حسن عزت: إليكم حكاية أول مصري في هوليوود
أول ممثّل مصري في هوليوود وشكّل فيلمه الأول بعنوان "لاشين" نبوءة حول ثورة الضباط الأحرار. ما حكاية حسن عزت؟
في صباح يوم 17 آذار/مارس من عام 1938، تجمّع جمهور من النخبة المصرية في سينما "ديانا" في القاهرة، لمشاهدة العرض الأول لفيلم "لاشين".
كان الحاضرون يترقّبون برهة تاريخية في السينما المصرية، غير مدركين أن هذا العرض السينمائي سيكون الأول والأخير لنسخة الفيلم الأصلية. قبل انقضاء الليل، أصدر وزير الداخلية، حسن باشا، أمراً بمنع الفيلم، معتبراً إياه "مخالفاً للنظام الملكي السائد"، وخشية من تأثيره على الانتخابات البرلمانية المرتقبة.
وسط هذه العاصفة، وقف بطل الفيلم، حسن عزت، مصدوماً. الرجل الذي ترك هوليوود وعاد إلى وطنه ليساهم في تأسيس صناعة سينمائية ناشئة، وجد نفسه فجأة في مواجهة منظومة رقابية صارمة أجبرته على اتخاذ قرار سيغيّر مسار حياته إلى الأبد.
من الإسكندرية إلى هوليوود
-
حسن عزت
ولد حسن عزت في 4 نيسان/أبريل عام 1905 في مدينة الإسكندرية، المدينة المصرية الكوزموبوليتانية المطلة على البحر المتوسط. كانت الإسكندرية آنذاك ملتقى الثقافات والحضارات، ومركزاً للفنون والآداب، ممّا وفّر بيئة خصبة لفتى طموح مثله. نشأ عزت وترعرع في هذه المدينة، وأكمل تعليمه في المدرسة العباسية الثانوية حتى تخرّج منها عام 1926.
بعد تخرّجه، لم يسلك عزت المسار التقليدي لشاب مصري في عشرينيات القرن الماضي. بدلاً من ذلك، اتخذ قراراً جريئاً بالسفر إلى الولايات المتحدة، حيث التحق بالعمل في استوديوهات هوليوود. كانت هذه خطوة غير مسبوقة لشاب مصري في ذلك الوقت، خاصة مع قلة وجود عرب في صناعة السينما الأميركية.
يفتقر الأرشيف التاريخي لتفاصيل دقيقة عن الفترة التي قضاها عزت في هوليوود قبل عودته إلى مصر. لكن ما نعرفه أنه عمل في الاستوديوهات وتعلّم أصول صناعة السينما في أكبر مركز للإنتاج السينمائي في العالم. كان ذلك في وقت كانت فيه السينما الأميركية تتعامل مع العرب وفق صور نمطية سلبية، حيث صوّرتهم أفلام العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، تجّار عبيد ومتوحّشين وشيوخاً أشرار مهووسين بالنساء الأوروبيات.
العودة إلى مصر: ملحمة "لاشين"
-
الملصق الترويجي لفيلم "لاشين"
في العام 1938، وبعد سنوات من العمل في هوليوود، عاد حسن عزت إلى مصر بدعوة من "استوديو مصر للسينما"، الذي أسسه رجل الأعمال والاقتصادي المصري، طلعت حرب. كان استوديو مصر يطمح لإنتاج فيلم ضخم يضاهي الإنتاجات العالمية، ووقع الاختيار على عزت ليؤدّي دور البطولة في فيلم "لاشين"، وهو فيلم تاريخي يدور في القرن الــ 12.
كان "لاشين" مشروعاً طموحاً للسينما المصرية الناشئة. هكذا استعان الاستوديو بالمخرج الألماني، فريتز كرامب، وكتب الحوار الشاعر أحمد رامي، وشارك في البطولة إلى جانب عزت كلّ من حسين رياض ونادية ناجي وفؤاد الرشيدي وعبد العزيز خليل وحسن البارودي. ووصل عدد المشاركين في الفيلم إلى 10 آلاف ممثّل وممثّلة، وهو رقم كبير يعكس ضخامة الإنتاج.
تدور أحداث الفيلم حول "لاشين"، قائد الجيش العادل الذي يقف في وجه رئيس الوزراء الفاسد الذي يستغلّ سلطته في تحقيق مكاسب شخصية على حساب الشعب. يحاول لاشين تنبيه السلطان لفساد رئيس الوزراء، فيعمل الأخير على تلفيق تهمة له وإيداعه السجن، مما يثير غضب الشعب الذي يثور مطالباً بالعدالة.
النسخة الأصلية للفيلم كانت تنتهي بانتصار الشعب وخلع السلطان، وهي نهاية اعتبرتها الرقابة المصرية تحريضاً على النظام الملكي القائم. هكذا تمّ منع الفيلم بعد عرضه الأول، واضطر صنّاعه إلى تغيير النهاية ليبقى السلطان في منصبه ويقف مع الشعب ضدّ رئيس الوزراء الفاسد، مما سمح بعرضه مرة أخرى في 14 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1938.
شكّلت تجربة الرقابة هذه صدمة كبيرة لحسن عزت، الذي اعتاد العمل في هوليوود. وفقاً لبعض المصادر، فقد صرّح قائلاً إن: "جميع الصعوبات التي واجهتها في الولايات المتحدة لا يمكن مقارنتها بالصدمة التي تلقّيتها عند إيقاف فيلم لاشين". هذه الصدمة دفعته لاتخاذ قرار بمغادرة مصر نهائياً والعودة إلى هوليوود.
العودة إلى هوليوود: أول مصري على الشاشة الأميركية
-
حسين رياض في لقطة من فيلم "لاشين"
بعد تجربته المريرة مع الرقابة المصرية، عاد حسن عزت إلى هوليوود ليكون بذلك أول ممثّل مصري يعمل في صناعة السينما الأميركية. كان هذا إنجازاً مهماً في حدّ ذاته، لكنه لم يحظ بالشهرة التي نالها عمر الشريف لاحقاً، ربما لاختلاف الظروف وطبيعة الأدوار المتاحة.
ظهر عزت في 3 أفلام هوليوودية بأدوار صغيرة غير معتمدة (غير مذكورة في الاعتمادات الرئيسية): هي "Reap the Wild Wind" عام 1942 حيث لعب أدّى "كوبي على سفينة تشارلستون"، و"Background to Danger" عام 1943 حيث أدّى دور "قائد أوركسترا تركي"، و"Intrigue" عام 1947 حيث أدّى دور "مساعد كاريديان".
عمل عزت خلال هذه الفترة مع نجوم كبار من هوليوود مثل جاري كوبر، وجوان بينيت، مما يدلّ على أنه استطاع الوصول إلى مستوى معيّن من العمل في السينما الأميركية، رغم محدودية الأدوار المتاحة له. علماً أنّ عزت لم يكن أول ممثل عربي في هوليوود، فقد سبقه الممثل السعودي، خليل الرواف، الذي ظهر في فيلم "Cover the War" مع النجم جون واين عام 1937. لكنّ عزت يظل الأول من مصر، وأحد الروّاد العرب الأوائل الذين شقّوا طريقهم إلى هوليوود.
عمل عزت في هوليوود خلال فترة عصيبة بالنسبة لتمثيل العرب على الشاشة الأميركية. ففي الأربعينيات، استمرت الصور النمطية السلبية للعرب في أفلام مثل "الطريق إلى المغرب" (1942) و"Lost in a Harem (1944)". كانت هذه التحدّيات تضاف إلى صعوبة الحصول على أدوار مهمة كممثّل أجنبي في نظام استوديوهات هوليوود.
تأثير "لاشين": النبوءة السينمائية
-
ما يزيد من أهمية "لاشين" التاريخية كونه تنبّأ بثورة 1952 قبل وقوعها
رغم قصر تجربة حسن عزت السينمائية في مصر، إلا أنّ فيلمه "لاشين" ترك بصمة لا تمحى في تاريخ السينما المصرية. ويُصنّف النقّاد الفيلم في المرتبة الـ 22 ضمن أفضل الأفلام المصرية على مرّ التاريخ، ويدرجونه ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية. حتى أنّ البعض يذهب أبعد من ذلك، معتبرين أنّ "لاشين" و"العزيمة" أفضل فيلمين في كلّ تاريخ السينما المصرية الممتد لــ 100 عام.
ولعل ما يزيد من أهمية "لاشين" التاريخية كونه تنبّأ بثورة 23 تموز/يوليو 1952 قبل وقوعها بنحو 14 عاماً. فالفيلم، بنسخته الأصلية قبل تعديلات الرقابة، صوّر ثورة شعبية ضدّ الحاكم الفاسد والمنظومة التي تحيط به، وهو بالضبط ما حدث في ثورة الضباط الأحرار عام 1952 التي أطاحت بالنظام الملكي. هذا البعد التنبّؤي منح الفيلم قيمة إضافية تتجاوز قيمته الفنية، وجعله وثيقة تاريخية وسياسية مهمة.
وتمثّل قصة منع "لاشين" ثمّ إعادة إنتاجه بنهاية مختلفة نموذجاً مبكراً للعلاقة المعقّدة بين السينما والسلطة في مصر. كان الفيلم، بطريقة ما، ضحية لواقعيته وجرأته، حيث تجاوز الخط الأحمر الذي وضعته السلطة للتعبير الفني. المفارقة أن محاولة إسكات الفيلم منحته، على المدى الطويل، صوتاً أعلى وتأثيراً أكبر.
الحياة بعيداً عن الأضواء
-
اختار حسن عزت حياة بعيدة عن الأضواء
بعد ظهوره في فيلم "Intrigue" عام 1947، لا نجد معلومات كثيرة عن مسيرة حسن عزت المهنية. يبدو أنه اختار حياة بعيدة عن الأضواء، ولم تسجّل المصادر المتاحة أيّ أدوار أخرى له في السينما الأميركية أو المصرية. ربما كان هذا الغياب عن الساحة الفنية نتيجة لصعوبة الحصول على أدوار مناسبة كممثّل عربي في هوليوود، أو ربما كان قراراً شخصياً منه للابتعاد عن عالم التمثيل.
لكن ما نعرفه أنّ عزت ظلّ مقيماً في الولايات المتحدة حتى وفاته في 18 شباط/فبراير 2001 في نيويورك (وفقاً لبعض المصادر)، أو لوس أنجلوس (وفقاً لمصادر أخرى) عن عمر يناهز 95 أو 96 عاماً.