"الثقافة تنقذ العالم" بجناحي الفكر والأخلاق
يدعو هذا الكتاب إلى ءإرساء الثقافة الروحية ومعرفة ما ترتكز عليه الثقافات الدينية من قواسم مشتركة هامة نافعة للإنسان من حيث التواصل.
يتكلّم الناس بمختلف مستوياتهم عن معنى الثقافة، ويتسابق كلّ منهم ليقدّم تعريفاً لها، وكلُّ تعريف يحمل حقيقة، إلا أننّا وأمام هذه التعددية المفاهيمية يمكن لنا أن نضيف تعريفاً واسعاً ومهماً. انطلاقاً من أنّ الثقافة هي علم معاصر ينال كلّ جوانب الفكر الوجودي وتحمل معنى الخير والتنمية والرفاهية. أما الجهل والأنانية المفرطة فهما الشر والفقر والتدمير والضعف دفعة واحدة. بهذا السياق تكون الثقافة خادمة للتنمية وللسعادة البشرية، وهي النموذج الفعّال لتكوين أناس ذوي معرفة رفيعة عن طريق إدخال تدريس مقرّر إضافي لعلم الثقافة على المستوى الرسمي وغير الرسمي للمعلمين وللموظفين الحكوميين والسّياسيين والصحافيّين وغيرهم من المتخصصين. وقد أوجد المفكّر ل. أ. وايت قانوناً صاغ فيه تطوّر الثقافة بوصفها عاملاً تكنولوجياً في زيادة الرفاهية، وأنها الأساس الحقيقي لصالح التطوّر البشريّ، ورأى أنّ في الثقافة أساليب تضمن أمن واستمرارية حياة الإنسان وكذلك إدارة الطبيعة، وانطلاقاً من هذه المعطيات القيّمةلأهميتها، فقد كانت إحدى أهم المقترحات هي إنشاء جامعة علم الثقافة الدولية، وإدخال مادة "تاريخ الثقافة ونظريتها" ومادة "حوار وشراكة الحضارات"، والثقافات والدول والأديان كافة في برامح التعليم في جميع الجامعات، وكذلك إدراج اختبارات حول تاريخ الثقافة في برنامج امتحانات القبول.
يتطرّق المؤلّفان في هذا الكتاب إلى إعطاء الثقافة الروحية قيمة كبرى وأولى في التنمية المستدامة للبشرية، والعمل على طرح تساؤلات عديدة حول ما الذي ينبغي فعله وكيف؟ لضمان تطوّر التنمية والأمن الإنساني. وقال إن ذلك المطلب يقودنا إلى خلق ثقافة رفيعة شخصية ذات كفاءة واستقامة ابتداءً من جودة عمل الإنسان، ووطنيته، وإنسانيته، ومسؤوليته تجاهالأجيال القادمة.
يبثُّ فينا كتاب "الثقافة تنقذ العالم" الثقة بأنفسنا كي نتقدّم في اطّراد في طريق المعرفة،وأن ينمو فينا جناح الثقافة - الفكرية والأخلاقية بشكل متناسق، فالشخص ذو الثقافة الأخلاقية الإيجابية من دون ثقافة فكرية متطورة على نحو كافٍ لا يستطيع اتخاذ قرارات صحيحة، وفي الوقت نفسه الإنسان المثقّف المجرّد من الأخلاق الإيجابية والإنسانية يمكن أن يصبح السبب في عمليات التدمير في المجتمع. ويؤكد أنّ عمارة القيم الإنسانية المرتكزة على ثقافة الاحترام والمحبة والثقة والعدل والكرامة والحرية وإعمال التناغم الخلّاق بين الإنسان والطبيعية، والإلهي، والكوني هي الكفيلة بأن تحوّل الشخصية الإنسانية لبناء الحضارة الإنسانية المنشودة، لأنّ الثقافة الروحية تُعنى بإعمال العقل في كل فكرة تصل إلى موائد عقلنا سواء من الماضي أو الحاضر أو المستقبل،وكما قال الفيلسوف العربي الشهير ابن رشد "1126-1198" بأن خلود الإنسان يكون بعقله.وأثبت ابن رشد حقّ العالم في كشف قيمة العلم وقيمة الوحي. الفكرة التي انتشرت في جميع أنحاء أوروبا ابتداءّ من القرن الخامس عشر من جامعة بادوفا بإيطاليا.
وتناول الكتاب أيضاً إضافة إلى الثقافة الروحية ومعرفة ما ترتكز عليه الثقافات الدينية من قواسم مشتركة هامة نافعة للإنسان من حيث التواصل،ثقافة نظام الإدارة وتجربة الدول الأجنبية، إذ يعرّف الإدارة بأنها من أهمّ مؤسسات الثقافة الاجتماعية، وهي العمليةالتي توفّر التأثير على موضوع معيّن. بهدف تنظيمه، وتطويره، وتحسينه، وأيضاً تنسيق جهود مختلف المواضيع من أجل المهام الموكلة،إذ يمكن أن يكون الموضوع هو الفرد، أو الأسرة، الفريق، أو المجتمع، الدولة. وتفترض الإدارة النشيطة تحديد الأهداف والتوجّهات والأولويات، واختيار المبادئ ومنهج الأنشطة والتقنيات والطرق ووضع البرامج والمشاريع واتخاذ وتنفيذ القرارات، ويتمّ بناء الإدارة على أساس المعرفة العلمية والاستخدام المبدعلقوانين التطوّر الموضوعة للإنسان والمجتمع.فثقافة الإدارة هي معارف علمية وتقنيات وتنظيم وأخلاق ونشاط قياديّ يجري من أجل زيادة الرفاهية وتحقيق التطوّر التقدمي الآمن للفرد والمجتمع والدولة وتوفير المصالح البشرية كافة، من جهة أخرى تنصّ ثقافة الإدارة على فلسفة إنسانية معقولة وتقنية فنية مثلى لنشاط قيادة أعمال الإنسان أو المجموعة الاجتماعية أو الدولة، كي توجّه مسار تطوّرهم، وتوفّر تقدّمهم الثقافي في ظروف عالم متغيّر، ولكي يتحقّق ذلك وضع منهجاً شاملاً أطلق عليه المنهج الشامل لهرم علم الثقافة لبناء نماذج مبتكرة للإدارة الفعّالة: الإبداع – الفهم – الإدراك.
ويساعد هذا الهرم الثقافي على الارتقاء بثقافة العلاقات الإنسانية والدولية، والتحسين الذاتي للإنسان وزيادة فعّالية إدارة الذات للشخص وإدارة الأسرة.
كذلك يتناول الكتاب في أحد فصوله ثقافة الإدارة الاجتماعية ويركّز بشكل جلي على ثقافة القائد ومفهوم ثقافة القيادة، ومتطلّبات صفات القائد والأخلاق المهنية وثقافة المسؤولية لدى القائد وفعّالية القيادة وتكنولوجيا إدارة القائد،وثقافة إدارة الذات.
الباب الثالث والأخير يتحدّث عن الثقافة في سياق حوار وشراكة الحضارات، ويتساءل في هذا الشأن: هل الحوار بين الثقافات ضروريّ في سياق صراع الحضارات وعولمة الثقافات ودور ثقافة السلام في حلّ النزاعات،وحوار الثقافات في سياق العلاقات الدولية وهل المستقبل هو إنساني أم كارثي؟.
وأخيراً تبيّن دراسات علم الثقافة، وعلى مدى سنوات طويلة، جدوى استخدام الإمكانيات الاستراتيجية غير المحدودة لعلم الثقافة وأدواته المنهجية ومنهج نظم علم الثقافة وامتحان علم الثقافة في بناء وإدارة الدولة، وقد يكون من المنطقي استصدار شهادة علم ثقافة خاصة للشباب الذين يتخرّجون من المدارس والجامعات على مستوى الدولة وعلى المستوى العالمي "للمعلمين والسياسيين والمسؤولين وغيرهم من المتخصصين، إضافة إلى إعطاء شهادة شخص ذي ثقافة رفيعة تمنح حقاً تفضيلياً في التوصيف والشرف الوظيفي. ويتوجب خلال امتحان الشخص في علم الثقافة مراعاة القدرات والمواهب، والمعارف، العلمية والمهنية والأخلاق، المسؤولية، الوعي القانوني، النزاهة،الإنسانية، ثقافة العمل والحياة، وكذلك نتائج الدراسة أو النشاط الإبداعي.
إننا مقتنعون بعمق بأنه من الضروري في جميع أنحاء العالم وفي كلّ مكان فتح جبهة عريضة للنضال من أجل الثقافة الروحية الرفيعة بوصفها وسيلة لإنقاذ البشرية من العمليات المدمّرة للحضارة التكنولوجية الحديثة، وتدعو جميع الناس ذوي الثقافة الرفيعة إلى توحيد الجهود من أجل النضال من أجل التحوّل الإيجابي للحضارة الحديثة وإنقاذها من العمليات المدمّرة الناجمة عن سقوط القيم الأخلاقية ونزعة الأنانية والجهل والإدارة غير الكفوءة.
وأخيراً الكتاب ضخم وغزير المعلومات ويزخر بالاستشهادات التاريخية وينوف عن ستمئة صفحة مع الحواشي والمراجع، وهو من السهل الممتنع، إضافة إلى أنّ ترجمة الدكتور محمد قاجو راقية جداً وواضحة ومستقطبة للقارئ،وبالتالي تنطوي على مضامين فكرية جديدة لم نكن نعرفها فيما سبق عن الثقافة علم الثقافة كمنهج تدريسيّ جامعي عالمي لجميع المستويات.