قراءة في كتاب "أثر السلام الاقتصادي على الصراع العربي-الإسرائيلي"

الكتاب ثمرة جهود نخبة من الباحثين المتخصصين في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي، قدموا رؤية شاملة حول تغيّر مسار الصراع الإسرائيلي العربي ومحاولات فرض السلام ما بين الدول العربية و"إسرائيل"، في ظل تحولات البيئة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط.

 

  • مراسم توقيع اتفاقات
    مراسم توقيع اتفاقات "أبراهام" التي جرت في البيت الأبيض برعاية ترامب (صورة أرشيفية).

يناقش كتاب "أثر السلام الاقتصادي على الصراع العربي-الإسرائيلي"، وهو مؤلف جماعي بإشراف وتحرير ياسمين العايدي، صادر عن المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية في  برلين عام 2019، عملية التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي والترويج للسلام الاقتصادي، كبديل عن العملية السياسية، وإدارة الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وذلك ببناء علاقات اقتصادية متعددة بين "إسرائيل" والدول العربية، والذي سوف يتناول المنطقة العربية في ظل تلك التحولات على مسار عملية التسوية في الشرق الأوسط، وبحسب المؤلفين فإن الهدف من الكتاب هو: 

1.    دراسة أبعاد تطبيع العلاقات مع "الدولة العبرية" وأثر ذلك في تحول الصراع الإسرائيلي العربي فيما يخص القضية الفلسطينية.

2.    كيف باتت العلاقات الاقتصادية تحل محل العلاقات السياسية من خلال تبني مشروعات مشتركة ذات طابع إقليمي.

3.    تحليل تحول العلاقات الإسرائيلية العربية لتأخذ شكلاً علنياً غير مسبوق خاصة مع دول الخليج العربية.

4.    البحث في عمق البعد الإقليمي في علاقات "إسرائيل" بدول الجوار.

5.    تحويل زاوية الرؤية لعلاقات "إسرائيل" على المستوى الدولي لكي تخرج من عزلتها المفروضة عليها.

محتويات الكتاب: 

الباب الأول، الذي استهل بدراسة للباحثَين المتخصصَين في شؤون القدس عدنان الهندي، والباحثة هند أبو نجيلة وكانت بعنوان "الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على مدينة القدس: دراسة استشرافية"، تناولا من خلالها الأسباب والعوامل التي أدت إلى بروز الصراع على مدينة القدس، كما تطرقا إلى مستقبل الصراع على مدينة القدس، والمتمثل في مستقبل مدينة القدس من وجهة النظر الإسرائيلية، ومستقبل مدينة القدس من وجهة النظر الفلسطينية. وفي الختام وضع الباحثان السيناريوهات المتوقعة لمستقبل مدينة القدس والمتمثل في: تدويل القدس، تقسيم القدس، تهويد القدس، وأخيراً دينة القدس موحدة لدولتين، وفي نهاية الدراسة وضع الباحثان الخاتمة، إضافة إلى أبرز النتائج والتوصيات.

وفي دراسة الكاتب والباحث العراقي محمد عبد الكريم بعنوان "المسؤولية الدولية تجاه القضية الفلسطينية"، قام بإعداد البحث عبر خطة البحث العلمي مبتدئاً بالمقدمة وإشكالية البحث وخطة البحث، وقام بتقسيم الدراسة إلى مبحثين: الأول تناول ماهية المسؤولية الدولية وتقسيمها إلى مطلبين: الأول مفهوم المسؤولية الدولية، والثاني أركان وشروط المسؤولية الدولية.

وتناول المبحث الثاني الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي ودور المجتمع الدولي وقام الكاتب بتقسيمه إلى مطلبين: الأول انتهاك قواعد القانون الدولي، والثاني دور المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية، وفي ختام الدراسة وضع الباحث أبرز النتائج والمقترحات.

والباب الثاني خصص لدراسة "المشروعات الاقتصادية المشتركة"، تناولت خلاله الباحثة في العلوم السياسية في مصر ياسمين العايدي دراسة بعنوان "مشروع قناة البحرين الإسرائيلية وتداعياته على المنطقة"، وتناولت فيه تاريخ المشروع ومراحل تطوره ورؤية "إسرائيل" له، والرؤية الأردنية للمشروع، والرؤية الفلسطينية للمشروع، ومن ثم تناولت أثر المشروع على مصر والأمن القومي العربي، إلا أن الدراسة لم تضع في نهايتها خاتمة أو نتائج وتوصيات.

المبادرات الأميركية لتسوية الصراع العربي الصهيوني

تناولت دراسة الأستاذ المحاضر والباحث في الشأن الإسرائيلي من جامعة سطيف 2 في الجزائر، د. لبيد عماد، "المبادرات الأميركية لتسوية الصراع العربي الصهيوني من خلال المشاريع الاقتصادية ما بين 1948- 1991"، متبعًا آلية البحث العلمي حيث وضع قائمة وإشكالية دراسة وتناول المناهج المستخدمة في الدراسة، إضافة إلى حدود وأهمية وأهداف الدراسة. 

ثم تناول عماد المبادرات الاقتصادية الأميركية لتسوية الصراع الصهيوني العربي المتمثل في خطة ميكفي للتطوير الاقتصادي، مشروع جون بلاند فورد، مشروع جونسون، مشروع جاما الأميركي، بيان دالاس، مشروع دالاس، مشروع أيزنهاور، مشروع كنيدي، مشروع جوزيف جونسون، المشروع الأميركي للتسوية، مبادرة روجرز الأولى والثانية، مشروع جيمي كارتر للسلام، مشروع بريجينسكي، مشروع ريغان، مشروع جيمس بيكر، مشروع جورج بوش الأب، وأخيراً ورقة التأكيدات الأميركية. ثم تطرق الباحث إلى الطرف الثالث الأميركي من المبادرات الاقتصادية المشبوهة إلى الوساطة الانحيازية المكشوفة، ثم التصور الفلسطيني الإسرائيلي لمستقبل التسوية السياسية في ظل فشل المبادرات ذات الطابع الاقتصادي، وفي نهاية الدراسة وضع خاتمة ثم نتائج إلا أنه لم يتطرق للتوصيات.

وتناول الباب الثالث، "البعد الإقليمي للصراع العربي الإسرائيلي"، وقدم ضمنه الباحث العراقي عمار الحسن، المتخصص بالشؤون السياسية الدولية، دراسة بعنوان "العلاقات التركية- الإسرائيلية: بين المنظومة الإعلامية والمصلحية عداوة ظاهرية ومصالح خفية"، قام بتقسيمها إلى أربعة محاور: تناول الأول تركيا من المنظور الاستراتيجي الإسرائيلي، وحدد في الثاني "إسرائيل" في المنظور الاستراتيجي التركي، ما بين تقريب مسافات التباعد مع الولايات المتحدة، وتعزيز المكانة الاقتصادية التركية، وتعزيز المكانة السياسية التركية، وتعزيز المكانة العسكرية والحفاظ على الأمن القومي التركي. في المحور الثالي بين الكاتب المصالح القومية المتقاطعة بين تركيا و"إسرائيل" فتناول مستقبل العراق، ودول الخليج العربية، والقارة الإفريقية، والملف السوري. 

وتناول في المحور الرابع مستقبل العلاقات التركية- الإسرائيلية في ضوء الثوابت والمتغيرات، فأشار إلى تغليب الثابت على المتغير من خلال تكثيف جهود الوسيط الأميركي، والطابع البراغماتي لدى حكومات الجانبين، والعزلة السياسية التي باتت تواجه كلا الجانبين، وبروز مصادر تهديد جديدة أمام الجانبين (التركي والإسرائيلي)، إضافة إلى تصاعد احتياجات الطرفين في المجالات الاقتصادية والتجارية. وتناول أخيراً تغليب المتغير على الثابت من خلال تصاعد حدة أزمة الثقة بين الجانبين، وتراجع الاحتياج التركي للدعم العسكري الإسرائيلي، وتجنب ضغوطات الداخل والخارج، وفي ختام الدراسة وضع الباحث الخاتمة من دون توصيات.

أما الباحث العراقي جاسم حاتم المتخصص بالشؤون السياسية الإقليمية فقد قدم دراسة عن "العلاقات الإيرانية- الإسرائيلية" وتناول القضايا الخلافية في العلاقات الإيرانية الإسرائيلية، أبرزها القضية النووية، وحزب الله في لبنان، ثم الدور الإيراني في المنطقة، إضافة إلى القضية الفلسطينية، وأخيراً وضع خاتمة للدراسة.

التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا

وكتب الكاتب الصحافي والباحث الجزائري في العلوم السياسية فخار خالد دراسة بعنوان "التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا وأثره على العلاقات العربية الإفريقية"، تناول فيها مقدمة للدراسة وإشكالية، كما قام بصياغة الفرضيات للدراسة، والمنهجية المستخدمة، وتقسيم الدراسة إلى محاور فتناول في المحور الأول: مدخل مفاهيمي تاريخي للدراسة، ثم تطرق للاهتمام الإسرائيلي بأفريقيا، والعوامل الدافعية للتغلغل الإسرائيلي في إفريقيا، ثم مداخل واستراتيجيات التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا كالمدخل الأيديولوجي والثقافي، ومدخل محاربة الأصولية، ومدخل المجتمع المدني والتنمية، ثم "إسرائيل" واستراتيجية الزيارات الدبلوماسية في أفريقيا، كما تناول في المحور الثاني، تداعيات النفوذ الإسرائيلي في أفريقيا على الدول من خلال العلاقات العربية الإفريقية، وختم الدراسة بنتائج وأبرز التوصيات.

وانصب الباب الرابع، على "السلام الدافئ بين الدول العربية وإسرائيل"، تناوله الكاتب منصور أبو كريم، من خلال دراسة بعنوان "الحل الإقليمي من منظور الأحزاب الإسرائيلية في ضوء التحولات الإقليمية"، حيث أشار إلى التحولات الإقليمية و"إسرائيل"، ثم رؤية الأحزاب الإسرائيلية لحل القضية الفلسطينية، إضافة إلى الحل الإقليمي في الرؤية الإسرائيلية، وفي نهاية البحث وضع خاتمة من دون توصيات.

  • كتاب
    كتاب "أثر السلام الاقتصادي على الصراع العربي-الإسرائيلي"

"السلام الاقتصادي: واقع وآفاق"

وقام الكاتب ماجد هديب، بإعداد دراسة بعنوان "السلام الاقتصادي: واقع وآفاق"، تناول خلالها المشاريع الاقتصادية المطروحة بعد إعلان "دولة إسرائيل"، المتمثل في مشروع شمعون بيريس "الشرق الأوسط الجديد"، ومشروع "السلام الاقتصادي" للوزير يسرائيل كاتس بتوجيهات من بنيامين نتنياهو رئيس الوزراءالإسرائيلي في حينه، حتى وصل إلى المشروع الاقتصادي في "صفقة القرن"، إضافة إلى انعكاسات السلام الاقتصادي على المشروع الوطني الفلسطيني.

وبدوره، أعد المحلل السياسي إبراهيم أبو جابر، دراسة بعنوان "دور النظام العربي الرسمي في التمكين للكيان الإسرائيلي في الإقليم"، تناول خلالها المتغيرات الإقليمية المشجعة على التقارب العربي- الإسرائيلي من خلال الملف النووي الإيراني ومحور المقاومة، والحركات والقوى المسماة بالإرهابية، وصولًا إلى المصالح الاقتصادية المشتركة في ظل العولمة، وحالة عدم الاستقرار في الإقليم: الثورات العربية والحركات الإسلامية، كما تناول مستقبل العلاقات العربية الإسرائيلية على ضوء المتغيرات الإقليمية، ثم تطرق إلى السلام الإقليمي وصور التعاون العربي المنظور مع الكيان الإسرائيلي من خلال تأسيس للوبي عربي- صهيوني، وتشكيل حلف استراتيجي عربي- صهيوني، وتسوية القضية الفلسطينية، والتطبيع مع الكيان الإسرائيلي.

الاقتصاد السياسي وتغير بنية الصراع 

أما الباب الخامس الذي ناقش "الاقتصاد السياسي وتغير بنية الصراع العربي الإسرائيلي"، فقدم فيه الباحث في العلاقات الدولية جمال الفاضي، دراسة بعنوان "تداعيات مفهوم السلام الاقتصادي على مستقبل القضية الفلسطينية"، وقام بتقسيم الدراسة وفقًا لمناهج البحث العلمي حيث أشار إلى المقدمة، وأهمية وأهداف الدراسة، وفرضية الدراسة، ثم تطرق إلى الإطار المعرفي لمفهوم السلام والسلام الاقتصادي، ثم السياقات التي أدت إلى ظهور مفهوم السلام الاقتصادي. كما تناول الاقتصاد الفلسطيني محاولة للتوصيف والفهم، ومن ثم اتفاق أوسلو السياسي والنتائج الاقتصادية المترتبة عليه، مشيراً إلى محاولات تنموية مرتبطة في سياق مفهوم السلام الاقتصادي، وصولًا إلى خطة كيري و"صفقة القرن" المتمثلة بالجمود السياسي في مقابل الاستثمار الاقتصادي، كما تطرق إلى مواقف أطراف الصراع في الشرق الأوسط من السلام الاقتصادي، من خلال موقف الفلسطينيين، وموقف الحكومات الإسرائيلية، وموقف الإدارة الأميركية، إضافة إلى الخيارات والبدائل الفلسطينية للخروج من مأزق السلام الاقتصادي، من خلال الخروج من مأزق إطار أوسلو، ووضع رؤى وتصورات في سبيل الخروج من المأزق الحالي، إضافة إلى مستقبل القضية الفلسطينية في ظل جمود عملية السلام.

دور الاقتصاد في بلورة علاقات "إسرائيل" بالدول العربية

وأخيرًا قام الباحث العراقي أنور الدليمي، بإعداد دراسة بعنوان "دور الاقتصاد السياسي في بلورة علاقات إسرائيل بالدول العربية"، أشار فيها إلى طبيعة الصراع والتعاون في المنطقة، وواقع العلاقات بين "إسرائيل" والدول العربية، عبر العلاقات المصرية الإسرائيلية، من خلال التطبيع الاقتصادي، والمجال التجاري، والمجال الزراعي، والمجال الصناعي، إضافة إلى العلاقات الأردنية الإسرائيلية، من خلال المجال الاقتصادي، والمجال الزراعي، والمجال المصرفي، والمجال الصناعي، وصولًا إلى العلاقات الخليجية الإسرائيلية، من خلال العلاقات السياسية بين "إسرائيل" ودول مجلس التعاون الخليجي، والعلاقات الاقتصادية بين "إسرائيل" والدول الخليجية، إضافة إلى توظيف الاقتصاد السياسي في بلورة علاقات "إسرائيل" بالدول العربية.

تقييم الكتاب: 

حصد الكتاب ثمرة جهود نخبة من ألمع الباحثين المتخصصين في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي، ليقدموا إلى القارئ رؤية شاملة وتحليلية حول تغيّر مسار الصراع الإسرائيلي العربي ومحاولات فرض السلام ما بين الدول العربية و"إسرائيل"، في ظل تحولات البيئة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط. كما أنه استوفى جميع تفاصيل الموضوع، كما أجاب المؤلفون عن جميع التساؤلات التي أثاروها، وتم تناول مواضيع جديدة، فكان العمل بكامله ناجحاً من خلال إقبال الباحثين والدارسين عليه. إلا أنه يمكن في النهاية؛ تسجيل سلبية واحدة على الكتاب تتمثل في عدم كتابة خاتمة نهائية شاملة لكل ما قدمته الدراسات في الكتاب.

*أمين سمودي باحث في دراسات الشرق الأوسط، الجامعة العربية الأميركية، فلسطين.