فؤاد يمين.. وحده على الخشبة لكنه يملؤها!

ما زال تدفق العروض المسرحية متواصلاً على الخشبات اللبنانية، أحدثها على مسرح دوار الشمس – الطيونة بيروت بعنوان: "هينة العيشة هيك"، للفنان المتعدد المواهب فؤاد يمين كتابة وأداء وإخراجاً، وحده على المسرح لكنه يملأ فضاءه.

  • الفنان
    الفنان "فؤاد يمين" في: هينة العيشة هيك

لم يكن مفاجئاً لنا الفوز بعرض دسم عميق متنوع تطال شراراته شتى الإهتمامات المحلية من سياسية ودينية وإجتماعية وفلسفية، فالفنان فؤاد يمين صاحب بطاقة فنية مكتظّة بالإنجازات ما بين الشاشتين والخشبة، كثير المهمات الفنية ودائماً يتميز ويتصدر ويظل متواضعاً متابعاً مساراته بكل جد وصدق. وفي عمله الجديد على خشبة "دوار الشمس"، صاغ نصاً طال كل إهتماماتنا، وانشغالاتنا، وكل ما حكاه من قصص متفرقة يصب في خانة الغمز والانتقاد بأسلوب هادئ محبب ومتدفق.

  • هو، وكرسي، وجهاز تلفزيون فقط
    هو، وكرسي، وجهاز تلفزيون فقط

هو، الكرسي الذي يجلس عليه، وجهاز تلفزيون من أيام زمان. أكسسوارات معدومة ولا إضافة على حضور الممثل سوى الصوت الذي يأتي من التلفزيون بين وقت وآخر، وما تبقى لا رفيق له سوى الحضور الكثيف جداً في الصالة ممن يثقون بعطاءات الفنان ويدركون مستوى ما يقدمه وهو ما ميّز تحية الختام حين لم تتعب الأكف من طول فترة التصفيق بحرارة لما استطاعه الفنان يمين منفرداً، حيث كان الانجذاب إلى مونولوغاته فائق الدقة والتركيز والفهم العميق لما أراده من رسائله الكثيرة والنوعية مع بعض المواقف التي سعدنا بمرورها السلمي على الرقابة.

  • منفعلاً في طرح قضية محورية وبصوت عال
    منفعلاً في طرح قضية محورية وبصوت عال

نسب الفنان يمين لنفسه كل الحكايات وهي على كثرتها وتنوعها وتعدد أبطالها برزت بوضوح ودلت على القصور في المجتمع، وهيمنة أطراف على أخرى وإستغلال البعض للبعض الآخر، ودور الشخصيات العادية في اليوميات المتعاقبة بمشاكلها وتداعياتها مع مقارنة ما كان سائداً في الماضي مع ما هو سلبي في الحاضر، ولكن بنفس قصصي يُعيد الكرة إلى ملعبه تفادياً لملامسة مشاعر البعض أو إستنتاجهم غير الصحيحة لخلفية ما يُطرح. فالعرض لا يترك مساحة من الاهتمام العام إلا ويحسب لها حساباً بالمباشر أو برمزية الكلمات والجمل. وكان جيداً أنّ جانباً رحباً من الجرأة كان برداً وسلاماً على الرقابة.

  • مدققاً في نظرته إلى أحوال الناس اليوم
    مدققاً في نظرته إلى أحوال الناس اليوم

فؤاد يمين يتحدث لوحده، لا مؤثرات خاصة ولا مشهدية، فقط نحن في مواجهته والتواصل على أشدّه، حتى بالأنفاس فكل المقاطع تشغل حيّزاً وتتناول قضية تحت غطاء شفاف من مضمون الحكايات واحدة تلو الأخرى، ومنذ فترة لا نلمس تجاوباً مباشراً مع ما يقال على الخشبات، إلّا نادراً فالكثير مما نشاهده يعتمد على الحركة أكثر من كرم المضمون. أما هنا في "هينة العيشة هيك"، فسياق الصور يحمله الحوار ، المضمون هو الأصل والفعل والمرتجى، والحال ممتازة في العلاقة بين الخشبة وصالة الحضور.

الفريق التقني، والمساعدون في الكواليس جيش صغير عكس الجالس لوحده على المسرح، لكن الدعم كامل والمواكبة مثالية، فكل ما أراحنا كمشهدية مرتبط بفريق الكواليس وما على الحاضر أمامنا سوى مخاطبتنا، ونحن في حال من دهشة المتابعة والتواصل وحتى التناغم مع كل مقتضيات ما تصمنه النص، في وقت يحتاج جمهور اليوم من اللبنانيين لمن يخاطبهم بلغتهم ولهجتهم وأحاسيسهم ترجمة لدور المسرح في أن يكون لسان الناس وصورتهم الصادقة. وهكذا كان الواقع مع يمين، فتحقّق ذلك التجانس والتوافق والإعجاب، وسيل المباركات من الصالة لنجم المسرحية الذي كان لوحده لكنه ملأ الخشبة.