عظماء في صناعة التاريخ: عبقرية الشعوب تتجه شرقاً

يكشف "جورج حجار" أنه بعد وفاة الرئيس روزفلت تصارعت في أميركا رؤيتان في مجال العلاقات الدولية؛ الأولى لاستمرارية الشراكة الأميركية – السوفياتية، والثانية قدّمها هنري لوس باسم شارع المال والمنظومة الحاكمة التي انتصرت وأسمته "القرن الأميركي".

  • رجال عظماء في صناعة التاريخ يستحضر الحربين الأولى والثانية والقرنين معاً
    "رجال عظماء في صناعة التاريخ: عبقرية الشعوب تتجه شرقاً" لجورج حجار

كتاب "رجال عظماء في صناعة التاريخ"، مطالعة تاريخية تختصر القرنين العشرين والواحد والعشرين وما صنعه القادة من أحداث منذ الحرب العالمية الأولى، انطلاقاً من ألمانيا النازية ودهاء ستالين وألاعيب تشرشل والإمبريالية الأميركية إلى الصين الصاعدة، والمتعرّجات التي مرّ بها العالم منذ قرن ونيف حتى طوفان الأقصى ووقفة المقاومة بقيادة السيد نصر الله في لبنان، لكنّ السردية التاريخية بدايتها من ألمانيا التي سلّمت زمام أمورها الى هتلر بعد الهزيمة في الحرب العالمية الأولى عام 1918 معتقداً المؤلف د. جورج حجار أنّ عبقرية الشعوب تتجه شرقاً.

كتاب "رجال عظماء في صناعة التاريخ" للمؤلف الدكتور جورج حجار، صادر عن "دار الفارابي" بيروت لبنان عام 2025، يقع الكتاب في 400 صفحة من القطع الكبير.  

هتلر على عرش ألمانيا

كتاب "رجال عظماء في صناعة التاريخ"، ينطلق من ألمانيا المهزومة التي ترزح تحت وطأة معاهدة فرساي (28 حزيران/ يونيو 1918) وتعويضاتها المنهكة، لكنّ تحالف هتلر مع الجنرال إريك لدندورف الذي انتصر في جميع معاركه وخذله السياسيون الذين وقّعوا صكّ الاستسلام حيت قام الثنائي بما سُمّي تاريخياً انقلاب هتلر 8-9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1923، لكنّ الجيش سحقها وسجن هتلر الذي كتب أيقونته التاريخية "كفاحي"، وعندما خرج من السجن وقرّر اعتماد البرلمانية للوصول إلى السلطة والفوز في الانتخابات وكلّف بالمستشارية الذي عيّن فيها في 30 كانون الثاني/ يناير 1933، ومن ثمّ انتُخِبَ ديمقراطياً وتسلّم السلطة من دون منافس معلناً تأسيس تاريخ ثالث يدوم ألف عام!!!

رحّبت القوى الغربية في ألمانيا الجديدة بقيادة أميركا التي كانت تعيش تداعيات زلزال 1929 وإفلاس الرأسمالية، وبما أنّ الكونغرس رفض التصديق على معاهدة فرساي اقتنص الرئيس الأميركي ويلسون الفرصة لمساعد الجمهورية الجديدة بما استطاع من السلاح والمال، وفي 1933 شرعت المصارف الأميركية اليهودية ورأسماليّوها مع مصانع الأسلحة والصناعات الثقيلة بفتح مخازنها لألمانيا وتمويلها لإعادة تسليحها لاستنهاض الداخل الأميركي، ولمواجهة ومعاداة الاتحاد السوفياتي الذي استولى فيه البلاشفة على الحكم في موسكو. والمفارقة أنّ مصطفى كمال أتاتورك أسس الجمهورية التركية كدولة قومية حديثة وقسّمت الإمبراطورية بين بريطانيا وفرنسا ووُضعت تحت الانتداب، وكان الغرب قد اكتشف للمرة الأولى ستالين شخصاً متسلّحاً بالدهاء والذكاء في مؤتمر طهران ويالطا، وقدّمه الرئيس روزفلت (لستالين) إلى تشرشل برجل الثقة والموثوقية والتقدير والاحترام؟ كاشفاً (روزفلت) أنّ الغرب كان قد خسر الحرب من دون تدخّل روسيا لحماية الغرب ومصالحه، علماً أنّ ستالين طالب بتغييرات جذرية في شرق أوروبا، وأهمها عودة بولندا إلى الحضن السوفياتي وطرح كلّ من روزفلت وتشرشل تصوّره إلى ما بعد الحرب، لكن ستالين طلب للمرة المليون بفتح جبهة في الغرب وكان روزفلت يوافق وتشرشل يراوغ لأنّ همّه كان حماية الإمبراطورية البريطانية وليس هزيمة هتلر فحسب، انتهى المؤتمر بظهور (الشراكة) الأميركية الروسية وتوطيدها.

التحدّيات المقبلة والاختبار

يكشف المؤلف د. جورج حجار، أنه بعد وفاة الرئيس روزفلت تصارعت في أميركا رؤيتان في مجال العلاقات الدولية؛ الأولى لاستمرارية الشراكة الأميركية – السوفياتية، والثانية قدّمها هنري لوس باسم شارع المال والمنظومة الحاكمة التي انتصرت ودعته "القرن الأميركي" من أجل عالم تهيمن فيه أميركا وتنشر رأسماليّتها "الليبرالية". لكنّ الاختبار الأول في الصراع حصل عندما ألغى الرئيس ترومن قانون الإعارة والتأجير مع الاتحاد السوفياتي، وطرح تشرشل إسقاط "الستار الحديدي" عن أوروبا للفصل بين الشرق الشيوعي والغرب الديمقراطي وإعلان الحرب الباردة. الاختبار الثاني جاء كمفاجأة لترومن وتُرجم كتخلٍ لبريطانيا عن حماية اليونان حيث كان الحزب الشيوعي على وشك الاستيلاء على السلطة.

مبدأ ترومن والاعتراف بـ "إسرائيل"

يروي المؤلف، عندما بلور الرئيس ترومن مشروعه لمحاربة الشيوعية وفّر منصة للدعاية الأميركية وقاعدة للتمدّد إلى المشرق العربي، الاعتراف الأميركي الفوري بالكيان الصهيوني بعد عدة دقائق على إعلانه في 15 أيار/ مايو 1948 حيت تراجعت بريطانيا عن مسؤولياتها وتقدّمت أميركا للاستيلاء التدريجي على منطقة الشرق الأوسط حتى استولت على دول النفط وتعهّدت بحماية "إسرائيل" من دون منازع، وأخذت تمارس السلطة والأحادية القطبية الأميركية للإمساك بقيادة الغرب عسكرياً سياسياً واقتصادياً، وكانت أميركا قد اعتبرت أنها قد حرّرت أوروبا من النازية والفاشية، ومن حقّها البقاء الدائم لجيوشها عوضاً عن الانسحاب والعودة إلى ما وراء المحيط، لذا قرّرت قيام الحلف الأطلسي (NATO) في 4 نيسان/ أبريل 1949، لحماية مكاسبها وتعزيز احتلالها لأوروبا ونشر الديمقراطية والقيم الكونية؟ وتسويق كذبة في أنّ الاتحاد السوفياتي يستطيع احتلال أوروبا خلال 48 ساعة في غياب الجيوش الأميركية عن المنطقة؟، علماً أنّ الاتحاد السوفياتي كان منهمكاً في إعادة الإعمار والتخلّص من الدمار العامّ، وكان السوفيات قد فقدوا 27 مليون شهيد في محاربة النازية والفاشية، لكنّ الخطر الأحمر "الذي ابتدعته أميركا حسم أمر احتلالها لأوروبا ونبذ سياسة الانكفاء والعودة إلى الديار الأميركية.

القنبلة النووية السوفياتية

كتاب "رجال عظماء في صناعة التاريخ"، يشير إلى أنّ الحدث الأهمّ الذي زعزع العالم عام 1949، هو تفجير الاتحاد السوفياتي للقنبلة النووية في 29 آب/ أغسطس الذي أسقط الأحادية القطبية الأميركية وفرض احترامه على العالم بعدما كان الغرب وعلى رأسه أميركا ينظرون بازدراء إلى العقل البروليتاري المتخلّف والمتحجّر. 

إزاء تلك التحوّلات الكبرى جاء إعلان الثورة الصينية كقطب آسيوي يتحدّى جبروت الغرب ثمّ أزمة الصواريخ مع الاتحاد السوفياتي وسياسة الاحتواء التي وقعت في تشرين الأول/أكتوبر 1962 هي: أنّ الولايات المتحدة بقيادة وكالة الاستخبارات الأميركية CIA نظّمت محاولة لإسقاط الرئيس كاسترو في معركة خليج الخنازير (نيسان/أبريل 1961) وفشلت في تحقيق المهمة، وقرّر الرئيس الروسي نيكيتا خروتشوف تحدّي أميركا في كوبا وبعد التهديدات توصّل الروسي والأميركي إلى تسوية مفادها تخلّي أميركا عن إسقاط النظام مقابل سحب الصواريخ من الجزيرة. 

وهكذا توطدت قيادة كاسترو مع تشي غيفارا الثائر الأممي الذي استشهد دفاعاً عن فقراء العالم! ووفقاً لهذا أعلنت أميركا: "نحن في مرحلة نهاية ما بعد الحرب الباردة – المهمة هي إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، وتالياً سنواجه الصين ونتفرّد بها هكذا بكلّ غطرسة واستخفاف. وقد اعتبرت أميركا أنّ "الصين العدو القومي لأميركا" وتوصّلت إلى توصيفها في استراتيجية الأمن القومي (تشرين الأول/ أكتوبر 2023) إلى "شريك منافس" يمكن التعامل معه، وروسيا إلى خطر محدق يجب مواجهته.

الصين ونظرية التعاون والفوز المشترك

في 28 أيلول/ سبتمبر 2015، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ نظريته تحت عنوان "إنشاء شراكة التعاون والفوز المشترك معاً، وتشكيل رابطة المصير المشترك للبشرية بقلب واحد" في الجمعية العامّة السبعين للأمم المتحدة، مفسّراً كيفية إنشاء نمط جديد للعلاقات الدولية يتخذ التعاون والفوز المشترك نواة له وتشكيل رابطة المصير المشترك للبشرية، من النواحي الخمس وهي شراكة المعاملة على قدم المساواة والتشاور والتفاهم المتبادل والنمط الأمني المتّسم بالإنصاف والعدالة والإنشاء المشترك والاستفادة ومستقبل التطوّر المتّصف بالانفتاح والابتكار والشمولية والمنفعة المتبادلة والتبادل الحضاري المتميّز مع وجود التباين والتسامح والمنظومة الإيكولوجية المتّسمة باحترام الطبيعة والتنمية الخضراء، واضطلاع دولة كبيرة بالمسؤولية هذا ما أظهرته الصين أمام العالم.

كتاب "رجال عظماء في صناعة التاريخ"، يكشف أنّ تلك الدول حكمت أو تحكّمت بالبشر والشعوب بالحديد والنار باسم الحضارة المتقدّمة والمسيحيّة المتحضّرة بينما كانت تمارس الإبادة والاستعباد لتحقيق أمجادها، واليوم تبيعنا السيادة الفاسدة والديمقراطية المنفلتة من عقالها وتزدري باسم التفوّق الخُلُقي والأخلاقي والحضاري وتدعم الهمجية والاستبداد في بلادنا لإنقاذ الصهيونية المتغطرسة وإعادة تكريس الحملة الصليبية، وهكذا فإنّ أميركا وأوروبا وحلفاءهما من آسيويين وعرب يحتمون بالحلف الأطلسي الذي امتهن الجريمة، علماً أنّ أميركا التي شنّت 247 حرباً في تاريخها إمّا مباشرة أو بالإنابة وعمر هذه الدولة 257 عاماً فقط، وصناعة أميركا الحقيقية هي صناعة الحروب كأيّ صناعة، لكنّ صناعة الحرب أكثر ربحاً ومعقلاً للعولمة والهيمنة والغطرسة الأميركية من دون منازع.

اخترنا لك