محمد أبو حشيش: تشكيلي غزّي يمزج تجربته الفنية بالذكاء الاصطناعي

كيف يدمج التشكيلي الفلسطيني محمد أبو حشيش الذكاء الاصطناعي بأعماله الفنية؟

  • محمد أبو حشيش: تشكيلي غزّي يمزج تجربته الفنية بالذكاء الاصطناعي

يمسك الفنان التشكيلي الغزي، محمد أبو حشيش، جهازه اللوحي ويضغط على أحد برامج الذكاء الاصطناعي ليزودها ببعض المعلومات التي يحتاجها عمله الفني حتى يظهر مكتمل الأركان. في بعض الأحيان تعجبه النتيجة ويعتمدها كمسودة قابلة للتطبيق، لكن في أحيانٍ أخرى يستمر في التعديل عشرات المرات حتى يشعر بالرضى.

فهنا "العنقاء"، نصب تذكاري لمنحوتة خارطة فلسطين، تتقدمها حروف اسم الدولة وفي الخلفية صورة لوجه إنسان، وهناك منحوتة "دعني أعانقك" للطفل محمود عجور يفتح يديه للحياة. هاتان اليدان اللتان سلبهما منه الاحتلال الإسرائيلي في واحدة من الغارات الهمجية على القطاع. جميعها أعمال فنية امتزج فيها الذكاء الاصطناعي مع العقل البشري، وفقاً لأبو حشيش.

  • "دعني أعانقك" لمحمد أبو حشيش - عمل أنجز باستخدام الذكاء الاصطناعي

يقول أبو حشيش (1988) في حديث مع "الميادين الثقافية" إن: "الفكرة في استخدام تلك البرامج هو توفير الوقت والجهد واستغلال الإمكانات التي تتيحها إلى أن يحدث الله أمراً. فالوضع الأمني الحالي يستحيل خلاله تنفيذ أي عمل فني على أرض الواقع كون الاستهداف سيكون مؤكداً، خاصة أننا نتحدث عن أعمال نحتية تتطلب أدوات معينة ووقت وجهد مكثف، لتجسد اسم فلسطين على المباني المدمرة، الذي يحاول الاحتلال مسحه من ذاكرة العالم".

ويضيف أبو حشيش، المدرّب في مجال النحت والتشكيل: "تبهرني في بعض الأحيان النتائج التي أحصل عليها، خاصة عندما تفوق تصوراتي لا بالشكل فقط، بل بالألوان والملمس الذي يضاهي وينافس ما هو موجود في الطبيعة"، لافتاً إلى أن تلك الأعمال تخرج من الركام. فهي تتحدى الواقع وتوصل رسائل عديدة حول فلسطين والآلام التي يتحملها الفلسطيني كثمن للصمود في أرضه.

  • محمد أبو حشيش
    محمد أبو حشيش

في بداية العدوان على غزة توقف أبو حشيش عن الإنتاج الفني بشكل تام نتيجة للظروف الصعبة التي عايشها وأطنان الصواريخ التي كانت تقذف بها المدينة المحاصرة في كل ساعة من اليوم، مدخلة إياه في حالة صدمة. لكن بعد مدة عادت تلك الروح إليه واستطاع التعايش مع واقعه ليسجل عدة أفكار حول التهجير، وأهوال النزوح، والفقد لتكون مقدمة لمعرض فني جديد مقبل.

  • "العنقاء" لمحمد أبو حشيش - عمل بمساعدة الذكاء الاصطناعي

هكذا يركز أبو حشيش المولود في رفح على الوضع الإنساني في غزة وكيف تحولت حياة الفلسطيني إلى شخص دفعه الاحتلال بعربة الزمن إلى ما يشبه العصر الحجري. ففي مشروعه "مجموعة تحولات في زمن الحرب"، أنتج عدة صور فوتوغرافية تتحدث عن تغير استخدام الثلاجة من حافظة طعام إلى خزانة ملابس، والمصباح إلى بيت للعناكب، والمطبخ مكان أسود اللون قاتم نتيجة اشتعال النيران بداخله، ووسائل التنقل من السيارات إلى الدواب.

تعكس أعمال الفنان الفلسطيني الغزي الواقع الصعب الذي يعيشه أبناء القطاع المحاصر. ووفق أبو حشيش، فإن تلك المشاهد بعيدة عن الدماء والأشلاء، وأي مظهر من مظاهر العنف، ليخاطب فنه البصري جميع المستويات والعقول ويسوق لما يعاينه سكان المدينة المحاصرة بالطريقة الأكثر انتشاراً حول العالم، متسائلاً: "من يستطيع اليوم عيش مثل تلك الحياة الخالية من المقومات الأساسية التي تحفظ آدمية الإنسان؟".

يستعد أبو حشيش حالياً لعمل جديد بعنوان "النازحون قسراً" يناقش خلاله رفض الفلسطيني للتهجير، خاصة أن غالبية سكان مدينة غزة هم لاجئون نزحوا من بلدات وقرى فلسطين في عام 1948، ليعيد الاحتلال الإسرائيلي المشهد ذاته إلى أذهانهم ويجبرهم مرة أخرى على الرحيل قسراً وترك بيوتهم وأراضيهم تحت نيران السلاح وصمت العالم.

  • "النازحون قسراً" لمحمد أبو حشيش - أكريليك على كانفس - 2025

يختم أبو حشيش حديثه مع "الميادين الثقافية" بالقول إن: "العالم قطعاً لا يعي معنى أن تجبر على النزوح من بيتك. ففي تلك اللحظة تحديداً تشعر وكأنك تريد حمل المنزل على كتفيك، لا بل الحارة بكامل بالجيران وجميع من تحب والركض بهم بعيداً حتى تصل إلى منطقة الأمان". 

ويشير الفنان الحاصل على جائزة "مهرجان غزة الدولي للفن التشكيلي" في مجال النحت، إلى أن الحقيبة التي تُحمل على الأكتاف في كل رحلة نزوح قسرية لا تستطيع سوى حمل العجز وخيبة الأمل والحنين القاتل إلى المنزل الأول.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك