رئيس الوزراء والكتل البرلمانية على أن تكون ثلاث وزارات للكتل البرلمانية والرابعة لحماس، وبالنسبة لباقي الوزارات فتحصل حماس على تسع وزارات فيما تحصل فتح على ست وزارات.

لقد شهد قطاع غزّة في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر عام2006، مواجهات دامية بين عناصر قوى الأمن الفلسطيني التابعة لفتح والقوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية على إثر مسيرات احتجاجية قامت بها قوات الأمن مطالبة بصرف الرواتب، تطوّرت من اشتباك بالأيدي إلى إطلاق للنار، وأسفرت الاشتباكات عن سقوط 9 قتلى و105 جرحى أطلق عليها أحداث الأحد الأسود، والتي انعكست على مدن الضفة. ما استدعى الرئيس عباس لإصدار أوامره إلى جميع الأجهزة الأمنية، بعدم المشاركة في أية تظاهرات أو احتجاجات، والتزامهم بأماكن عملهم وثكناتهم ومعسكراتهم، ومزاولة أعمالهم والقيام بواجباتهم في حفظ الأمن والنظام العام، وحماية الشعب ومصالحه وممتلكاته، وحمّلت كتلة فتح البرلمانية رئيس حكومة حماس ووزير الداخلية مسؤولية الأحداث الدموية، ومن جهتها حمّلت حكومة حماس بعض أفراد الأجهزة الأمنية مسؤولية الأحداث التي شهدها القطاع . ما أدّى لانقطاع سبل التواصل بين الفصيلين ليتبادل الطرفان بيانات التهديد، ويحمّل كل طرف مسؤولية الأحداث الدامية للطرف الآخر .

وعليه جرى تشكيل الحكومة الحادية عشرة (حكومة الوحدة الوطنية) والتي ضمت 25 وزيراً برئاسة هنية وعزّام الأحمد رئيس كتلة فتح البرلمانية نائباً له، والتي امتدت من 17 آذار/مارس وحتى 14 حزيران/يونيو عام 2007. إلا أن الحكومة لم تصمد أمام الخلافات والتجاذبات السياسية، ما أدى إلى انهيارها على إثر الانقلاب الذي قامت به حركة حماس في حزيران/يونيو عام 2007 .

لقد تذرّعت الحركة بقيامها بالانقلاب بأن هناك انقلاباً من حركة فتح معداً لها، إلا أن ما يثبت عكس هذا القول، أنه عند مهاجمة كتائب عز الدين القسّام التابعة لحركة حماس لمواقع المؤسسات الأمنية لم يكن هناك ردود فعل من قِبَل أجهزة السلطة، لأنه لم يكن لديها خطة لمهاجمة مؤسسات حركة حماس، وكانت النتيجة سيطرة حماس على المؤسسات والمقرات الأمنية في قطاع غزّة بسهولة وفي وقت قصير، فالانهيار الشامل للأجهزة الأمنية في القطاع في غضون أربعة أيام فقط، وسيطرة القوة التنفيذية وكتائب عز الدين القسّام مهّد لها الطريق لتعلن أنها قد انتصرت بالقوة العسكرية إلى جانب انتصارها بالأغلبية الشعبية من خلال الانتخابات .

قامت حركة حماس منذ الانقلاب بمنع حركة فتح من الاحتفال بانطلاقتها، واتهمت حركة فتح الأجهزة الأمنية التابعة لحماس باستدعاء كوادرها، وبالتضييق عليهم باستمرار، إضافة إلى قيام حماس بمنع كوادر وقيادات فتحاوية من مغادرة القطاع في عدّة مناسبات، إلا أنها في عام 2013 سمحت لحركة فتح بالاحتفال بذكرى انطلاقتها . ويصف عادل عبد الرحمن أحد قيادات فتح ما تقوم به حماس تجاه فتح بالقطاع بأنه اجتثاث للحركة من الشارع بقدر ما تستطيع عبر مصادرة بيوت القادة وسياراتهم، ووضع يدها على الأملاك العامة للدولة .

فقد لعب إعلام الحركتين دوراً توتيريًا وما زال يقوم بهذا الدور السلبي في تعميق الانقسام حتى في بعض الأحيان خرج هذا الإعلام الحزبي عن السياق الوطني، وأيضاً الأخلاقي وأصبح يوصف بإعلام الردح.

دحلان يعمّق الشرخ مابين الحركتين:

بعد التحالف الحمساوي مع التيار الدحلاني هل المرحلة القادمة تتجه نحو التصعيد بين حماس وفتح؟

لقد حافظ الطرفان (فتح وحماس) على حد أدنى من العلاقة، حيث شاركت حماس في مؤتمر فتح السابع عام2016. ولكن بعد قيام الرئيس محمود عباس بجملة قرارات عقابية بحق القطاع،  والتصعيد الإعلامي والتهديدات المتبادلة، أصبحت القطيعة بين الحركتين هي سيّدة الموقف.

بعد التحالف ما بين حماس ودحلان، وصلت العلاقة بين فتح وحماس إلى طريق مسدود، وقد يحدث تقارب ومصالحة بين الحركتين في حال تم انتخاب رئيس جديد، لأن حماس وصلت لقناعة تامة بأن الرئيس عباس لايريد حماس قوية ولايريد المصالحة معها، وإنما يريد السيطرة عليها بهامش سيطرته على باقي الفصائل التابعة للمنظمة. وحماس تدرك أن الرئيس لا يريدهم شركاء بل يريدهم منفّذين لسياسته وبرنامجه، وهذا ما لاتقبله حماس بكونها حسمت أمرها في المشاركة في الحياة السياسية الفلسطينية الرسمية بكل مكوّناتها حتى في الترشّح لمنصب الرئاسة في الانتخابات الرئاسية الثالثة وسوف يكون القائد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة السابق هو الرئيس المستقبلي للشعب الفلسطيني.

وستفاوض حماس إسرائيل مباشرة ما سيزيد من أزمة حركة فتح في ظل التقارب الحمساوي مع دحلان الذي سيضعف الرئيس عباس من خلال فتح المجال واسعاً لدحلان للتحرّك في القطاع. إضافة لازدياد نمو تيار دحلان في الضفة التي تعاني من تدهور في الوضع الاقتصادي وزيادة نسبة الإحباط والعزوف عن المشاركة السياسية الذي تجسّد في الانتخابات المحلية حيث كانت نسبة التصويت متدنية جداً حيث لم تتعد الـ20% في انتخابات نابلس على سبيل المثال، بالإضافة للإنتخابات الطلابية في جامعة النجاح. في ظل التذمّر من السياسات القائمة وزيادة حدّة الفقر والبطالة وسياسة السلطة في استهداف أرزاق الموظفين ومخصّصات أسر الشهداء والأسرى والجرحى، ستزداد شعبية تيار دحلان، وستلتقي مصالح كل من يتعارض مع سياسة الرئيس مع تيار دحلان في الضفة. وعليه ستصبح فتح في وضع أكثر صعوبة بعد فقدانها فتح غزّة والمخيمات في الخارج، ما سيشجّع المخيمات في الضفة وبعض المحافظات على الالتحاق مع تيار دحلان. كل هذا يصبّ في مصلحة الاحتلال في الدرجة الأولى، وفي الدرجة الثانية في مصلحة حركة حماس التي حلّت جزءاً من مشاكلها ومشاكل حكمها في القطاع. وهذا نتاج السياسات العامة الفردية والخاطئة المُتبّعة من قِبَل السلطة الفلسطينية في حل مشكلة التيار الدحلاني الذي يتغذّى على أخطاء خصمه التنظيمي حتى اليوم.

وتجدر الإشارة إلى أن حركة حماس اتّجهت إلى التحالف مع التيار الإصلاحي في حركة فتح الذي يقوده النائب محمّد دحلان وقلبت الطاولة على المصالحة وعلى الرئيس محمود عباس وعلى حركة فتح الرسمية، فقد أصبح أعداء الأمس حلفاء اليوم. وفي هذه الخطوة التي أقدم عليها كل من حماس ودحلان هي خطوة تحقيق المصالح - أنا بحاجتك وأنت بحاجتي- فدحلان بحاجة لدعم تبلور تياره في غزّة وينظر لهذه الخطوة على أنها الطريق السريع للوصول لسدّة الحكم في حال حصلت انتخابات تشريعية ورئاسية ثالثة. وحركة حماس المُحاصرَة فقدت الأمل في فك الحصار من دون التحالف مع دحلان فكان التحالف هو المعبر الاطراري للبقاء في حكم القطاع.

وفي هذا السياق، أدانت حركة حماس المواقف غير المسؤولة للجنة المركزية لحركة فتح تجاه قطاع غزّة. وقال الناطق باسم الحركة، عبد اللطيف القانوع، في تصريح صحفي في20حزيران/يونيو2017، "إن موافقة مركزية حركة فتح لإجراءات عباس القمعية ضد غزّة وما تبع ذلك من تصريحات لقياداتها في هذا الشأن هي مواقف غير مسؤولة تُسيء لشعبنا وتضحياته". واعتبر القانوع، هذه المواقف "ترسيخ لديكتاتورية عباس وسياسته العنصرية تجاه أهل غزّة ومشاركة مباشرة في تشديد الحصار على أهلها"،  

أما المصالحة الحمساوية الفتحاوية، فأصبح متوجب قبل تحقيقها أن تحصل مصالحة فتحاوية فتحاوية ومن ثم مصالحة فتحاوية حمساوية. وبخصوص الاتفاق الحمساوي والدحلاني برعاية مصرية سوف تحصل غزّة على بعض حقوقها الطبيعية الحياتية مثل فتح المعبر والكهرباء والتجارة والعمران وغيرها التي سلبت منها. وفي المقابل فقد تلقّت حركة فتح ضربة قوية وستكون عاملاً مهماً من عوامل هبوط شعبيتها وزعزعت مصير وحدتها التنظيمية وسوف يقوى تيار دحلان ويكون له قاعدة انطلاق من الوطن ويشارك حماس في الحكم وإدارة المسؤولية عن المعبر، ويستطيع أن يتمدّد إلى الضفة الغربية التي تعاني من الفقر والبطالة والإحباط وفقدان الأمل في المستقبل وبالأخص عند فئة الشباب.