دمى "الماريونيت" تتألق على مسرح غزة

كيف حوّل مهدي كريرة دمى الماريونيت وسيلة لمعالجة مختلف القضايا المجتمعية في غزة؟

يقف مهدي كريرة على خشبة المسرح مستقبِلاً تصفيق الجهور وتهنئته الحارة، بعد عرضٍ استمرّ عدة دقائق في تحريك تلك الخيوط والعصي الخشبية، التي تدفع دمية "الماريونيت" كي تنطق معبرة عن الحالة التي تجسّدها، كأول صانع لتلك العروض في قطاع غزة.

يبتسم مهدي وهو يروي لـ"الميادين الثقافية" طبيعة مشاعره بعد كل عرض يقدّمه، ويقول أن الأمر كان "مجرد حلم يراودني، خاصة بعد فشل عدة محاولات"، ويوضح أن سبب فرحه اليوم هو "تقديمي عدة عروض تجمع كافة أطياف المجتمع، من شباب وأطفال ورجال ونساء، ليتم مناقشة قضاياهم من زاوية مختلفة".

بالعودة إلى بداية قصته، كان مهدي طفلاً متيماً بعروض "بوجي وطمطم"، لتظلّ فكرة تلك الرعوض تلاحقه بإصرار، إلى أن استطاع قبل 5 أعوام تقديم أول عرض له، لافتاً إلى أنّ أولى محاولاته كانت بوساطة "دمية ليست بالمستوى المطلوب"، لكنّه أدرك في الوقت ذاته أنّها بشرى تُنبئ ببوادر نجاح التجربة.

تعلّم مهدي صناعة الدمى ذاتياً من خلال مشاهدة عدد كبير من المقاطع لمخططات صناعتها على موقع "يوتيوب"، ودعّم ما تعلّمه بالاستعانة بأراء أصدقائه الموجودين خارج فلسطين المحتلة من ذوي الخبرة، الأمر الذي حقّق لديه التغذية الراجعة لتطويع المواد الخام، كالأقمشة وعجينة الورق والجِبس، بالإضافة إلى مواد أخرى مُعادة التدوير، للوصول بدميته إلى خشبة المسرح مباشرة. 

يأخذ مهدي نفساً عميقاً، مستذكراً مشواره الطويل المبني على استراتيجية التجربة والخطأ، والناتج عنه تعلّمه عدة أمور منها كيف يمكن التحكّم بوزن الدمية، ومتى يستخدم الخشب أو الكرتون، وآلية ربط الأطراف بالخيوط لتتحرك بشكل متناسق على المسرح، مع التركيز على آلية دمج الصوت واختياره بشكل سليم ليتناسب مع الدور المُقدَّم.

يقول مهدي في حديثه لـ"الميادين الثقافية"، إنّه وقبل صناعة دماه، يقوم بكتابة السيناريو الذي يساعده على رسم ملامح الدمية التي سيقوم بصناعتها، ويكون السيناريو حقيقياً في بعض الأحيان، يكتبه بعد سماعه من أبطاله الحقيقيين، فكتابة نص البطالة يحتاج لاستشارة الشباب، فيما الكتابة للأطفال تتطلّب دقةً أكبر، لأنهم يثبتون المعلومة التي يشاهدونها للمرة الأولى في عقولهم مباشرةً.

يحمل مهدي أحد العرائس المصطفة أمامه، ويقول: " لكل دمية من تلك الدمى دور محدد، فتلك العجوز صُنِعت كي تكون الحما، والأخرى الأصغر هي الكنّة، وهاتان الشخصيتان تمثّلان محور الصراع في غالبية الأسر، أما تلك المنكسرة فهي معنّفة أُبرٍحت ضرباً لتوّها، والأخرى معلمة تقود أجيالاً، وذاك الذي في منتصف الطاولة هو بائع الفلافل الشهير، وهذا الشاب الأنيق هو أحد قادة العمل التطوعي في المدينة المحاصرة، ولكلٍّ موقعه...".

يصطحبنا مهدي في جولة للحديث عن آلية صناعة الدمية، فيوضح أنّ العملية "تبدأ بتحضير عجينة الورق التي يخلطها بالصمغ، ويتم من خلالها تشكيل رأس الدمية وجسدها، ونحته بالشكل المطلوب، ومن ثم تنعيمه بمادة "ملتينة". بعد ذلك يتمّ تثبيت الشعر والعينين والملابس المميِّزة لكل شخصية، وتزيينها بالشكل المطلوب لتصبح جاهزة للعرض".

يكمل مهدي شرح آلية عمله: "أقوم بعمل بروفات وتجارب لمواءمة الصوت مع الحركة، والتأكّد من الإضاءة والديكور والألوان، وصولاً إلى العرض النهائي على المسرح، حيث يتمّ تشغيل التسجيل الصوتي، وتحريك الدمى حسب الدور وحسب النص". 

ذاع صيت مهدي ومسرحه في قطاع غزة، فقدم العديد من العروض في المدارس والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني، متنقلاً بين غالبية محافظات المدينة المحاصرة، ما سمح له أن يشاهد الحب والتشجيع في عيون جمهوره، الذي يطلب منه في كل مرة تقديم المزيد من العروض، خاصة في المدارس والمناطق المهمّشة.

"علم عزّوز"، "أنامل وحيد"، "أنا مش تمثال"، "كلام ريهام"، "نخلة الشر"، "كنوز القراءة"... جميعها أسماءٌ لعروض قُدِّمت بالفعل، لكنَّ مهدي يسعى إلى تطويرها من خلال جعل عيون الدمية تتحرك وليس أطرافها فحسب، ويبيّن أنّ "هذا ما سيجعل المشاهد يصدّق أنّ الدمية حقيقة وتخاطبه عبر خدعة التواصل البصري".

ولأن مهدي رغب بمشاركة ما تعلّمه مع الآخرين، كي لا يواجه شخص آخر الصعوبات ذاتها التي واجهها هو، فقد قرر تكوين فريق من الشباب وتدربيهم، ليصبح برفقته اليوم 12 شاب وشابة، جميعهم قادرين على تقديم عروض "الماريونيت".

ويختتم مهدي حديثه بالقول: "أطمح إلى أن يتمّ إيجاد مسرح خاص بهذه الدمى، لتنفيذ العروض بشكل دائم عبر مسرح متنقّل يُتيح اختيار المنطقة التي ستُقدَّم فيها، وفقاً لما يتطلبه الوضع ومتوسط أعمار الجمهور هناك، بهدف معالجة مختلف القضايا المجتمعية عبر ذلك الفن".