لا مفرّ... من النصر

إنها معركة حياة أو موت ولا خيار ثالثاً فيها، فالهزيمة تعني الفناء أو الرضوخ الأبدي للسيطرة الاستعمارية ممثّلةً بـ "دولة" الاحتلال، لذا لا مفرّ من النصر عاجلاً أو آجلاً ومهما بلغت التضحيات.

  • (غيتي)
    (غيتي)

"لسْتَ مهزوماً ما دمْتَ تُقاوم"، مهدي عامل.  

**

ليست الحرب الإسرائيلية الأولى علينا، ولعلّها لن تكون الأخيرة. مذ وُلِدنا، بل مذ ولِد آباؤنا وأجدادنا وهذا الكيان اللقيط يعتدي علينا. الأمر ليس جديداً أبداً.

الجديد أن حروبه العدوانية لم تعدْ تجري كما يشتهي ويشاء. سابقاً كان يشنّ غزواته واجتياحاته و"عملياته المحدودة" وغير المحدودة في الزمان والمكان المناسبين له، وكان يحلو له القول إنه قادر على احتلال لبنان بفرقة موسيقية.

لكن زمانه ولّى من زمان.

ليست غاية هذا الكلام بثّ الروح المعنوية والبحث عن بصيص أمل في غمرة العدوان الهمجي، الذي يشنّه على لبنان بعد نجاحه في تدمير غزة وإخفاقه في تدمير مقاومتها. بل هي خلاصة التجارب المستخلصة من حروبه السابقة التي شنّها بهدف كسر شوكة مقاوِميه والهيمنة على البلاد والعباد.

واقع الحال يقول إن العدوان الراهن قاس وموجع، وإن الخسائر والتضحيات جسيمة وغير مسبوقة، والأهداف المعلنة وغير المعلنة خطيرة وخبيثة، وهي لا تطاول فقط بيئة المقاومة في لبنان، ولا حتى لبنان وحده. المشروع الصهيوني أخطر من ذلك بكثير، وها هم "صقوره" يجاهرون بمطامعهم في الكثير من البلدان العربية تحقيقياً لمقولة: أرضك يا "إسرائيل" من الفرات إلى النيل!

هذا الحلم الصهيوني المستحيل دونه أنهار من الدماء وسنون من الخراب والدمار، ومهما تعاظم جبروت الآلة العسكرية الإسرائيلية فإن مأزق الكيان يزداد عمقاً، لا العكس.

في العام 1982 استطاع "جيش" الاحتلال الوصول إلى مشارف بيروت خلال 10 أيام، أما الآن، ومنذ أسبوعين مسبوقَين بسنة كاملة من القصف والتدمير الممنهج، لم يستطع دخول قرية حدودية واحدة. آلته العسكرية تزداد بطشاً وقتلاً وتدميراً، لكنها في الوقت نفسه تزداد عجزاً عن تحقيق الأهداف.

لقد دمّر الاحتلال الإسرائيلي غزة لكنه عجز عن تحقيق هدف واحد من أهدافه المعلنة، وأبرزها استعادة أسراه والقضاء على المقاومة الفلسطينية، وذلك باعتراف قياداته ومحلّليه ومنهم آفي أشكنازي الذي كتب: "الحقيقة هي أن الجيش لم يحقّق حتى الآن معظم أهداف الحرب المتمثّلة بعودة الأسرى والقضاء على حماس".

طبعاً الخسائر كارثية، الأرواح غالية لا يعوّضها شيء والبيوت المهدّمة جنى أعمار كاملة، والأحلام المجهضة عزيزة، وإعادة البناء ليست بالأمر الهيّن واليسير، لكن الاحتلال لم يترك لأهل الأرض خياراً سوى المقاومة. البديل عنها هو الاستسلام المطلق لهذا التوحّش غير المسبوق، ولهذه الزمرة النازية التي تحلم بالسيطرة على كامل المشرق العربي والهيمنة على كل الإقليم.

الوقائع والظروف الدولية والإقليمية والمحلية اختلفت كثيراً عمّا كانت عليه قبل 4 عقود ونيف، يوم تمّ احتلال أول عاصمة عربية (بعد القدس)، أي بيروت، لكن الاختلاف ليس كله لمصلحة المحتل. ما يُحسَب لصالحه هو التفوّق التكنولوجي والسيطرة الجوية، لكن على الرغم من أهمية هذا الأمر، نلاحظ أن "دولة" الاحتلال لم تعد قادرةً وحدها على حماية نفسها، وصارت تحتاج لحاملات الطائرات والبوارج الأميركية والغربية كي تشعر بنوع من الأمان.

قد تستطيع آلة الحرب المتوحّشة دخول بعض قرى الجنوب، وربما أكثر. لكن لنتذكّر دائماً أنهم وصلوا بيروت ذات يوم من صيف العام 1982، لكنهم سرعان ما خرجوا تحت وطأة ضربات المقاومة وهم يصرخون: "يا أهل بيروت لا تطلقوا علينا النار إنّا منسحبون"، قبل أن يضطروا للانسحاب من جنوب لبنان من دون أي قيد أو شرط.

ليست نزعة ماضوية ولا نظرة رومانسية. فمن طردهم في الماضي قادر على طردهم الآن، ولئن كانت أجيال من الشهداء قد ارتقت على الطريق. فإن أجيالاً من المقاومين تولد من جديد. كأنّ هذه البلاد تتوارث الشهادة كما تتوارث الجينات، لا حباً بالموت، بل انتصاراً لحياةٍ حرّةٍ كريمة، ورفضاً للغطرسة والهيمنة.

يبقى أن أكثر ما يجعل هذه الحرب مختلفةً عن سابقاتها هو اعتبارها في نظر قادة الكيان حرباً وجودية بفعل "طوفان الأقصى"، الذي هزّ أسس وجوده في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. ويبلغ الأمر ببعضهم أن يعدّها أهم من "حرب التأسيس" (النكبة) في العام 1948.

ولئن كانت هذه الحرب وجودية ومصيرية بالنسبة لـ "دولة" الاحتلال، فإنها أكثر وجودية بالنسبة لفلسطين ولبنان وكل بلاد الشام على وجه الخصوص. إنها معركة حياة أو موت ولا خيار ثالثاً فيها، فالهزيمة تعني الفناء أو الرضوخ الأبدي للسيطرة الاستعمارية ممثّلةً بـ "دولة" الاحتلال، لذا لا مفرّ من النصر عاجلاً أو آجلاً ومهما بلغت التضحيات.

 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.