هل انتخاب ترامب يؤدي إلى سقوط "القلعة"الأميركية من داخلها؟
يكشف بوب وودورد عن لقاءات جرت بعد الـ7 من أكتوبر بين وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، وعدد من القادة العرب. وتضمنت هذه اللقاءات مطالبات من بعض هؤلاء القادة بتدمير حركة حماس، مشيرين إلى ارتباطها التاريخي بجماعة الإخوان المسلمين.
اشتُهر الصحافي الأميركي وكاتب التحقيقات الاستقصائية، بوب وودورد، بتحقيقاته التي كشفت فضائح سياسية كبيرة، أبرزها فضيحة "ووترغيت"، التي أدت إلى استقالة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون عام 1974.
صدر لبوب وودورد عدد من الكتب، التي تتناول سياسات الرؤساء الأميركيين في البيت الأبيض. وكما العادة أصدر هذا العام كتابه الجديد: "الحرب".
يتناول الكتاب عدداً من المواضيع، أبرزها: الحرب الأوكرانية، وحرب غزة، وحرب سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية. وتكمن اهميته في قوة كاتبه، فبوب وودورد أسقط رئيساً من قبل.
يبدأ الكتاب بحوار مع ترامب، أجراه الكاتب في عام 1989 وشريكه في ووترغيت، كارل بيرنشتاين. ولم ينشر إلا عام 2023. يكشف الحوار، بحسب ما يرى وودورد، "أصول الترمبية بكلمات ترمب نفسه الذي يتبين أنه كان ولا يزال ذا شخصية تركز على الفوز والقتال والبقاء.
فمن اجتماعهم الأول إلى يومنا هذا، يصور وودورد ترامب على أنه فاسد بشكل أساسي، قانونياً ثم أخلاقيا: "الرئيس الأكثر تهوراً واندفاعاً في التاريخ الأميركي"، "أسوأ كثيراً من ريتشارد نيكسون". لا يشكل ترامب خطرا على الديمقراطية الأميركية فحسب، بل يلمح وودورد أيضاً إلى أن من المحتمل أن ينهي حرب أوكرانيا بشروط مواتية لبوتين، وقد يمنح نتنياهو يداً أكثر حرية من بايدن. يعيد وودورد باستمرار التركيز على تهديدات ترامب المتعددة للديمقراطية والسلام، حتى المواجهة النووية، مذكّراً قراءه بأن ما هو على المحك ليس مجرد سياسة أو معركة حزبية موقتة.
ويذكر وودورد حواره الساخن مع الجنرال مارك أ. ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، والذي قال له إن ترامب "فاشي كامل"؛ "فاشي حتى النخاع!".
يثبت وودورد ما اتهم به ترامب من اتصال بالرئيس الروسي وتعاونه معه، فينقل عن مساعد لترامب، لم يكشف اسمه، أنه يرجح "أن زعيم الحزب الجمهوري ترامب تحدث إلى بوتين نحو سبع مرات، منذ مغادرته البيت الأبيض في عام 2021. حتى عندما كان ترامب يضغط على الجمهوريين لمنع المساعدات العسكرية لأوكرانيا لمحاربة الغزاة الروس". ويذكر وودورد أن ترامب، بينما كان لا يزال في منصبه في عام 2020، أرسل معدات اختبار كوفيد-19 إلى بوتين في وقت مبكّر من الوباء لاستخدامه الشخصي.
فغالباً ما يتحدث الرؤساء السابقون إلى القادة الأجانب، لكن من غير المعتاد للغاية أن يتحدث المرء إلى خصم معلن للولايات المتحدة في الجانب الآخر، من الحرب، من دون تنسيق مع البيت الأبيض أو وزارة الخارجية أولاً.
ويبين كتاب "الحرب" أنه لطالما غازل ترامب بوتين واحتضنه، حتى إنه أشاد به على أنه "عبقري" قبل غزو واسع النطاق لأوكرانيا في عام 2022، ثم أشاد بعد ذلك بالهجوم العسكري، وقال إنه "ذكي جدا". رفض ترامب أن يقول إن أوكرانيا يجب أن تفوز بالحرب، وقاوم إرسال مزيد من الأسلحة الأميركية إلى أوكرانيا للدفاع عن نفسها، وقال علناً إنه "سيشجع روسيا على فعل ما تريد..." لحلفاء الناتو، الذين لا ينفقون ما يكفي على جيوشهم.
وهنا، يرى وودورد، في كتابه، أن تواصل ترامب مع بوتين، في وقت يخوض حرباً ضد دولة حليفة للولايات المتحدة، يجعله غير أهل للرئاسة بدرجة أكبر مما كان عليها نيكسون. ويعتقد وودورد أن ترامب أكثر الرؤساء تهوّراً واندفاعاً في التاريخ الأميركي، وهو يُظهر الشخصية نفسها كمرشح رئاسي هذا العام.
ويدعم بوب وودورد حججه، في كتابه "الحرب" بتصريحات مثيرة للسيناتور ليندسي غراهام، أحد أقرب حلفاء دونالد ترامب، بشأن الأجواء في منتجع ترامب "مار إيه لاغو" ومزاعم تزوير انتخابات 2020، التي يكررها الرئيس السابق.
وينقل عن غراهام أنه ألقى اللوم على البيئة المحيطة بترامب في منتجعه في تغذية سردية الانتخابات المزورة، ووصف زيارة مار - إيه - لاغو بأنها "تشبه قليلاً الذهاب إلى كوريا الشمالية"، مضيفا أن "الجميع يقف ويصفق في كل مرة يدخل فيها ترامب".
وسارع ستيفن سونغ، المتحدث باسم حملة ترامب، إلى نفي ما ورد في كتاب بوب وودورد . فأعلن أن "أياً من هذه الروايات المختلَقة من جانب بوب وودورد ليست صحيحة، وهي ابتكار من رجل مجنون وغير متّزن". ورأى أن الكتاب "يصلح لاستخدامه ورقاً للمرحاض".
ونفى ترامب بشدة ما ورد في كتاب "الحرب". وفي مقابلة مع جوناثان كارل، من شبكة "أيه بي سي نيوز"، وصف وودورد بأنه "مجرد راوٍ، راوٍ سيئ في الواقع. لقد فقد صوابه تماماً".
وكان ترامب تعاون سابقاً مع وودورد في كتابه السابق "الغضب"، الصادر عام 2021، لكنه عاد لاحقاً ورفع دعوى قضائية، زاعماً أن وودورد لم يحصل على إذن لنشر تسجيلات مقابلاتهما علناً. ونفى كل من الناشر والكاتب هذه الادعاءات، وفقاً لوكالة "أسوشيتد برس".
هناك غياب نسبي في كتاب "الحرب" لسكان غزة والفلسطينيين، بصورة عامة. يحظى ما حدث في الـ7 من أكتوبر وما بعده - الذي يطلق عليه بوب وودورد "فظائع" - ضد الإسرائيليين باهتمام واسع النطاق. والأصوات الفلسطينية غائبة فيه، في حين أن الإرهاب الصهيوني والحصيلة في الصراع في غزة مهمَلان. ويظهر الكتاب فريق بايدن والحكومة الإسرائيلية على اتصال دائم: يظهر نتنياهو على صفحات الكتاب أكثر من نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس ووزير الدفاع أوستن مجتمعة.
أبرز الأصوات العربية في الكتاب هم قادة من بلدان أخرى، قد يُفاجَأ بعضهم لرؤية حساباتهم السياسية مكشوفة جداً. ويكشف بوب وودورد عن لقاءات جرت بعد الـ7 من أكتوبر بين وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، وعدد من القادة العرب. وتضمّنت هذه اللقاءات مطالبات من بعض هؤلاء القادة بتدمير حركة حماس، مشيرين إلى ارتباطها التاريخي بجماعة الإخوان المسلمين.
هناك سؤال يفرض نفسه، بعد قراءة هذا الكتاب: هل وقع الناخب الأميركي في فخ ترامب المتهور، الذي يهدد مساره بسقوط "القلعة" الأميركية من داخلها؟