ميدان "الميادين": الحقيقة صوت وصورة وشهداء

ستبقى "الميادين" في كافة الميادين ولن تسكت، لأنّ سكوتها هو الوجه الآخر للهزيمة، ومن اعتبر نفسه منتصراً في الإعلام المعادي للمقاومة، لن يجد أمامه سوى أصابعه المحترقة وجثث جيش الاحتلال ومستوطنيه.

منذ أن بدأت "إسرائيل" حرب الإبادة المدعومة أميركياً على شعبنا في قطاع غزة والضفة ولبنان العام الماضي، أصبح الصحفيون هدفاً لنيرانه وآلته العسكرية. وها هو يستهدف مكتب الميادين في بيروت وجزء من طاقمها في الجنوب، حيث استشهد المصور غسان نجار، ومهندس البث محمد رضا، وقد سبقهما الشهداء المراسلة فرح عمر، والمصور ربيع المعماري، ومرافق لفريق القناة، حسين عقيل. كما ارتقى أمس شهيداً من قناة "المنار" هو المصور وسام قاسم. 

جاهل من ينكر دور الإعلام في حرب الإبادة التي تشنّ على شعبنا في فلسطين ولبنان، وقصفاً جوياً على سوريا، إن لم نقل أنه أساس العدوان على بلادنا من خلال الفبركات والكذب و"شيطنة" قيادات المقاومة، والشحن المفرط لتأجيج النعرات المذهبية والطائفية في العالمين العربي والإسلامي، لتأليب الرأي العام على المقاومين خدمة لهوى أميركي - صهيوني ورجعي عربي. 

وقد تحدث الفيلسوف الأميركي، نعوم تشومسكي، في كتابه "السيطرة على الإعلام" عن حجم النفاق الذي يقف وراء إمبراطورية الإعلام العالمي وتحديداً الإعلام الأميركي، القادر على تغيير أنظمة وإبادة شعوب وإشعال حروب طاحنة عن طريق الترويج لأخبار كاذبة ونشر دعايات لا أساس لها من الصحة.

كان يُراد للمشرق العربي كله ومن خلال الإعلام المفبرك أن يُعاد تركيبه الآن لتكون "تل أبيب" هي "قبلة الشرق الأوسط".

إن أهمية الإعلام المقاوم ودوره ورسالته السامية في بث الحقائق وإيصالها إلى عالمنا العربي بخاصة وأحرار العالم بعامة، هي التي دفعتنا لكي نأخذ قناة "الميادين" كنموذج حي ورائد في خلق هذا التوازن المؤثر في ساحات فلسطين والعراق وسوريا ولبنان والأردن، وصولاً إلى اليمن والبحرين، ومصر والخليج، رغم التشويش الذي تتعرّض له، عبر ملاحقتها وتشويه رسالتها المقاومة الوطنية. 

أهمية "الميادين" أنها أخرجت إعلامها من الغرف المقفلة ومن المفاهيم المقفلة، وهي تدرك الآن أنها أمام زمن آخر يحتاج فيه عالمنا العربي إلى إعلام موضوعي يواكب الحدث بكلمة الحقيقة والصورة المباشرة. فالحقيقة هنا هي "وجود ومعرفة".

الإعلام المعادي الضالع في الكوميديا السوداء وفي التراجيديا الغبية. هذا الإعلام المواكب للسرديات الصهيونية، كان ولا يزال يهلل للعدو للاستيلاء على تلة هنا، أو على قرية هناك، أو على طريق قد يُطل على بيروت كما يتوهمون. وكان البعض يوزع الحلوى على المارة في مناطق بعد استشهاد المقاومين، بتلك الفوقية وبتلك الميكيافيلية! لكن ماذا يعني حين تسقط هذه الهياكل العظمية التي رأينا صورها في محرقة الإعلام وفي محرقة المذاهب؟

"الإعلام الإبراهيمي" المتواطئ ضد كل بيت مقاوم، وضد كل جدول ماء، وضد كل حديقة، وضد كل مصنع وجامعة وكائن بشري، كاد أن يفوز ليعلن أن المقاومة بعد استشهاد قادتها ذاهبة الى "ليلة العدم"، لولا أن "الميادين" وبما ملكته من رصيد أخلاقي، لكان الإعلام المعادي حوّلنا إلى مستودعات للغيب... كما الى مستودعات للغياب؟

ليس غريباً على "الميادين" رغم تعرض مكتبها في بيروت واستشهاد مراسليها ومصوريها أن تعيد التذكير بوهج هذه المقاومة، وبوهج هؤلاء المقاومين الذين آمنوا أن لا مكان لثقافة التثاؤب. دعوا العقول والسواعد والصواريخ تفاوض. "الميادين" تقول في الذكرى الثانية لـ "طوفان الأقصى" وللعدوان على قطاع غزة: إياكم والقفازات الحريرية!

لكن يبقى السؤال: لماذا تخشى "إسرائيل" انتصار الصورة في غزة ولبنان إلى هذه الدرجة؟

سؤال يطرحه كلّ عاقل وباحث عن الحقائق أمام نفسه، لأنّ الصورة تظلّ تحفر عميقاً في الوجدان أرَدنا ذلك أم لم نرد. والحكمة القديمة تقول إن: "من رأى ليس كمن سمع"، في إشارة إلى أهمية الصورة ودورها التأثيري الكبير في وجدان الجمهور.

لا شك أن العالم مصاب بالصدمة مما يحدث اليوم من مجازر في غزة ولبنان على يد المحتلّ الإسرائيلي المتوحش، لأنه يرى بعضاً من الحقيقة التي تركها حين اكتفى بقصة مكذوبة، لكن سرعان ما تغيّرت روايته، وكان لقناة "الميادين" والإعلام المقاوم دور أساسي في بث الحقائق، ما استدعى اجتماعات لـ "الكابينت" يوماً ما من أيام العدوان بهدف استصدار قرار يمنع هذه القناة المقاومة من بث حقيقة الوقائع في فلسطين المحتلة.

اليوم تنتصر صورة "الميادين" على سيف العدوان، وهي تشير إلى أهمية الإعلام المقاوم ودوره ورسالته السامية في بث الحقائق وإيصالها إلى العالم بخاصة العالم العربي. وشكلت هذه القناة نموذجاً حياً ورائداً في خلق هذا التوازن المؤثر في ساحتي فلسطين ولبنان، وسابقاً في ساحات العراق وسوريا واليمن.. وصولاً إلى البحرين.

ستبقى "الميادين" في كافة الميادين ولن تسكت، لأنّ سكوتها هو الوجه الآخر للهزيمة، ومن اعتبر نفسه منتصراً في الإعلام المعادي للمقاومة، لن يجد أمامه سوى أصابعه المحترقة وجثث جيش الاحتلال ومستوطنيه.

جميل أن نستعير قبل سنوات عنوان "الميادين": "فلسطين تذكّروا".. ولكن يبقى السؤال هو: كيف لنا أن ننسى مدينة الله في هذه البقعة من أرض بلاد الشام؟

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.