فلسفة الجمال في المدرسة الفنّية الثوريّة

علی الفنّان أن يبدأ من تطهير نفسه وعليه أن يزيل الغبار من علی مرآة قلبه حتی تتجلّی شمس الجمال الإلهي في روحه ويکون قادراً علی أن يعكسَ هذا الضوء بمقدار سعة مرآة قلبه وبمقدار شفافية هذه المرآة.

  • فلسفة الجمال في المدرسة الفنّية الثوريّة
    فلسفة الجمال في المدرسة الفنّية الثوريّة

من أهمّ أدوار الفنّ، إبراز الجمال وتظهيره، وهو من القضايا المشتركة في فلسفات الجمال أو علم الجمال أو الجماليات، ومن الأمور المؤكدة والمتفق عليها لدى جميع المدارس الفنية. يحاول الفنّان أن يكتشف الجمال المستور والمخفي في ثنايا الأشياء، والفنّان القدير هو ذلك الغوّاص الماهر الذي يغامر ویغوص في مياه الحقائق والأمواج المتدفّقة لكي يستخرج لؤلؤةَ الجمالِ المكنونةَ في أعماق البحار المظلمة، وبالتالي عندما یَعرِض هذه اللؤلؤة علی الآخرين فهم یشعرون باللذة والانبهار والإعجاب. 

أما الخلاف والاختلاف یكمن في تعریف الجمال ومفهوم الجمال ومعرفة الجمال وإدراك الجمال. الفرق بين المدارس الفنية المادية والمدرسة الإلهية أنّ الجمال في المدرسة الإلهية لا ينحصر في جمال الظاهر والمظهر، وليس محدوداً بالجمال الذي يمكن رؤيته بعين الجسد أو البصر. الجمال أرقى وأرفع وأعظم من أن يتأطّر بحدود المادّة وقيود الجسد.

طبعاً ظلم المدارس الغربية في حقّ الإنسان لا يقتصر فقط علی نظرتها الضيقة والقاصرة تجاه الجمال وحصرِه بالجمال المادّي وإخفاء الجمال المعنوي، وإنما الأخطر هو تغليفها للأمور القبيحة والبشعة وتقدیمها في القوالب الفنية علی أنّها أمور جميلة. هذا الجمال المزيّف يريد الغرب أن يفرضه علی الإنسان ليغيّر فطرته السليمة وروحه المحبّة للجمال الحقيقي، حتی يخرج الإنسان عن إنسانيته ويفقد قيمته الذاتية.

أمّا المدرسة الإلهية، فهي تفتح آفاقاً واسعةً أمام الإنسان، وترفعه من مستوی الماديات، لكي يری أجمل الحقائق في العالم، بل وحقیقة الجمال وذات الجمال وکُنه الجمال. طبعاً إدراك الجمال الحقيقي والمعنوي هذا ليس إدراكاً استدلالياً وفلسفياً، وإنما هو معرفةٌ عرفانية وحكمة متعالية، أو ما نعبّر عنه بالكشف والشهود للحقيقة. والوصول إلی هذا المستوی العالي من إدراك الجمال ومعرفة الحقائق الجميلة لا يكون ممكناً إلا لأهل التقوی وتزكية النفس. لأنّ العائق الأساسي أمام عين الباطن أو عين القلب هو الذنوب والمعاصي التي تعمي البصيرة.

من هنا، كان علی الفنّان أن يبدأ من تطهير نفسه وعليه أن يزيل الغبار من علی مرآة قلبه حتی تتجلّی شمس الجمال الإلهي في روحه ويکون قادراً علی أن يعكسَ هذا الضوء بمقدار سعة مرآة قلبه وبمقدار شفافية هذه المرآة. وکما يقول الشاعر الإيراني صائب التبریزي: «آيينه شو جمال پری‌طلعتان طلب».

فقط في هذه الصورة يتمکّن الإنسان من معرفة جمالية كربلاء وإدراكها، ولعلّ هذا ما منحَ زينب بنت الحسين (ع) القوّة لكي تقول "ما رأيت إلا جميلاً"، وإلا فالعقل المادّي المحدود بالاستدلالات المنطقيّة والمتحجّر لا يمكن أن يُدرك جماليّة عاشوراء، وفلسفة المصائب. ولا يمكنه أن یَشعر بلذّة من مشاهدة صور الوفاء والأدب والتضحية والعزة والإباء ورفض الذل ومقارعة الظلم ومطالبة العدالة والصبر والبصيرة والشجاعة والشهادة في سبیل الله وغیرها من الحقائق الجميلة المتجلية في ملحمة الحسين (ع).

وکما يقول قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي: "ما تتوقّعه الثورة الإسلامية وتنتظره من الفنّان لیس بالأمر المبالَغ فیه، بل هو مبني علی أساس علم جمال الفنّ، فالفنّ هو ذلك الشيء الذي يدرك الجمال. والجمال لیس بالضرورة أن يكون وروداً وعصافير، بل قد يكون أحياناً مشهد تحمّل ومقاومة واصطبار شخص أُدخل في النار، قد يكون هذا أجمل بكثير من مشهد الورود والعصافير. فعلی الفنّان أن یری هذا الجمال ويدركه أوّلاً، وأن یظهره ويبيّنه بلغة الفنّ ثانياً".

وهذا هو واجب الفنانين الثوريين؛ إدراك الجمال الحقيقي وإبرازه وتظهيره وترويجه وتبيينه، ومواجهة التزيیف والتشویه والتحریف. نعم، هذا هو الفنّ الجهادي و هذا هو جهاد التبيين. وكثيرة هي التفاصيل الجميلة المخفية عن أعيننا في قصة كربلاء، والتي بإمكان الفنان أن يصلَ إلى عمقها ثمّ يصوّر فلسفة الجمال بإلهامٍ من الألم والصبر، وبأدواته الخاصة. وهذا أرقى أنواع الفنون، وأكثرها رساليّةً وإنسانيّة.