"العيش المشترك في لبنان" في رؤية العلامة الشيخ علي الخطيب
كتاب الشيخ الخطيب ورؤيته يشكّلان خريطة طريق واضحة نحو تحقيق العيش المشترك في لبنان بأروعِ صورة، فهو يدعو إلى تعزيز قيم المواطنة وترسيخ العدالة الاجتماعية وإصلاح النظام السياسيّ بقيام " دولة المواطنة ".
-
"العيش المشترك في لبنان" في رؤية العلامة الشيخ علي الخطيب
كتاب جديد صدر لسماحة الشيخ علي الخطيب حول العيش المشترك في لبنان، أعدّه وقدّمه الدكتور غازي قانصو، وهو بمنزلة تجسيد واقعي لتنوّع الثقافات والأديان إذ تتداخل فيها الموروثات والتقاليد لتشكّل لوحة لبنانية فريدة من نوعها. ومنذ تأسيس دولة لبنان كان ولا يزال مهداً للتفاعل بين مجموعات دينية وإثنية، وأساساً في تكوين الهوية الوطنيّة للبلاد. وقد تطور مفهوم العيش المشترك بشكل تدريجي بناءً على مجموعة من العوامل التاريخية السياسيّة والاجتماعية التي أثّرت في البنيّة الداخلية للبنان.
كتاب "العيش المشترك في لبنان" لسماحة الشيخ علي الخطيب إعداد د. غازي قانصو، يقع في 170 صفحة من القطع الوسط صادر العام الحالي 2025، بيروت لبنان.
العوامل التي تعيق العيش المشترك
يرى المؤلف أن الحاجة إلى دراسة كيفية تحقيق العيش المشترك في لبنان وتعزيزه تتطلّب منا طرح الأسئلة الآتية:
كيف يمكن استغلال التنوّع اللبناني كقوة دافعة لتعزيز العيش المشترك؟
ما الدور الذي يمكن أن تؤديه المؤسسات التعليمية والثقافية في تعزيز ثقافة العيش المشترك؟
كيف يمكن للمجتمع المدني أن يسهم في معالجة التحديات المرتبطة بالعيش المشترك في لبنان؟
يرى المؤلف أن العوامل التي تعيق العيش المشترك في لبنان، ومنها العوامل السياسيّة التي تكرّس الانقسامات الطائفية، ما ينعكس سلباً على الاستقرار الاجتماعي؛ لأن المحاصصة الطائفية تعزز من تشرذم المجتمع وتخلق بيئة من عدم الثقة بين الطوائف. أما أهميّة موضوع الدراسة (تعزيز العيش المشترك في لبنان) في ظل الأزمات المتكررة التي يواجهها البلد، والتي تؤثر بشكل عميق على نسيجه الاجتماعي؛ لأن لبنان في خضم تحديات اقتصادية وسياسية واجتماعية متراكمة، ما يعزز من مناخ النزاعات والصراعات بين مختلف الطوائف والمجموعات منذ الحرب الأهلية وحتى اليوم.
العوامل التي تعزز العيش المشترك في لبنان:
على الرغم من التحديّات، هناك عوامل إيجابية تعزز مفهوم العيش المشترك في لبنان، منها المبادرات الثقافية، الفعاليات الاجتماعية، وتعليم التسامح والتفاهم بين الأجيال الجديدة. كذلك تقدم الدراسة مجموعة من الحلول يعتقد الشيخ الخطيب أنها تُسهم في تعزيز العيش المشترك في لبنان، وتركز على أهميّة الحوار بين الطّوائف، وإعادة تحفيز القيم الإنسانية، وتُطرح أفكاراً حول التسامح والتفاهم وإصدار تشريعات وقوانين جديدة كخطوة أساسيّة لبناء مجتمع متماسك. من هنا، جاء اهتمام العلامة الشيخ علي الخطيب بهذا الموضوع كجزء من رؤيته الشاملة لبناء مجتمع مترابط ودولة قوية عادلة، واستجابةً لحاجة وطنية ملحّة تهدف إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.
العيش المشترك كمدخل للإصلاح
يرى العلاّمة الخطيب أن أي إصلاح حقيقي في لبنان لا يمكن أن يبدأ إلا من خلال ترسيخ مفهوم العيش المشترك؛ لأنه المدخل لبناء دولة قويّة ومجتمع مستقر واقتصاد متوازن وإنماء يعمل. وبالتالي، فإن تحقيق العيش المشترك ليس مجرد شعار، بل هو خطة عمل تتطلّب إرادة سياسية حقيقية، وتعاوناً بين مختلف الفئات وتغييراً جذرياً في بعض المفاهيم السائدة. إن رؤية العلامة الشيخ علي الخطيب للعيش المشترك تشكّل خريطة طريق لبناء لبنان المستقبل، حيث يتساوى جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، بعيداً من التصنيفات الطائفية الضيّقة، الكتاب هو دعوة إلى تجاوز الخلافات السياسية والطائفية والعيش المشترك، هو قناعة راسخة بأن لبنان لا يمكن أن يستمر إلا بوحدة أبنائه، وبالعمل المشترك من أجل مستقبل أكثر استقراراً وعدالة وانماءً وازدهاراً.
أهمية العيش المشترك في مجتمع متنوّع
يشكّل العيش المشترك حجر الزّاوية للاستقرار الاجتماعي في المجتمعات المتنوّعة، إذ يتداخل مع مفاهيم التّسامح والتعايش والوحدة الوطنية، وتلك المجتمعات المتنوّعة والعرقيّة تتطلّب آليات وأساليب لإدارة التعدّدية للحفاظ على النّسيج الاجتماعي المتماسك في لبنان؛ لأنه الرّكيزة الأساسيّة التي تعتمد عليها المجتمعات لجهة خلق الاستقرار الاجتماعي وتعزيز التّسامح والاحترام المتبادل بين الأفراد والمجموعات، وهذا الاحترام المتبادل يعزّز من ثقافة الحوار والتّفاهم بين الطوائف المختلفة، ويُسهم في تقليل المخاطر بسبب النزاعات الدينية أو الطائفية في حال كانت هذه المجتمعات لا تلتزم بمفهوم العيش المشترك وبناء الثقة بين مختلف الطوائف، والنتيجة لا استقرار سياسيّاً ومزيد من الصراعات والمعوقات.
لبنان نموذجا فريداً
لطالما كان لبنان نموذجاً فريداً للتعدّدية الثقافيّة والدينيّة، إذ يعكس تاريخه الطّويل والمركّب واقعاً معقّداً من التفاعل بين مختلف الجماعات والطّوائف، ونظراً لهذا التنوّع المذهل الذي تتمتّع به البلاد، فإن فكرة العيش المشترك قد مرّت بمراحل متعدّدة من التأثيرات والتحدّيات شكلت هذا الواقع المعقّد من العالم العربي، حيث تتعايش طوائف ومذاهب متعدّدة ضمن إطارٍ سياسيّ واجتماعيّ متداخل، وعلى الرغم من أنّ هذه التعدّدية قد منحت لبنان غنىً ثقافيّاً وفكريّاً فإنها في الوقت نفسه كانت مصدراً للتوترات والصراعات، لا سيّما في ظل الانقسامات السياسية والاصطفافات الطائفيّة التي طبعت تاريخه الحديث. لذا، تناول الشيخ الخطيب في كتابه العوامل الأساسيّة التي تؤثر على العيش المشترك في لبنان، بدءًا من التنوّع الطائفي وتأثيره في المجتمع مروراً بالدّور الذي تؤديه المؤسسات الدّينية والسّياسيّة ووصولاً إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي زادت من تعقيد المشهد اللبناني. وقد تبيّن أنّ لبنان شهد محطّات بارزة لتعزيز العيش المشترك، إلا أنه في المقابل، واجه تحدّيات مستمرة ناجمة عن سياسات المحاصصة. إن تعزيز العيش المشترك في لبنان لا يمكن أن يكون مجرّد شعار بل يتطلّب إصلاحات جذريّة على المستويات السّياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة، من خلال ترسيخ مفهوم المواطنة، وتعزيز التّعليم الذي يقوم على القيم المشتركة وخلق بيئة سياسيّة غير قائمة على الاستقطاب الطائفي، ويبقى مستقبل العيش المشترك في لبنان مرهوناً بقدرة المجتمع والقيادات على التّرفّع عن المصالح الضيّقة، والعمل من أجل بناء دولةٍ مدنيّةٍ قائمةٍ على العدالة والمساواة واحترام التّنوّع بوصفه مصدر قوّة لا سبباً للنّزاع.
إن كتاب الشيخ علي الخطيب، يمثّل محاولةً شاملةً لدراسة العيش المشترك في لبنان، وفق رؤيته، إذ تمّ استعراض المفاهيم الأساسيّة لتفعيل العيش المشترك، وتقديم توصيات عمليّة وعلميّة تسهم في تحقيق هذا الهدف النبيل، هو عمليّة مستمرة تتطلّب جهوداً متكاملة من كل فئات المجتمع سواء من الحكومة أو المجتمع الأهليّ أو الأفراد.
إن كتاب العلاّمة الشيخ علي الخطيب ورؤيته يشكّلان خريطة طريق واضحة نحو تحقيق العيش المشترك في لبنان بأروعِ صورة، فهو يدعو إلى تعزيز قيم المواطنة وترسيخ العدالة الاجتماعية وإصلاح النظام السياسيّ بقيام " دولة المواطنة " وتحسين الخطاب الدّيني ليكون جامعاً لا تقسيماً، والتشديد على العمل التنموي والاهتمام بكلّ الأمور التي تسهم في تعزيز بناء حس المشاركة الوطنية بإعداد مناهج تربوية وطنية تعمل للتربية على المواطنة وعلى القيم الأخلاقية المشتركة، ومع الأخذ بهذه المقترحات والتوصيات التي وردت في رؤيته يمكن للبنان أن يخطو خطوات حقيقية نحو تحقيق الوحدة الوطنية وتعزيز العيش المشترك والسّلم الأهلي، ما يسهم في بناء مجتمع أكثر استقراراً وتماسكاً وأماناً وسلاماً، إن تحقيق العيش المشترك في لبنان ليس حلماً بعيداً بل هو ضرورة حتمية لبقاء الدولة واستقرارها، ما يستدعي من الجميع العمل معاً من أجل حياة متساوية في العيش الكريم.