طعّان

الطعّان صيغة مبالغة للطاعن، أي الكثير الطعن. وهذه ميزة المحارب الشجاع ودليل القوة والبأس في القتال.

قضَى اللهُ يا كافورُ أنّكَ أوّلٌ
وليسَ بِقاضٍ أن يُرى لكَ ثانِ
فما لكَ تختارُ القِسِيَّ وإنّما
عَنِ السَّعدِ يَرمي دونَكَ الثقَلانِ
وما لكَ تُعنَى بِالأسِنّةِ والقَنا
وجَدُّكَ طَعّانٌ بِغَيرِ سِنانِ

هذه الأبيات من قصيدة لأبي الطيّب المتنبّي (915 - 965) في مدح كافور الإخشيدي حاكم مصر، الذي قصده بعد الجفاء الذي وقع بينه وبين أمير حلب، سيف الدولة الحمداني. وكان الشاعر يطمع في أن يُغدق عليه كافور الأموال والجوائز ويمنحه ولاية بعض الأقاليم، فلما لم ينل من ذلك شيئاً هرب من مصر وهجا كافوراً أقذع هجاء في قصائد ما زالت تُحفظ وتُردّد عبر الأجيال.

والحق أن المتنبّي كان في هجاء كافور أصدق عاطفة وأبلغ عبارة منه في مدحه وإن بالغ فيه أحياناً. وقد كان في مدحه كافوراً نوع من الهجاء لم يفطن له الممدوح الذي لا يعرف من اللغة العربية إلا اللهجة المحكية، لأنه كان عبداً حبشياً أسود اشتراه الإخشيدي ملك مصر وأعتقه فنسِب إليه وترقّى عنده وأصبح رابع حكام الدولة الإخشيدية في مصر والشام. 

الأبيات أعلاه تنتمي إلى ذلك النوع من المدح الذي هو أقرب إلى الهجاء لأنها لا تُضفي على كافور أي صفة من صفات القائد الذي يقهر أعداءه بالفطنة وحسن التدبير وتهيئة السلاح من أسنّة ورماح وأقواس وتدريب الجنود على القتال، فهو لا يحتاج إلى شيء من ذلك، وإنما هذه مشيئة الله التي قضت بأن يكون أولاً في كل شيء وليس له ثان. وهو لا يحتاج في المعركة إلى الرمي بالسهام لأن الثقلين، الإنس والجنّ، يتولّيان ذلك عنه، وكذلك يفعل جَدُّه، أي حظّه، الذي يطعن به الأعداء من دون سلاح. وذلك قوله: 

وما لكَ تُعنى بالأسِنّة والقَنا
وجَدُّكَ طعّانٌ بِغَيرِ سِنانِ

لقد وصف الشاعر حظّ كافور بأنه طعّان أي كثير الطعن وهذه صفة مبالغة من قولهم: طعنه بالرمح ونحوه، يطعنه، طعناً، إذا وخزه أو ضربه به، فهو طاعِن والآخر مطعون. والطعّان صيغة مبالغة للطاعن، أي الكثير الطعن. وهذه ميزة المحارب الشجاع ودليل القوة والبأس في القتال. والطعّان هو الكثير الطعن بالرمح ونحوه. ويستعار فيقال فلان طعّان في أعراض الناس أي كثير الافتراء عليهم شتّام لهم. واسم العلم المذكّر طعّان مأخوذ من صفة الفارس الشجاع الكثير الطعن في العدوّ بوجه خاص. وطعنَ في الشخص: عابه وذمّه. وطعن في صلاحيته. وطعن في حكم قضائي: اعترض عليه وطلب تبديله.

والطِعان والمطاعَنة تبادُل الطعن. وقد طاعَن فُلانٌ فُلاناً، يطاعنه طِعاناً ومُطاعنةً، إذا طعن كل منهما الآخر. وأما المتنبي المشهور بالكبرياء والشجاعة والطموح فيقول:

أُطاعِنُ خَيلاً مِن فوارسِها الدهرُ
وحيداً وما قولي كذا ومعي الصبرُ
وأشجعُ مني كلَّ يومٍ سلامتي
وما ثَبَتَتْ إلّا وفي نفسِها أمرُ
تمرّستُ بالآفاتِ حتّى تركتُها
تقولُ أماتَ الموتُ أم ذُعِرَ الذُّعرُ

ويوم الطِعان: يوم المعركة. وهو ما لا يرغب فيه أبو نُواس (763 - 814) شاعر الخمر والمجون في العصر العباسي، ويفضّل عليه يوماً آخر يصفه حيث يقول:

عِناقُ الغانِياتِ ألذُّ عندي
وأشهى مِن مُعانقةِ السِّنانِ
ويومٌ عندَ ندمانٍ كريمٍ
يُجاوِبُ فيه أوتارَ القِيانِ
يُواتيني النديمُ على التصابي
ألذُّ إليَّ مِن يَومِ الطِعانِ