إيهاب - مواهب

المواهب جمعُ مَوهِبة وهي الهِبَة أو العطِيّة تعطَى بلا غرض ولا عِوض. من قولهم: وهبه الشيءَ، يهَبه، وَهْباً، وهِبَة، فهو واهب، والآخر موهوب.

كُنّا نُكلِّفُكَ المَواهِبَ مَرّةً
حَتّى إذا استُنقِذتَ مِن كَفِّ العَطَبْ
عَظُمَتْ بِكَ النُّعمَى فقد ألْهَيتَنا
عن كلِّ شَيءٍ كانَ فيهِ لنا أرَبْ
فَدَعِ المَواهِبَ أنتَ مَوهِبَةٌ لنا
مِن ذي المَعارجِ والمَواهِبُ لا تُهَبْ

هذه الأبيات من قصيدة للشاعر المعروف بابن الرومي (836 - 896) واسمه علي بن العباس بن جُرَيج. والده رومي الأصل ولذلك لُقّب بابن الرومي. ولِد ببغداد ونشأ بها. يُعدّ من أبرز شعراء القرن الثالث العباسي. عاش حياة قاسية تعرّض خلالها لسلسلة من المآسي والنكبات فغلب التشاؤم والتطيّر على طبعه وسلوكه وانعكس ذلك في شعره.

تُوفّي مسموماً ببغداد ودفِن بها. قيل إن القاسم بن عُبيد الله، وزير المعتضِد العبّاسي، كان يحقد على ابن الرومي  لأنه هجاه فأمر أحد أتباعه أن يدسّ السمّ في حلوى قُدّمت للشاعر وهو في مجلسه، فلما أكلها أحسّ بالسمّ يجري في جسده فقام يريد الانصراف فقال له الوزير: إلى أين تذهب؟ فقال: إلى الموضع الذي بعثتني إليه! فقال له: سلّم على والدي! فردّ عليه قائلاً: ما طريقي إلى النار.

المُخاطَب في الأبيات أعلاه هو أبو سهل إسماعيل بن عليّ النوبختي عامل الخليفة العباسي على النعمانية بالعراق  وهو صديق لابن الرومي، كان قد أُنقِذ من الأسر وسلم من القتل، فنظم الشاعر قصيدة في المناسبة يمدحه فيها ويهنّئه بالنجاة ومطلعها:

أبلِغْ أبا سهلٍ فتى العَجَمِ الذي
أضحَتْ تَمَنّى كَونَهُ مِنها العَرَبْ

ويضيف: كنا من قبل نسألك أن تنعم علينا بالمواهب، أي الهبات والأعطيات، فلما نجوت كانت نجاتك هبة لدُنِيّة أنستنا كل رغبة لنا عندك أو طلب، فلا تكلّف نفسك شيئاً من المواهب بعد اليوم لأنك أصبحت أنت بذاتك موهبة (هِبة) حبانا بها الله ذو المعارج (السماوات لأن الملائكة تعرج فيها أي تصعد) والمَوهِبَة لا تُهَب. 

والمواهب جمعُ مَوهِبة وهي الهِبَة أو العطِيّة تعطَى بلا غرض ولا عِوض. من قولهم: وهبه الشيءَ، يهَبه، وَهْباً، 
وهِبَة، فهو واهب، والآخر موهوب. والاسم المَوهِب والمَوهِبة، والجمع مَواهِب. من ذلك قول الخَنْساء (575 - 645) في رثاء أخيها صخر:

سَمْحٌ خلائقُه جَزْلٌ مَواهِبُهُ
وافي الذِّمامِ إذا ما معشرٌ غدروا

والوهّاب مبالغة الواهب، من أسماء الله الحُسنى. وعبد الوَهّاب اسم مركّب بالإضافة. ومَواهِبُ اسم علم مؤنّث مأخوذ من المواهب جمع المَوهِبة بمعنى الهِبة. وللكلمة دلالات أخرى منها أن المواهب جمع مَوهِبة وهي مقدرة  متميزة ومَلَكة تؤهّل صاحبها للتفوّق في فن من الفنون مثل الموسيقى أو الشعر أو الرسم وغيرها، والموهوب هو من يتمتّع بهذه الملَكة.

وهناك فرق بين الموهبة وهي استعداد فِطري لدى المرء وبين المهارة التي تتأتّى من طريق التعلّم والخبرة ويوصف صاحبها بأنه ماهر أو حاذق في مجال محدّد.

والمَواهِب: جمع مَوهِبة وهي سحابة تقع حيث وقعت. والمَواهِب أيضاً جمع مَوهِبة وهي غدير ماء صغير، وقيل هي  نُقرة في الجبل يستنقع فيها الماء.

كل ما تقدّم من معاني الموهبة والمواهب مشتقّ من جذر هو الواو والهاء والباء. وإذا أضفنا إلى "وهب" الهمزة صار لدينا فعل رباعي هو أوهَب، ومنه اشتقّ اسم العلم المذكّر "إيهاب" وهو مصدر الفعل أوهَب. يقال: أَوهَبَ الشيء يوهِب، إيهاباً، إذا دام. وإيهاب هنا بمعنى الدوام.

وتقول: أوهبتُ لفُلان الشيءَ، إيهاباً، إذا أعددته له. وإيهاب هنا بمعنى الإعداد. وأوهَبتُ له الكتابَ، إيهاباً، إذا أمكنته من أخذه. وإيهاب هنا بمعنى الإمكان. ويُحمَل على ذلك قول الشاعر العراقي عبد الغفّار الأخرس (1804 - 1873):

وجَدِّكَ لم أُبصِرْ سِواكَ مؤمَّلاً
ولا مَن إذا ما استوهِبَ المالَ أوهَبا 

وأوهَب فلانٌ للعمل الجديد إيهاباً، إذا قدر وقوِيَ عليه. وإيهاب هنا بمعنى القدرة. ونخلص إلى القول إن اسم إيهاب يتضمّن معاني: الدوام، والاستعداد، والإعداد، والإمكان، والقدرة.