عتاب - عتبة - عتيبة

اشتقّت العرب من العِتاب والعتب أسماء منها: عُتُبة، وهو اسم مشترك بين الرجال والنساء، وعُتَيبة تصغير عُتبة، ومُعتِّب.

صحائفُ عندي لِلعِتابِ طَوَيتُها
سَتُنشَرُ يَوماً والعِتابُ يطولُ
عِتابٌ لَعَمْري لا بَنانٌ تَخُطُّهُ
ولَيسَ يُؤدّيهِ إليكِ رسولُ
سأسكُتُ ما لم يجمعِ اللهُ بَينَنا
فَإنْ نَلتَقِ يَوماً فَسوفَ أقولُ

هذه الأبيات من أجمل ما قيل في العِتاب بين الأحِبّة، حيث يحرص المحِبُّ العاتِبُ على أن لا يُطلع أحداً من رسول أو صديق أو عَذول على عتبه على مَن يحبّ، رغم أن ما عنده من العتاب يملأ صفحات، ولذلك فهو يؤثر السكوت إلى أن يلتقي الحبيبة فيفضي لها بما عنده من عتاب بلطف ومودّة، كما ينبغي أن يكون العتاب بين المحبّين.

صاحب هذا العتاب الرقيق هو أبو الفضل العبّاس بن الأحنف (750 - 809) من شعراء الدولة العباسية. ولِد في البصرة ونشأ في بغداد في ظل النعمة والثراء. اتصل بهارون الرشيد ونال عنده حُظوة. لم يتكسّب بشعره وأكثره في الغزل والنسيب والوصف، ولم يتجاوز ذلك إلى المدح والهجاء.

قال أبو الفرج الأصفهاني (897 - 967) في كتاب "الأغاني"، إن ابن الأحنف "كان شاعراً غزِلاً مطبوعاً، وله مذهب حسن، ولديباجة شعره رَونق ولمعانيه عذوبة ولطف".

وقال أبو العباس المبرَّد، أحد علماء النحو والبلاغة والنقد الأدبي، (826 - 898): "كان العباس من الظُرفاء ولم يكن من الخُلعاء وكان غزِلاً ولم يكن فاسقاً، وكان حلواً مقبولاً، غزير الفكر واسع الكلام كثير التصرّف في الغزل وحده، ولم يكن هجّاء ولا مدّاحاً".

والعتاب الذي لن يأتي على ذكره الشاعر ما لم يكن مع حبيبته على انفراد، دليل على ما يتصف به من الرهافة والرقة. وذلك أن العِتاب هو اللوم بلطف ومودّة وبإدلالٍ على المَلوم بثقة اللائم به ومحبّته له. وأجمل العتاب ما كان بين الأحبّة حتى أن الحُبّ يزداد بالعتاب، كما يقول هذا الشاعر في مكان آخر:

كلَّ يومٍ لنا عِتابٌ جديدُ
وهَوانا على العِتابِ يزيدُ
كلُّ حُبٍّ يَبيدُ يوماً فَيفنى
وهَوانا وهجرُنا لا يَبيدُ

والعِتاب بين الأصدقاء مدعاة لدوام الصداقة والمودّة كما يقول الشاعر العباسي، عليّ بن الجَهم، (803 - 863):

أُعاتِبُ ذا الموَدّةِ مِن صديقٍ
إذا ما رابَني منهُ اجتِنابُ
إذا ذهبَ العِتابُ فلَيسَ وُدٌّ
ويبقى الوُدُّ ما بَقِيَ العِتابُ

ومن العِتاب اشتُقّ اسم العلم المؤنّث عِتاب وأسماء أخرى سنأتي على ذكرها. والعتاب اسم ومصدر للفعل عتب. يقال: عتبَ عليه، يعتُب ويعتِب، عَتْباً وعِتاباً، إذا لامه برفق على قيامه بعمل أو عدم قيامه به، واسترضاه، واسم الفاعل عاتِب، والمفعول معتوب عليه. وعاتبه مُعاتبة وعِتاباً، فهو مُعاتِب، والمفعول مُعاتَب. وتعاتب الصديقان: لامَ كل منهما الآخر برفق.

وفرّق أهل اللغة بين العِتاب واللوم فقالوا: العِتاب هو الخطاب الذي يحمل ملامةً بسبب ضياع المودّة والصداقة والإخلال بالعهد، أما اللوم فهو توبيخٌ وتهجين طريقة الفاعل لتعريفه بخطئه والضرر الذي وقع بسبب تصرّفه.

والعتاب واللوم غرضان شعريان حيث يلجأ الشاعر إلى العتاب لموقف معيّن تعرّض له، مثل غدر شخص ما أو تخلّي صديق عن صديقه فيكون الغرض منه إظهار الملامة بعد فتور وقطيعة. ولا يقتصر العتاب على الأحبّة أو الأصحاب و ربما عاتب الشعراء الزمن على ما كان من تقلُّب صروفه بهم. من هؤلاء الشاعر الأندلسي، عبد الجبّار بن حمديس، (1056 - 1133) حيث يقول:

ألا كم تُسمِعُ الزمنَ العِتابا
تّخاطِبُهُ ولا يدري الخِطابا
أتطمعُ أن يردَّ عليكَ إلْفاً
ويُبقي ما حَيِيتَ لكَ الشبابا؟

وهذا عبد الله بن المعتَزّ (861 - 908) يعلن يأسه من أن تحبّه الفتيات الجميلات وقد تقدّم في العُمر وشاب شعره فيقول:

تولّى العُمرُ وانقطعَ العِتابُ
ولاحَ الشيبُ وافتُضحَ الخِضابُ
لقد أبغضتُ نفسي في مَشيبي
فكيفَ تُحِبّني الخودُ الكَعابُ

واشتقّت العرب من العِتاب والعتب أسماء منها: عُتُبة، وهو اسم مشترك بين الرجال والنساء، وعُتَيبة تصغير عُتبة، ومُعتِّب. وكلها تعود إلى أصل يدلّ على الأمر فيه بعض الصعوبة من كلام أو غيره. من ذلك العتاب أو العتْب لأن فيه شيء من المَوجِدة أو الغضب الخفيف، كما يقول ابن فارس (941 - 1004) في معجم "مقاييس اللغة".

ومن ذلك العَتَبة، عتَبة الباب، لارتفاعها عن المكان المنخفض السهل. ومن أسمائهم عتّاب بصيغة المبالغة وهو الكثير العتب. وبنو عتّاب فرع من قبيلة تغلِب. وعتّابة بتاء المبالغة ويغلب عليه التأنيث في هذه الحالة. وعُتَيب تصغير عَتْب. وعُتَيبة تصغير عُتْبة. وعُتْبة اسم مشترك بين الذكور والإناث. وكان شُوَيعِر يدعى عُتبة يتحرّش بالشاعر العباسي الكبير أبي تمّام (803 - 845) فيهجوه فيشتهر بذلك، فكان أبو تمّام يتجاهله إلى أن ضاق به ذَرعاً فقال:

نُبّئتُ عُتبَةَ شاعرَ الغَوغاءِ
قد ضجّ من عَودي ومن إبدائي
لمّا غضبتُ على القريضِ هجَوتُه
وجعلتُ خِلقتَهُ هِجاءَ هِجائي

وكان الشاعر المعروف بأبي العَتاهِيَة (748 - 828) يهوى جارية للخَيزُران والدة هارون الرشيد تُدعى عُتْبَة وفيها يقول:

باللهِ يا حُلوَةَ العَينَينِ زوريني
قبلَ المَماتِ وإلّا فاستَزيريني
هذانِ أمرانِ فاختاري أحبَّهما
إليكِ أو لا فداعي الموتِ يدعوني
يا عُتْبَ ما أنتِ إلّا بِدعةٌ خُلِقَت
مِن غَيرِ طينٍ وخَلقُ الناسِ مِن طينِ