مشاهير خارج التغطية
يبدو النجوم والمشاهير العرب بمعظمهم وكأنهم يعيشون على كوكب آخر، غير آبهين بكل ما يجري من مجازر وجرائم إبادة. في المقابل، نرى العديد من نجوم العالم، يعلنون مواقف شجاعة، صريحة، واضحة تدين الاحتلال وجرائمه.
الشهرة في ذاتها ليست قيمة مضافة. الشهرة أشكال وألوان. يمكن للصٍّ أن يكون مشهوراً، لقاتلٍ متسلسل أيضاً، لنصّاب محترف، أو حتى لمجنون! ليست الشهرة بذاتها هي الأهم. ماهية الشهرة هي التي تمنح صاحبها القيمة والأهمية والتميّز.
في عصر التكنولوجيا، لم تعد الشهرة وقفاً على نجوم الفن والأدب وسواها من ميادين الشأن العام. بات كل من يحمل جهازاً ذكياً قادراً على البث والإرسال وتحقيق نوع من النجومية بحسب هواة النوع.
لكن، على الرغم من طغيان السطحية والاستهلاك على معظم مناحي الحياة، لا يزال الأدباء والفنانون على اختلافهم أكثر تميزاً كلٌّ بحسب المادة التي يقدمّها. وعلى الرغم من التراجع على المستوى الثقافي، لا تزال للشعراء والأدباء مكانتهم، وكذلك الحال مع بقية الفنانين من موسيقيين ومغنين وممثلين، كلّ منهم أيضاً بحسب مستوى المادة التي يقدّمها.
هؤلاء جميعاً يمثّلون أيقونات ورموزاً لمحبيهم ومعجبيهم، والبعض منهم يغدو علماً من أعلام بلاده وأيقونة شعبية تعيش مدى الأزمان، خصوصاً متى كان ضميراً لشعبه وقضيته. هنا، يمكننا استحضار اسم غسان كنفاني وناجي العلي وما يمثلانه من قيمة إنسانية وثقافية ومعنوية للشعب الفلسطيني. كما نستطيع لو شئنا أن نستحضر مئات الأسماء المضيئة في ذاكرة الشعوب، والتي لم تنطفئ بمرور الزمن وتقادم الأيام.
في أوقات الشدّة واللحظات الحرجة والمنعطفات المصيريّة يتطلع الناس إلى هؤلاء المشاهير أو النجوم، أو لنقل إلى هؤلاء الرموز والأيقونات، ينتظرون منهم موقفاً يليق باللحظة التاريخية التي يعيشونها. هنا، يظهر مستوى الانتماء والوعي والثقافة التي يحظى بها كل واحد من هؤلاء المشاهير، ومدى تماهي سلوكه ومواقفه مع نصوصه وأعماله الإبداعية، لا سيما إذا كانت أعمالاً محمَّلة بمضامين إنسانية نبيلة وجميلة.
تحت ظلال الحرب الهمجية المتوحشة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على فلسطين ولبنان، صمتَ كثيرون من هؤلاء صمت القبور، ولم ينبس معظمهم ببنت شفة، وكأن ما يحدث لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد، إلّا من قلّة قليلة رفعت الصوت عالياً رفضاً للظلم والعدوان، وانتصاراً لحق الشعبين اللبناني والفلسطيني في الحياة، واستنكاراً لوحشية الاحتلال وإجرامه.
وهنا، نشير بكل تقدير واحترام إلى موقف النجمة والممثلة اللبنانية، ريتا حايك، التي تميّزت عن كثير من زميلاتها وزملائها بالشجاعة والصراحة والوضوح.
إذاً، كثيرون لاذوا بالصمت المهين، والبعض اختار تسجيل موقف مائع من خلال الاكتفاء بنشر صورة علم البلاد أو الأغاني الوطنية، من دون التجرؤ على الإشارة إلى طبيعة ما يجري، وكأن البلاد تتعرض لزلزال أو بركان أو إعصار، لا إلى عدوان إسرائيلي همجي لا يميز بين محارب ومدني، ولا بين متراس ومدرسة، أو خندق ودبابة، والمستهجن والمدان أن بعضهم بات أقرب إلى السردية الإسرائيلية.
ولئن كان صمت المغنين يُفسَّر بالخشية على مصالحهم وأعمالهم وحفلاتهم ومهرجاناتهم بسبب ارتهانهم لمنتجيهم ومموليهم، وغالبيتهم أصلاً تقدّم أعمالاً خالية من أي عمق إنساني حقيقي، فالأغرب والأكثر استهجاناً هو صمت كثير من الأدباء والشعراء المشغولين بفنتازيا الكتابة وتفكيك النصّ وتكعيب المعنى. فلا وقت لديهم لتعكير صفو أمزجتهم برؤوس الأطفال المقطوعة والأيدي المبتورة والبطون المبقورة، ولا بالبيوت المدمرة فوق رؤوس أهلها والمستشفيات المهدمة على أجساد المرضى والجرحى، والمدارس الملأى بالنازحين التي صارت هدفاً يومياً للمقاتلات الحربية.
فعلاً، يبدو النجوم والمشاهير العرب بمعظمهم وكأنهم يعيشون على كوكب آخر، غير آبهين بكل ما يجري من مجازر وجرائم إبادة. في المقابل، نرى العديد من نجوم العالم، الأكثر شهرة ونجومية، ينحّون مصالحهم الشخصية جانباً، لا يأبهون بمن يقاطعهم أو يعاديهم، يعلنون مواقف شجاعة، صريحة، واضحة تدين الاحتلال وجرائمه وتنتصر لحقّ الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، وَلِحَقّ الشعب اللبناني في العيش بأمن وآمان، بعيداً من العدوانية الصهيونية المتربصة به دائماً وأبداً.
من هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر: روجر ووترز، ماكلمور، جاكوب برجر، دان بلزريان، بيلا حديد وسواهم ممن لم يخشوا عواقب مواقفهم، ولم يهابوا سطوة "اللوبيات" القادرة على تعطيل مصالحهم وأعمالهم.
سيذكر التاريخ هذه المرحلة بوصفها واحدة من أخطر المراحل التي نمر بها، وسيحفظ الناس أسماء الذين انتصروا لدم الشهداء والضحايا، وانحازوا إلى حقيقة أن هذا الاحتلال باطل وزائل لا محالة. أما أولئك الصامتون المرتجفون فستطويهم الأيام في مجاهل النسيان.
أستعيدُ بعضاً مما كتبته هنا مع بداية العدوان: "ليس المطلوب أن يتوقف أحد عن عمله، لكن في إمكان كل مؤثِّر أن يغتنم فرصة تأثيره كي يوصل إلى محبيه ومعجبيه رسالة وعي بما يحدث، ورسالة دعم لأبناء غزة وهم يواجهون آلة القتل الوحشية، وهذا ما فعله كثيرون من نجوم العالم من دون حساب الربح والخسارة. وحسناً يفعل كل مؤثِّرٍ عربيّ يكتب كلمة، أو ينشر صورة، أو يرفع صوته عالياً لأجل فلسطين. فالمعنى الحقيقي لأن تكون مبدعاً أو مؤثِّراً في أي مجال أدبي أو فني أو اجتماعي، هو أن تكون إنساناً أولاً. وفلسطين ولبنان هما المحكّ والمقياس".