غليان واتهامات بالفساد.. ماذا يحصل في "اتحاد كتّاب مصر"؟

استقالات أعضاء واتهامات لرئيسه بالفساد المالي والإداري. ماذا يجري في "اتحاد كتّاب مصر"؟ وكيف يردّ رئيس الاتحاد؟

منذ نحو عقد، يمر "إتحاد كتّاب مصر" بعدد من الأزمات التي أثارت وما زالت حالة من الانقسام بين أعضائه، وصولاً إلى طرح تساؤلات حول دور الاتحاد المستقبلي محلياً وعربياً وإمكانية استمراره كمؤسسة ثقافية.

أما الأزمة الأخيرة المستمرة منذ أسابيع في الاتحاد الذي تأسس عام 1975 ويبلغ عدد أعضائه أكثر من 4000 كاتب وكاتبة، فإنها نتاج أزمات أخرى بدأت منذ العام 2015 مع صعود الشاعر، علاء عبد الهادي، إلى كرسي رئاسة الاتحاد، كما يدعي منتقدوه. 

هكذا تلاحقت المشكلات ومن ضمنها إيقاف رواتب نحو 120 أديباً ومفكراً، والامتناع عن صرف مستحقات العلاج والأدوية لأعضائه وإهمال حالتهم الصحية، كحالة الروائي المصري، الراحل صنع الله إبراهيم، فضلاً عن دعوات قضائية وصلت إلى المحاكم وتبادل الاتهامات بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين.

وسبق ذلك أزمة أخرى عام 2016 حيث شهد الاتحاد استقالة 20 من أعضائه، ما وضعه على شفا فقدان الشرعية، قبل أن يصل الانقسام مبلغه مع بروز كتلة "معارضة" باسم "جبهة الإصلاح" يقودها الشاعر، أحمد سويلم، منذ العام 2021.

وكانت اتحادات 15 دولة عربية، من بينها لبنان والجزائر والسعودية والإمارات والأردن، وافقت على رجوع "الاتحاد العام للكتاب العرب" إلى مصر في أيار/مايو 2024، وتولى عبد الهادي منصب الأمين العام له حتى عام 2028.

غليان واتهامات

خلال السنوات الماضية تعرض "اتحاد كتّاب مصر" الذي يُعد منارة للحرية والفكر لهزات موجعة، من بينها سحب حق ترشيحه للأدباء المصريين لجائزة نوبل للآداب بسبب مخالفة لوائح الأكاديمية السويدية لتكرار ترشيح رئيسه للجائزة.

لكن حالة الغليان الأخيرة لم تهدأ وتفاقمت بعد حملة توقيعات بعنوان "رسالة إلى وزير الثقافة" وقعها أدباء وكتّاب، وصفوا فيها ما يحدث بأنه: "انهيار إداري ومالي وأخلاقي"، داعين الوزير، أحمد فؤاد هنو، إلى التدخل الفوري لإنقاذ هذا الصرح العريق "ووقف المهزلة" ومطالبة مجلس الإدارة بالاستقالة، تمهيداً لسحب الثقة من عبد الهادي، الذي "يعبث باللوائح ويخنق صوت الجمعية العمومية ويمارس السلطة كوصاية دائمة لا رقيب عليها"، كما جاء في الرسالة.

جملة من الاتهامات أيضاً، أطلقها الأدباء خلال حملتهم، مثل إهدار "اتحاد كتّاب مصر" لوديعة حاكم إمارة الشارقة، الشيخ سلطان القاسمي، بقيمة 20 مليون جنيه مصري، مخصصة لعلاج الكتّاب والأدباء، واستغلال عبد الهادي منصبه لتمرير قرارات غير قانونية ما يعصف بكيان ثقافي أُنشئ ليكون صوتاً للكتّاب والأدباء ونبضاً للثقافة الوطنية، ومؤسسة دورها الأول حراسة الديمقراطية والإبداع.

حول أزمات "اتحاد كتّاب مصر" يقول عماد النشار، العضو السابق في مجلس النقابة الفرعية لاتحاد الكتاب بالمنيا في صعيد مصر، إن ما يحدث داخل الاتحاد "ليس خللاً إدارياً بل هو انقلاب كامل على القانون وعلى تاريخ مؤسسة وُلدت لتكون منارة للحرية والفكر".

ويضيف النشار في حديث مع "الميادين الثقافية"، وهو سيناريست مصري وأحد 3 أعضاء تم فصلهم بقرار من عبد الهادي، أن رئيس الاتحاد الحالي "فاقد للشرعية القانونية ويعبث باللوائح ويتفرد بالقرارات ويمارس سلطته بلا رقيب أو حسيب"، معتبراً أن الاتحاد "انحدر بشكل مؤسف عن القيم النبيلة التي أُسس عليها وتحول من منارة للإبداع إلى مسرح للتخبط الإداري والانحراف المالي".

من جهته، يرى الكاتب محمود علي، أن "هناك تجاوزات جسيمة مثل تعطيل الانتخابات بشكل مخالف للقانون واستمرار المجلس من دون انتخابات من خلال تصعيد رئيس الاتحاد علاء عبد الهادي بعد انتهاء ولايته، وهو يستنزف موارد الاتحاد مثل إطلاق إذاعة الأدب العربي التي لا يتابعها أحد ومشروع ذاكرة الاتحاد البصرية التي لا يجري تسويقها، ما يمثل إهداراً للأموال من دون طائل".

من صنع الله إبراهيم إلى منى ماهر.. كيف أخفق الاتحاد في علاج الأدباء؟

  • "اتحاد كتّاب مصر" متهم بإهمال الوضع الصحي لأعضائه وآخرهم الروائي الراحل صنع الله إبراهيم

هذا الصراع جعل هذه المؤسسة التاريخية، التي شهدت عقوداً من الإنتاج الأدبي والنضال الثقافي، تهمل الوضع الصحي لأعضائها. وكانت أبرز تجليات هذا الإهمال حالة الروائي الراحل، صنع الله إبراهيم.

إذ كشف عن سلسلة طويلة من الأزمات الصحية التي تعرض لها ويتعرض لها كُتّاب مصر من الكبار والشباب، بداية من محمد جبريل، وأمجد ريان، ومصطفى نصر، وصولًا إلى الكاتبة منى ماهر التي أصيبت بالسرطان، ومحمد العون الذي أُصيب بورم سرطاني عام 2023 وتلقى العلاج على نفقته الخاصة، وسبقهم أبرز شعراء جيل السبعينيات مثل رفعت سلام الذي استخرج له الاتحاد مبلغاً لا يكفي لشراء حقنة واحدة.

هذا الإهمال تمثل أيضاً في رفض شركة التأمين الصحي المتعاقد معها "اتحاد كتّاب مصر"، التي لا تغطي خدماتها جميع أنحاء البلاد، صرف أي مستحقات علاج أو أدوية للأعضاء المرضى، كما حدث مع الكاتبة منى ماهر، وقبلها الكاتبة الراحلة، راضية أحمد، ما يعيد طرح ذات التساؤلات حول دور الاتحاد وتقصيره في علاج أعضائه.

يقول الروائي المصري، زين عبد الهادي، إن: "ملف علاج الأدباء في الاتحاد يواجه مشكلة حقيقية تتطلب حلاً جذرياً"، مفسراً أن "الجهة الطبية التي تم التعاقد معها لعلاج المرضى من الكتاب والمثقفين ترفض علاج الحالات الخطرة"، متسائلاً كيف نترك الكاتب العالمي الراحل، صنع الله إبراهيم، تتدهور صحته يوماً بعد يوم لأن هناك حدوداً للإنفاق ويرحل عن عالمنا بعد تدخل مخجل ومتأخر من الحكومة المصرية والاتحاد الذي يملك أموال العلاج؟".

ويضيف "لا ينبغي أن يتسول كل كاتب علاجه، ولا بد أن تصل رياح التغيير إلى أروقة اتحاد كتّاب مصر".

أما الشاعرة، أمينة عبد الله، فتقول إن: "وديعة العلاج في "اتحاد كتّاب مصر" لم نرَ أي كشف بها أو بأرباحها ومن استفاد أو يستفيد منها"، موضحة "أجريت فحصاً طبياً كاملاً على نفقتي الخاصة، لأنني مصابة بمرض الروماتويد، ورغم ذلك رفضت الشركة صرف أدويتي".

"ضياع" وديعة حاكم الشارقة

  • ترى الكاتبة ابتهال الشايب أن
    ترى الكاتبة ابتهال الشايب أن "اتحاد كتّاب مصر" مليء بالشلل والخلافات

منذ العام 2021، بات "اتحاد كتّاب مصر"، المؤسسة الثقافية التي أسسها يوسف السباعي، وضمت في عضويتها أسماء مرموقة مثل نجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس، وتوفيق الحكيم (أول رئيس للاتحاد) وغيرهم، في مهب الريح، ما دفع البعض إلى تبني فكرة إطلاق نقابة موازية وبديلة لجمع شتات الأدباء المصريين بعد فقدان الثقة في اتحادهم لابتعاده عن دوره الأساسي، سواء رعاية الأدباء صحياً أم الاحتفاء بهم، بدعوى عدم وجود مخصصات مالية، ما دفع البعض إلى التشكيك في الذمة المالية لمسؤوليه، والتساؤل أين ذهبت أموال التبرعات العربية والخليجية؟

في هذا السياق، كان ضمن أبرز نقاط الجدل ما أُثير حول إهدار الوديعة المالية وقيمتها 20 مليون جنيه مصري، وهي منحة من الشيخ سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، التي كانت مخصصة أساساً لعلاج الكتاب والأدباء، وجرى تقسيمها مناصفة بين الرعاية الصحية والإنفاق على أنشطة الاتحاد من دون الرجوع إلى الجمعية العمومية التي تفاجأت في تموز/يوليو الماضي بذلك، ما يشير إلى غياب الشفافية لعدم تقديم تقارير واضحة عن أوجه الإنفاق، بل وصل الأمر إلى اتهام المجلس بالتلاعب المالي الذي يتطلب المساءلة وسحب الثقة من إدارة علاء عبد الهادي.

من ناحيتها، ترى الكاتبة، ابتهال الشايب، أن "اتحاد كتّاب مصر" مليء بالشلل والخلافات، وأصبح كياناً مغلقاً على ذاته، طارداً للكتّاب، فهو لا يملك دوراً واضحاً في دعم الكاتب والاهتمام به، ما أدى إلى ابتعاد المثقفين عنه بعد إخفاقه في دوره النقابي والمهني، مضيفة "أما بخصوص الوديعة، فلن ننال منها شيئاً طالما علاء عبد الهادي يقبض على رئاسة الاتحاد".

عبد الهادي: حملات تشويه ونلتزم بالقانون

  • علاء عبد الهادي: كل ما يثار حول الأزمات وسوء الإدارة والتجاوزات المالية حملات تشويه منظمة
    علاء عبد الهادي: كل ما يُثار حول الأزمات وسوء الإدارة والتجاوزات المالية حملات تشويه منظمة

كل ما يُقال عن "اتحاد كتّاب مصر" ورئيسه شائعات لا أكثر. هكذا يدافع الشاعر، علاء عبد الهادي، عن إدارته للاتحاد وعن نفسه، معتبراً أن "ما يُثار حول تلك الأزمات وسوء الإدارة والتجاوزات المالية والقانونية حملات تشويه منظمة تهدف إلى إضعاف دور الاتحاد والنيل من الإنجازات التي تحققت أمام التحديات الثقافية التي تواجه الدولة المصرية". 

ويؤكد في تصريح خاص بــ "الميادين الثقافية"، أن "مجلس الإدارة لم يألُ جهداً في تقديم حلول لأزمات الأعضاء ويعمل على تعزيز الشفافية، ولا يزال محتفظاً بقوته ودوره كمنبر للثقافة المصرية".

ويضيف عبد الهادي: "لقد ارتفع الرصيد المالي للاتحاد خلال سنوات رئاستي من 8 ملايين جنيه في عام 2015 إلى 37 مليوناً في 2024، وهو يعيش عصراً ذهبياً من تاريخه الثقافي".

وحول وديعة حاكم الشارقة يؤكد رئيس "اتحاد كتّاب مصر" بأنه "بعد الاتفاق مع الشيخ سلطان القاسمي، أُدخل المبلغ كرصيد في الحساب البنكي للاتحاد واستثماره في شهادة ثلاثية، وفق قرار الجمعية العمومية وصحيح القانون، وتحويل الرصيد من ودائع بفائدة سنوية تراوح بين 7% و9% إلى ودائع بنسبة 16% ثم 20.25% سنوياً، ما عزز الموقف المالي له، ورفع قيمة صندوق المعاشات والإعانات حوالى 20 مليوناً مصرياً بإجمالي 42 مليوناً عام 2024، وغيرها من الإنجازات غير المسبوقة".

 

اخترنا لك