طالب رساموها بإنهاء العنف.. 10 لوحات تناولت الحرب وأهوالها
شكلت الحرب موضوعاً أثار اهتمام الفنانين عبر التاريخ. إليكم 10 لوحات عالمية تناولت ثيمة الحرب وأهوالها.
يُعَدّ موضوع الحرب من أكثر الموضوعات التي أثارت اهتمام الفنانين عبر التاريخ، لأنه يحمل في طياته عدداً من الرموز والمشاعر والتأثيرات المباشرة في الإنسان والمجتمع. في عصر النهضة، كانت الحرب حاضرة بقوة في الفن الأوروبي، وخصوصاً في اللوحات التي تُصوِّر المعارك الملحمية. كان الهدف من هذه اللوحات سرد الأحداث وإبراز الشخصيات والبطولات العسكرية.
لكن، مع مرور الزمن، بدأ الفنانون ينتقدون الحرب ويعبّرون عن تعاطفهم مع ضحاياها من المدنيين. ظهر هذا الاتجاه الفنيّ في أواخر القرن الــ 18 وأوائل القرن الــ 19، عندما شهد العالم حروباً واسعة النطاق.
أما في القرن العشرين، فأصبح الفنانون، وخصوصاً أولئك الذين عاشوا أهوال الحربين العالميتين الأولى والثانية، "رُسُلاً للسّلام"، واستخدموا فنهم للتأثير في الرأي العام والمطالبة بإنهاء العنف.
في هذا المقال، سنعرض 10 من أشهر اللوحات الفنية، التي تناولت ثيمة الحرب، بأسلوبها الخاص، وعكست نتائجها الوخيمة على البشر والحجر وجميع جوانب الحياة. إنها لوحات تمثّل حِقَباً تاريخية وثقافية وسياسية متعددة، وتعبّر عن مشاعر ورؤى متنوعة لمجموعة من الفنانين العظماء، الذين شهدوا الحروب، أو تأثروا بها.
**
"عواقب الحرب" لبيتر بول روبنز (1637)
استخدم الفنان الألماني بيتر بول روبنز (1618 - 1648) الأساطير القديمة لتصوير مأساة الصراعات البشرية في لوحته الشهيرة "عواقب الحرب" (معروفة أيضاً بشرور الحرب، أو أهوال الحرب، the consequences of war).
رسم روبنز هذه اللوحة في الفترة بين عامي 1637 و1638 خلال عمله كديبلوماسي في أثناء حرب الأعوام الثلاثين التي مزّقت أوروبا.
يتميّز هذا العمل الفنيّ بديناميكيته غير العادية، ووضعية الشخصيات المُعقدة وسيولة ضربات الفرشاة على القماش، الأمر الذي ينمُّ عن تأثر واضح بالفن الإيطالي العائد إلى فترة عصر النهضة. اللوحة محفوظة في معرض بالاتينا في فلورنسا.
في وسط اللوحة، يقف إله الحرب "مارس" مُسلحاً بدرعِ وسيفٍ دموي. في الخلفية، إلى اليسار، تبدو أبواب "معبد يانوس" التي تُفتح فقط في أوقات الحرب.
وتُظهر اللوحة "ألكتو الغاضب" حاملاً شعلته، التي ترمز إلى التعنت ويسحب "مارس" دافعاً إياه إلى القتال. أما "فينوس"، إلهة الجمال و"كيوبيد" إله الحب، فيقفان إلى يسار إله الحرب ويُحاولان عبثاً إعاقته. إلى يسار فينوس نرى إمرأة يائسة يسحقها الألم، وهي ترتدي ثياب حداد ممزقة وترفع عينيها وذراعيها إلى السماء، كأنها تطلب العون الإلهي.
هذه المرأة تُجسِّد أوروبا ومعاناتها، في حين يحمل الطفل إلى جانبها كرة أرضية يعلوها الصليب رمز المسيحية. في أسفل اليسار نرى رمزي السلام، الصولجان وغصن زيتون، مرميين على الأرض. أما في أسفل اليمين، فتوجد تجسيداً لرموز الحكمة والوئام والخصوبة والرحمة والإبداع، وقد قُمعت في أثناء الحرب.
في طريق المعركة، يدوس مارس الكتب، ويُدمِّر جميع أشكال التعبير، فكرياً وفنياً، مثل الموسيقى والهندسة المعمارية، التي تُجسّدها على التوالي المرأة (وعودها المكسور) والرجل الملقى على الأرض أسفل اليمين (وآلاته).
الرسالة التي تريد اللوحة إيصالها هي أنه حتى الحبّ لا يستطيع أن يمنع وحشية الحرب، ويحول دون غرق أوروبا في الحداد على أبنائها. على الرغم من سوداوية الفكرة، فإن روبنز نجح في رسم هذا الموضوع المأسوي بروح عملاقة، كما يتضح من الانسجام اللوني المثالي للصورة.
"الثالث من مايو" لفرانسيسكو دي غويا (1814)
"تريس دي مايو" أو "الثالث من مايو "، هي لوحة شهيرة للرسّام الإسباني فرانسيسكو دي غويا. أنجزت هذه اللوحة عام 1814 وهي محفوظة في متحف برادو في مدريد. خلال الأحداث التي رافقت حركة الاستقلال الإسبانية، ثار عدد من أفراد الشعب الإسباني المعارض للوجود الأجنبي في بلاده ضد المحتل الفرنسي. في 3 أيار/مايو عام 1808، قام الفرنسيون، بقيادة الجنرال جواكيم موراتا، بقمع الثوار وإعدام 400 من الثوار في مدينة مدريد.
تتباين هذه اللوحة عن التمثيلات التقليدية للحرب التي تم تصويرها في الفن الغربي، وتُعرف بأنها إحدى أهم اللوحات التي تُجسّد الفن الملتزم في العصر الحديث.
ووفقاً لمؤرخ الفن كينيث كلارك، فإن "تريس دي مايو" هي "أول لوحة رئيسة يمكن وصفها بأنها ثورية بكلّ معنى الكلمة، سواء في أسلوبها الرومنسي أو في موضوعها وهدفها".
وتُصوِّر اللوحة إعدام المدنيين الإسبان من جانب الجنود الفرنسيين المنتصرين. ويبدو الجنود في اللوحة وهم يُطلقون النار، وامتزج زيهم الداكن بالمشهد الليلي، ولا تظهر وجوههم على الإطلاق، اتلأمر الذي يُبرز قسوة أفعالهم ووحشيتها.
على النقيض من ذلك، يبدو المحكومون بالإعدام مغمورين بالضوء الساطع. بعض المتمردين سقط قتيلاً بالفعل على الأرض غارقاً في بركة من الدماء، في حين أنّ المحكومين الآخرين يُخفون وجوههم بأيديهم مُعبّرين عن خوفهم ويأسهم وعدم رغبتهم في رؤية مشهد إعدام رفاقهم.
أما الشخصية المركزية في اللوحة فتبدو مضاءة بقوّة باللون الأصفر بفضل الفانوس الموضوع على الأرض، وهي تُمثّل رجلاً يرتدي قميصاً أبيض وسروالًا فاتح اللون، في حين أنّ ذراعيه المفتوحتين كعلامة على الاستسلام، تُذكِّران بشكل رمزي بوضعية السيد المسيح على الصليب، الأمر الذي يثير الشفقة والتعاطف لدى المشاهد.
يُقدّم غويا في لوحته المحكومين كضحايا للظلم والاضطهاد، ويقارن تضحياتهم بتضحيات الشهداء المسيحيين. تتعزّز هذه الفكرة بسبب وجود راهب يُصلّي بينهم وظهور كنيسة في الخلفية.
"تجلي الحرب" لفاسيلي فاسيليفتش (1871)
كان الفنان الروسي فاسيلي فاسيليفيتش فيريشاجين (1842 - 1904) معروفاً بلوحاته البالغة القسوة، والتي أراد من خلالها إبراز أهوال الحرب. كان فيريشاجين يعتقد أنّ الحرب لا يمكن أن تؤدي إلا إلى نفي الإنسانية واندثارها.
تُعَدّ لوحة "تجلي الحرب The Apotheosis of War" واحدة من أشهر لوحاته، ورسمها في عام 1871، بعد أن سافر إلى آسيا الوسطى مع الجيش الإمبراطوري الروسي، الذي كان يحارب الشعوب المحلية ويستعمرها.
تُظهر اللوحة مشهداً مروّعاً ومقفراً، بحيث نرى هرماً من جماجم بشرية، محاطاً بالغربان، على خلفية حزينة من الأطلال والأشجار المحترقة. كل تفاصيل اللوحة، بما فيها الألوان الصفراء، ترمز إلى الموت والخراب.
ويؤكد الرسّام فكرة الهلاك، التي تُعبّر عنها اللوحة القماشية من خلال الندوب التي خلفتها ضربات السيوف، بالإضافة إلى ثقوب الأسهم في الجماجم المتراكمة.
استوحى الفنان اللوحة من أسطورة تيمورلنك، الفاتح المغولي، والذي كان يقوم ببناء أهرامات من رؤوس أعدائه المقطوعة. في إطار اللوحة، كتب فيريشاجين: "مهداة إلى جميع الفاتحين العظماء القدامى والحاليين والمقبلين".
هذه الجملة الساخرة والمستفزة تنتقد الطموحات والعنف الذي يمارسه الأقوياء. تُعَدّ اللوحة رمزاً للسلام الروسي، على الرغم من أن الفنان لم يكن داعية سلام، لكنه أراد أن يًظهر حقيقة الحرب، من دون تمجيدها أو إدانتها.
عُرضت هذه اللوحة في عدّة بلدان، وأثارت ردود فعل متباينة تتراوح بين الإعجاب والاشمئزاز.
"الجندي والموت" لهانز لاروين (1917)
قام الرسام النمساوي هانز لاروين (1873 - 1938) برسم لوحة "الجندي والموت soldier and death" في عام 1917، خلال الحرب العالمية الأولى، التي شهدها بصفته الرسّام الرسمي للجيش النمساوي المجري.
اللوحة، التي تنتمي إلى مجموعة "متحف التاريخ العسكري في فيينا"، استطاع لاروين من خلالها أن يلتقط ببراعة الفنان وإحساسه الحقيقة الوحشية للحرب، بحيث أظهر جندياً في الخنادق متمترساً خلف حائط ومشغولاً بالدفاع عن نفسه.
لكن الموت المخيف الذي يعرف حقيقة ما سيحدث بعد قليل يضع ذراعيه حول الرجل استعداداً ربّما لأخذه بعيداً إلى العالم الآخر.
وتُخيّم على اللوحة الألوان المظلمة الكئيبة والألوان الزيتية والبنّية، ويبدو الضوء مُسلطاً بصورة خاصة على شخصية الموت الذي يتنكر في ثياب عسكرية، ويحاول مساعدة الجندي من خلال الضغط على الزناد. العنصر الأكثر دلالة في اللوحة هو البندقية غير المستخدمة والمرمية على الارض، والتي ترمز إلى أنّ هناك جندياً سقط بالفعل في المعارك الدائرة.
"طريق مينين" لبول ناش (1920)
لوحة "طريق مينين The Menin road" عمل فنيّ مميّز للرسام البريطاني بول ناش (1889-1946). وهي تنتمي إلى مجموعة "متحف الحرب الإمبراطوري" في لندن، وعُرضت أمام الجمهور لأول مرة عام 1920.
تبلغ أبعادها 182 × 317 سم، وهي مرسومة بتقنية الزيت على القماش، وتُعَدّ من روائع الفن الحربي البريطاني. يُصوّر الرسّام ببراعة المناظر الطبيعية التي دمّرتها الحرب العالمية الأولى، بالقرب من مدينة إيبرس البلجيكية.
وتُعبّر اللوحة عن الإحساس بالخراب والرعب والمأساة، التي عاشها ناش كشاهد ومقاتل في الحرب.
ويعرض هذا العمل الإبداعي مشهداً لبؤر القذائف والخنادق التي غمرتها المياه، بالإضافة إلى جذوع الأشجار العارية التي تتجه نحو سماء مليئة بالغيوم وأعمدة الدخان الناتجة من الانفجارات. رسم ناش هذه اللوحة على 3 شرائح أفقية عريضة كي يصوّر جميع التفاصيل بدقة متناهية .
ونرى في اللوحة جنديين في الوسط محاصَرين بالمناظر الطبيعية الحزينة، وهما يسعيان لاتباع طريق لا يمكن التعرف إليه تقريباً. ويبدو الطريق الموجود في منتصف الصورة مسدوداً بسبب حفر القذائف والحطام، بينما تُعوّق الألواح المتساقطة الطريق الوحيد القابل للمشي، والذي يؤدّي إلى حافة إحدى البرك الطينية.
وتؤدي القذائف إلى ثقب الارض وإحداث حفر كبيرة في مركز الصورة، في حين يتسبّب الركام والظلال، التي تلقيها الأشجار، بتفتيت الطريق بصورة أكبر. وتمتد ساحة المعركة نحو الأفق، بحيث توجد غابة من الأشجار المتقزمة وشبه العارية إلى اليمين، و7 أنهار متعرجة إلى اليسار، وجميعها تفشل في الوصول إلى الأفق والهروب. وعدّ ناش هذه اللوحة بمنزلة أفضل أعماله.
"المصابون بالغاز" لجون سينجر سارجنت (1919)
"المصابون بالغاز gazed"، لوحة زيتية رسمها الفنان الأميركي جون سينجر سارجنت (1856-1925)، والذي عاش معظم حياته في أوروبا. تُصوِّر اللوحة آثار هجوم بغاز الخردل حدث في الحرب العالمية الأولى. وكان سارجنت زار الجبهة الغربية في تموز/يوليو 1918 وأمضى وقتاً مع فرقة الحرس بالقرب من مدينة أراس الفرنسية، ثم مع فيلق البعثة الأميركية بالقرب من مدينة إيبرس البلجيكية.
تأثر سارجنت بالمآسي التي رأها وعكس ذلك في أعماله الفنية. وتم اختيار لوحة "المصابين بالغاز" أفضل لوحة عام 1919 من جانب الأكاديمية الملكية للفنون، وهي موجودة في "متحف الحرب الإمبراطوري في لندن".
يبلغ ارتفاع اللوحة 231 سم وعرضها 611 سم. ويَظهر في الصورة صفّ من الجنود الجرحى الذين تعرضوا لهجوم بغاز الخردل يسيرون على لوح خشبي في اتجاه مركز إغاثة يقع إلى اليمين. يستحضر هذا الصف من الرجال الشقر طوال القامة صورة موكب ديني أو جنائزي.
ويبدو الجنود معصوبي الأعين، بعد أن أعماهم الغاز، في حين يعمل اثنان من الحراس على مساعدتهم على الوصول إلى هدفهم، بينما ينتشر عدد من الجنود القتلى والجرحى ممدّدين على الأرض حول المجموعة الرئيسة.
في الخلف، إلى اليمين، تقترب مجموعة مماثلة مُكوّنة من 8 جرحى وحارسين. أما في السماء، فتدور معركة جويّة بين الطائرات المتحاربة.
ونلاحظ أنّ الشمس تخلق عند الغروب ضباباً وردياً، وتغمر الشخصيات بالضوء الذهبي. في الخلفية، يبزغ القمر ويرتفع في السماء. أما في البعيد، فنلمح رجالاً، في قمصان زرقاء وحمراء، يلعبون كرة القدم غير عابئين بالمعاناة المحيطة بهم.
وتوحي اللوحة في بصيص بسيط من الأمل والخلاص حين يتمّ اقتياد الرجال إلى الخيام الطبية، لكن الانطباع العام هو الخسارة والعذاب، وهذا ما تؤكده تعبيرات وجوه الرجال الواقفين في الصف.
"الحرب" لأوتو ديكس (1932)
أوتو ديكس (1891-1969) رسام ألماني وجندي سابق شارك في الحرب العالمية الأولى متطوعاً في جبهة مدينة درسدن. بعد أن أصيب ديكس بصدمة من تجربته المريرة في الخنادق، قرر أن يشهد على أهوال الحرب، ويعبر عنها من خلال فنه.
يمكن تصنيف عمله الرئيس، "الحرب The war"، في سياق الحركة الفنية المُسمّاة "الموضوعية الجديدة".
تمثل هذه اللوحة الثلاثية، المستوحاة بقوة من لوحات مذابح عصر النهضة، المراحل المتعددة للحرب بتسلسل زمني، مع التركيز على عواقبها المدمرة. وتتميّز لوحة "الحرب" بضخامتها، إذ تبلغ مساحتها الإجمالية أكثر من 4 أمتار عرضاً، ومترين وأربعة وستين سم ارتفاعاً، وهي معروضة في "غاليري المعلمين الجدد" في مدينة درسدن الألمانية. استخدم أوتو ديكس تقنية تيمبيرا زلال البيض، وهي تقنية موروثة، وغالباً ما تُستخدم في اللوحات الدينية.
وتصوّر اللوحة اليسرى رحيل الجنود إلى الجبهة للمشاركة في القتال. اختار ديكس الالوان الرمادية الضبابية للدلالة على المصير المجهول الذي ينتظرهم.
وتُبرز اللوحة المركزية، وهي الأكثر إثارة للإعجاب، ساحة المعركة الممتلئة بكومة من الجثث، بحيث يظهر أحد الناجين وقد وضع قناعاً ضد الغاز، في حين نرى على الشجرة جثة معلقة. أما في الخلفية فتبدو مدينة مُدّمرة.
وتصوّر اللوحة اليمنى نهاية القتال، ويظهر أوتو ديكس في بورتريه شخصي وهو ينقذ رفيقاً جريحاً، بينما يبدو خلفه مشهد جحيمي. تتميز لوحة البريدلا (اللوحة السفلية) بأجساد بشرية راقدة، تُذكّر بصور التوابيت والقبور، الأمر الذي يؤكد مأساة الحرب الحتمية، وهي الموت.
وتُمثّل الألوان الباردة في اللوحة المركزية، كالأخضر والرمادي والأبيض، شبح الموت، وتستحضر صور الأجساد المتحلّلة والسماء المشبعة بالغاز. أما الألوان الدافئة، مثل الأحمر والبرتقالي، فترمز إلى النار، وتُذكّرنا بالحمم والقذائف والدم.
ويلاحَظ وجود تباين بين المناطق الفاتحة والداكنة، الأمر الذي يُسلّط الضوء على عناصر معينة من المشهد، بينما تظل العناصر الاخرى غير قابلة للتمييز. هذا الاستخدام الاستراتيجي للضوء يبرز سيطرة الردى، ويجذب العين نحو المناطق المضيئة. أراد ديكس، وفقاً لبعض النقاد، أن يهجو الحرب بصفتها صلباً للإنسان المعاصر، وأن يُظهر الجانب المظلم واللانساني للصراع.
"غرنيكا" لبابلو بيكاسو (1937)
في خضمّ الحرب الأهلية الإسبانية عام 1937، تم قصف بلدة غرنيكا الصغيرة الواقعة في شمالي البلاد، من جانب دول المحور، ولقي مئات المدنيين حتفهم. أرادت ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، من خلال هذا الفعل، تأكيد دعمهما الرسمي للديكتانور فرانكو ضد الجمهوريين.
قرأ بابلو بيكاسو (1881-1973)، المنفيّ في باريس، عن المأساة في الصحف، وانزعج بشدة من الصور المؤلمة التي رآها، فابتكر لوحة "غرنيكا Guernica" كصرخة غضب مدويّة في وجه دعاة الحروب. ورفض الفنان أن تُعرَض لوحته الضخمة في إسبانيا إلا بعد استعادة الديمقراطية هناك. لذلك، بعد وضع دستورجديد عام 1978 وبعد وفاة فرانكو، عادت "غرنيكا" إلى وطنها الحقيقي، ولم تغادر اللوحة مدريد منذ ذلك الحين. ومن أجل رؤيتها، ليس هناك خيار آخر سوى الذهاب إلى متحف رينا صوفيا.
كل عنصر في هذه اللوحة الاسطورية يرمز إلى فكرة ما. بدلاً من تصوير القصف والقنابل بصورة واقعية، قام بيكاسو برسم مصباح كهربائي مُحاط بهالة مضيئة ذات ومضات لاذعة، في إشارة إلى ألسنة اللهب التي تشتعل في السماء في أثناء الاعتداءات.
ويلفت الحصان، تحت المصباح الكهربائي، الأنظار، فلقد تم نزع أحشائه بواسطة سهم، وهو يصرخ من الألم. يرمز هذا الجواد إلى المعاناة التي لحقت بالشعب الإسباني على أيدي الطغاة وحلفائهم الألمان. أما الثور ذو العيون البشرية فيستحضر القتال بين بني الإنسان والوحوش.
يجب علينا أن نرى في هذا الحيوان تجسيداً لإسبانيا القومية أو الأنظمة الشمولية. أما الحمامة فبالكاد تكون مرئية، كما لو تم محوها من العمل. هذا الحذف الرمزي يشير إلى اختفاء السلام وهيمنة خطاب الحرب.
بالنسبة إلى النساء، نرى امرأة رأسها مرفوع إلى الخلف، تحمل طفلها الميت، وتخاطب السماء عبر إشارة عاجزة من يدها. كما توجد امرأة أخرى إلى يمين اللوحة، ترفع ذراعيها وتبكي، بينما تلتهمها النيران التي يرمز إليها بالمثلثات في إشارة إلى القنابل الحارقة.
أما المحارب بالسيف فهو الرجل الوحيد على القماش، وهو يرقد ممزقاً على الأرض. بالقرب من رأسه نرى سيفه المكسور الذي يجسّد المقاومة البطولية، لكن العاجزة عن مواجهة الرعب. نلمح زهرة شبحية تنمو بالقرب من يد المحارب، وهي رمز الأمل في هذه اللوحة، تماماً مثل الشمعة.
"وجه الحرب" لسلفادور دالي (1940)
رسم الفنان الاسباني سلفادور دالي "وجه الحرب The face of war" عام 1940 عند نهاية الحرب الأهلية الإسبانية وبداية الحرب العالمية الثانية. أراد دالي إظهار حزنه على وطنه، والتعبير عن الرعب الذي يعيشه الناس في أثناء الصراعات المسلحة.
ويبدو "وجه الحرب" في لوحة دالي السريالية حزيناً وطافياً فوق الصحراء المترامية الأطراف. استخدم الفنّان الألوان الزيتية لرسم وجه الحرب على لوحة قماشية، وخصوصاً أنّ الزيت والقماش من المواد الرائعة، لأنهما يجعلان كل لوحة مميّزة وفريدة، ويُظهران دقّة العمل والتباين اللوني بين الوجه المخيف للحرب والصحراء الخالية المحيطة به.
اللوحة معروضة في "متحف بويجمانز فان بيونينغن" في روتردام في هولندا.
أراد دالي أن يُظهر للناس أهوال الحرب وتأثيراتها السلبية في معيشتهم، وكيف يمكن أن تمزق حياتهم وتتركهم وحيدين وبائسين.
وتحمل اللوحة رموزاً قوّية للحرب الأهلية الإسبانية، مثل الثعابين التي تمثل الصراع بين الفصائل المتحاربة، والجماجم التي تمثل العدد اللانهائي للضحايا، والوجه الذي يمثل قمّة اليأس والرعب. واللوحة أيضًا مثال على أسلوب دالي السريالي، الذي يجمع بين الخيال والواقع بطريقة مخيفة ومظلمة.
في كل عين، نرى الهياكل العظمية تتدهور أكثر فأكثر، و"تموت" أكثر فأكثر، وفي الفم أيضاً نرى مزيداً من الجماجم، وهو ما يمثل العدد الكبير من الوفيات الناجمة عن الحرب.
ويبدو الوجه داكناً، بنياً، متجعداً، وتؤكد تعابيره اليأس والاكتئاب والألم. تم رسم هذا الوجه في وسط الصحراء، وهو رمز آخر لانعدام الحياة حتى لو أنّ السماء زرقاء، يمكن أن تكون علامة صغيرة على الحياة والأمل.
"موكب المشوهين" لجان جالتييه بواسيير (1919)
قام الكاتب والرسام الفرنسي جان غالتييه بواسيير (1891 - 1966) بإبتكار عملين فنيين بمناسبة احتفالات النصر في 14 تموز/يوليو 1919 بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. الأول بعنوان "موكب الأعلام"، وقد فُقِد اليوم, والثاني بعنوان "موكب المشوّهين Le Défilé des mutilés"، الذي يُصوّر موكباً مؤلفاً من 1000 مشوّه يفتتح الاحتفالات.
ويُظهر الفنان هؤلاء المشوّهين في وسط اللوحة، بعد مرورهم تحت قوس النصر، الذي يظهر في الخلفية، بغرض تكريمهم وتقدير تضحياتهم ومنحهم المكانة الأولى.
ويصوّر بواسيير هنا بطريقة واقعية جميع أنواع الجروح التي تسببت بها الحرب: العمى، وبتر الأعضاء، والتشوهات في الوجه والجسد.
ويظهر المدنيون والجنود جنباً إلى جنب متحدين، مرتدين زيهم الأزرق السماوي أو زي عام 1914 (البناطيل الحُمر). وفي الخلفية، يظهر الحشد المجهول والشوارع المزيّنة بالألوان الوطنية.
يمكن قراءة هذا العمل بصفته انتقاداً لفظائع الحرب، وتكريماً وطنياً لأولئك الذين دفعوا ثمناً كبيراً من أجل تحقيق النصر.
الجدير بالذكر أنّ الحرب العالمية الأولى أسفرت عن أكثر من 3 ملايين جريح، و600 ألف معوق، و300 ألف مشوّه ومبتور الاعضاء، و42 ألف أعمى، و15 ألف من أصحاب الوجوه المعطوبة، و100 ألف مصاب باضطرابات نفسية ناتجة من الصدمة.