"طوفان الأقصى" وحرية التعبير والحراكات الطلابية
شكك غارودي في الرواية الصهيونية للمحرقة اليهودية، فحكمت عليه محكمة فرنسية بالسجن متهمةً إيّاه بالعنصرية، وقال غارودي في هذا الصدد إن: "اليهودية ديانة أحترمها، أما الصهيونية فهي سياسة أحاربها".
حرية التعبير
حرية التعبير أو حرية الرأي تمثّل الحق السياسي في إيصال أفكار أي شخص من خلال الحديث، ويستخدم مصطلح حرية التعبير أحياناً بالترادف، ولكن يتضمن كل فعل انطلاقاً من السعي وتلقي المعلومات أو الأفكار، بغض النظر عن الوسيط المستخدم في هذا النقل.
والواقع أن حق حرية التعبير ليس مطلقاً في البلدان كافة، وعادة ما يخضع هذا الحق لقيود مثل التشهير والفحش والتحريض على ارتكاب الجرائم. ويصاحب حرية التعبير والرأي على الأغلب بعض أنواع الحقوق والحدود مثل حق حرية العبادة وحرية الصحافة وحرية التظاهرات السلمية.
يتم الاعتراف بحق حرية التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان، بموجب المادة رقم 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويعترف به القانون الدولي لحقوق الإنسان في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وتنص المادة 19 من العهد الدولي: "لكل إنسان حق اعتناق آراء من دون مضايقة" وأنه "لكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات، والأفكار، وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب، أو مطبوع، أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها".
حراك الطلاب في باريس 1968
حدثت فترة من الاضطرابات المدنية في جميع أنحاء فرنسا ابتداء من أيار/مايو عام 1968، استمرت لنحو 7 أسابيع، وتخللتها تظاهرات واعتصامات طلابية وعمالية، وتوقفت حركة الاقتصاد الفرنسي في ذروة الأحداث التي أصبحت معروفة بأحداث أيار 68.
وصلت الاحتجاجات إلى درجة أثارت خوف القادة السياسيين من حرب أهلية أو ثورة. توقفت الحكومة الوطنية لفترة قصيرة عن العمل بعد أن فر الرئيس الفرنسي شارل ديغول سراً من فرنسا إلى ألمانيا. في الواقع، حفزت تلك الاحتجاجات حينها، حركات كبرى في جميع أنحاء العالم، وذلك بالاضافة إلى الأغاني والرسومات والملصقات والشعارات.
بدأت الاضطرابات بسلسلة من الإضرابات الطلابية ضد الرأسمالية والنزعة الاستهلاكية الأميركية والمؤسسات التقليدية والبيروقراطية. الأمر الذي أدى بالشرطة إلى الضرب بيد من حديد اتجاه المتظاهرين، وحدا باتحادات النقابات العمالية للدعوة إلى مزيد من الإضرابات والحراكات والفعاليات.
وقد انتشرت هذه الاضطرابات أكبر بكثير مما كان متوقعاً، لتشمل 11 مليون عامل، أي أكثر من 22 % من إجمالي سكان فرنسا في ذلك الوقت.
وتميزت تلك الحركة بالتنسيق العشوائي واللامركزي لإضرابات العمال الاتحاديين الأحرار وكان لها أثرها في المجتمع الفرنسي، إذ تعدّ نقطة تحوّل ثقافية واجتماعية وأخلاقية في تاريخ البلاد.
روجيه غارودي ومعاداة السامية
روجيه غارودي فيلسوف فرنسي ولد عام 1913، اعتنق البروتستانتية وهو في 14 من عمره، ثم قضى فترة طويلة من عمره متبنياً الفكر اليساري، قبل أن يعتنق الإسلام ويرحل عام 2012 في باريس.
ناصر غارودي قضايا عربية وإسلامية كالقضية الفلسطينية، وواجه الصهيونية بشراسة خاصة بعد مجازر صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982، حيث أصدر بيان إدانة لها وقّعه معه الأب ميشيل لولون والقس إيتان ماتية، ونشر في جريدة "لوموند" الفرنسية في 17 حزيران/يونيو من العام نفسه بعنوان "معنى العدوان الإسرائيلي بعد مجازر لبنان".
شن عليه الإعلام الموالي لـــ "إسرائيل" والصهيونية حملة شعواء، وصوّروه باعتباره عنصرياً ومعادياً للسامية، وقاطعته الصحف الفرنسية، لكنه لم يتراجع عن موقفه. وفي مرحلة مهمة من تاريخ الرجل أصدر كتاب "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية" عام 1995.
شكك غارودي في الرواية الصهيونية للمحرقة اليهودية، فحكمت عليه محكمة فرنسية عام 1998 بالسجن سنة مع وقف التنفيذ، وغرّمته 120 ألف فرنك فرنسي، أي ما يقارب 50 ألف دولار، متهمة إياه بالعنصرية، وإنكار جرائم ضد الإنسانية، وقال غارودي في هذا الصدد إن: "اليهودية ديانة احترمها، أما الصهيونية فهي سياسة أحاربها".
الرسوم المسيئة للنبي محمد
بدأت أزمة الرسوم المسيئة التي طالت بالسخرية نبي الإسلام في الدنمارك عام 2005، حيث نشرت جريدة "يولاند بوستن" 12 رسماً كاريكاتورياً مسيئاً للنبي محمد، وتبعتها في ذلك عدة صحف، لا سيما "شارل إيبدو" في فرنسا وغيرها.
هذه الرسومات أثارت اعتراضات واسعة وشاملة على مستوى العالمين العربي والإسلامي بل والعالم أجمع. لن نطيل البحث في تأريخ الردود والإشكاليات التي أثارتها هذه الرسومات وقد امتلأت الصحف والمواقع الإلكترونية بتدوين وأرشفة هذه الأخبار.
إلا أننا سنتناول شاهداً واحداً يتمثل بدعوة جريدة "همشهري" الإيرانية بإطلاق مسابقة كاريكاتورية يتم فيها نقد "الهولوكوست". ورعى هذه المسابقة بيت الكرتون الإيراني متمثلاً بشخص رئيسه في ذلك الوقت، الرسام الإيراني مسعود شجاعي طباطبائي. عند إطلاق هذه المسابقة التي شملت الآلاف من الرسوم من غير مكان في العالم ضجة واسعة، وحوربت وتم نقدها. ووقع على شخص رئيس بيت الكرتون الإيراني عقوبة منعته من السفر لأكثر من 20 إلى 30 بلداً غربياً وشرقياً.
غزة والحرك الطلابي
لن نطيل، لكن الهجمات الإرهابية المعادية للإنسانية جمعاء التي يقوم بها الكيان الصهيوني بحق غزة ولبنان وشعبيهما منذ مدة قاربت السنة، من دون رادع من قبل المجتمع الرسمي العالمي والعربي. كان من ردود الأفعال على الجرائم الصهيونية، أن قامت التظاهرات المنددة والشاجبة على مستوى العالم والمناهضة لجريمة الإبادة التي تنفذها "إسرائيل" بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني.
لا يمكننا القول إن هذه الفعاليات والتظاهرات لم تؤد إلى نتيجة، بل حفزت وحفرت عميقاً في ذهن الرأي العام العالمي حول جرائم الاسرائيليين بحق الشعب في غزة. ماذا نتج عن هذا؟
على مستوى الدول الداعمة لــ "إسرائيل" لا سيما الولايات المتحدة، فقد استقبلت مجرم الحرب نتنياهو في الكونغرس وصفق له الحضور ورحبوا به بشكل مبالغ فيه. وهذا يشير إلى الخرافات الصهيونية والزخم الذي يؤثر فيه اللوبي الصهيوني في أميركا وغيرها، وتوجيه الإعلام المسيس والمنحاز في الولايات المتحدة، وبعض الغرب – ومن المناسب الإشارة إلى أن عدداً من وسائل الإعلام الغربية، المدعومة من رأس المال الصهيوني، وقفت مؤيدة لآلة القتل والإجرام الصهيوني، ومواجهة التظاهرات الطلابية التي شملت معظم دول الغرب فضلاً عن الشرق، مع الادعاء بالتمسك من قبل الشركاء في الإجرام الصهيوني بحرية التعبير وتأييدهم لها.