هل يتحد أفرقاء ليبيا خشية التدخلات الخارجية؟

تدحرُجُ المشهد الليبي نحو الصراع الشامل محكوم بجملة معطيات، تُعَدّ هي الضابطة لمسار الصراع ومستوياته، وعلى رأس تلك المعطيات معادلة توازنات القوة القائمة بين الأطراف، في شقيها السياسي والعسكري.

0:00
  • إيقاع التصعيد القائم في المشهد الليبي.
    إيقاع التصعيد القائم في المشهد الليبي.

تدحرجت الأزمة السياسية الليبية حتى وصلت في آخر فصولها إلى مغادرة محافظ البنك المركزي الليبي، الصديق الكبير، البلاد، في الـ30 من آب/أغسطس 2024. وقال لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إنه وعدداً من الموظفين الكبار في البنك أُجبروا على مغادرة البلاد لحماية أنفسهم من "هجمات محتملة من جانب ميليشيات مسلحة". وقال الكبير إن "الميليشيات تهدّد وترعب موظفي البنوك، وأحياناً تقوم باختطاف أطفالهم وأقربائهم لإجبارهم على الذهاب إلى العمل".

تُعَدّ قضية محافظ البنك المركزي الليبي محور الأزمة السياسية الأخيرة بين الحكومة الليبية في شرقي ليبيا وحكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دولياً، وتدحرجت الأزمة إلى توقّف معظم إنتاج النفط في البلاد.

ومنذ إطاحة معمر القذافي عام 2011، فإن الفوضى السياسية والصراع على موارد البلاد هما الصفة الغالبة على المشهد الليبي ومحدداته الداخلية والخارجية. وجرت عدة لقاءات من أجل إنهاء الخلافات بين الفرقاء، وتم التوصل في عام 2020 إلى اتفاق على وقف لإطلاق، وبدأ الفرقاء التحرك نحو إعادة توحيد الدولة في الفترة التي سبقت الانتخابات التي كان مقرراً إجراؤها في كانون الأول/ديسمبر 2021 في ظل حكومة الوحدة الوطنية الموقتة، بقيادة عبد الحميد الدبيبة. 

فشلت جهود التحرك نحو الوحدة وتعثرت جهود التسوية السياسية بين الفرقاء، وعاد الصراع على الوصول إلى موارد الطاقة وحقول النفط المحدد الأبرز في المشهد الليبي وأزمته السياسية، حتى ذهبت المواجهة الأخيرة إلى استعداء البنك المركزي والسيطرة عليه في صراع التنافس القائم.

وبالتالي، فإنه إذا لم يستشعر الفرقاء خطورة ما يحدث في المشهد الليبي من تدحرج للصراع وتبعاته، وتعطلت الجهود الدبلوماسية الدولية، وقُطعت الطريق على أي حلول ممكنة، بما فيها الذهاب إلى الانتخابات، فإن الاحتكام إلى السلاح والقوة، من أجل حسم الخلاف على حقول النفط والبنك المركزي، قد يكون السيناريو الاضطراري.

لكن ما يحول دون ذلك هو خشية الأطراف من الانزلاق إلى الاشتباك، وهو ما لا يخدم مصالح أي طرف في ظل عدم قدرة أي طرف على حسم الصراع لمصلحته. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن المشهد الليبي بمكوناته وخلافاته لا يمكن فصله أو عزله عن التطورات والمتغيرات الدولية القائمة والمحيطة بليبيا. وهو ما تعكسه الدعوات الأميركية والأممية إلى ضرورة خفض حدة التوتر في ليبيا، وإيجاد حل لأزمة البنك المركزي، وإنتاج النفط المتوقف.

تدحرُجُ المشهد الليبي نحو الصراع الشامل محكوم بجملة معطيات، تُعَدّ هي الضابطة لمسار الصراع ومستوياته، وعلى رأس تلك المعطيات معادلة توازنات القوة القائمة بين الأطراف، في شقيها السياسي والعسكري. وبالتالي، عند كل وصول إلى حافة الصراع والاشتباك بين الفرقاء، تحدث حالة من الرجوع والتراجع إلى تغليب الاستقرار من دون التدحرج لإشعال الميدان بين الفرقاء.

على الرغم من تثبت معادلة توازنات القوة بين الأطراف الليبية، فإن هذه المعادلة قد تتغير مع تغير حسابات الأطراف الخارجية، وحصوصاً أن المشهد الليبي بات على قارعة تقاطعات مصالح فاعلين إقليميين ودوليين. وبالتالي، قد تدفع هذه الأطراف في اتجاه دحرجة المشهد في ليبيا إلى التصعيد نحو الاشتباك الشامل، ولاسيما في ظل الأزمات الاقليمية المحيطة بليبيا والصراع على النفوذ في منطقة الساحل الأفريقي. 

التدحرج في المشهد الليبي نحو الصراع العسكري لا يبدو مستحيلاً، حتى إن كانت الأطراف لا ترغب في ذلك، ولاسيما أنه، في خلفية المشهد، بدأ بعض اللاعبين داخل ليبيا وخارجها التحرك صوب احتمالات التصعيد، وقد لوحظت كثافة حركة طائرات الشحن العسكري التركية في ليبيا، وتحديداً قاعدة "الوطية" الجوية غربي ليبيا.

واشنطن هي الأخرى بدأت التحرك على الأرض، لتأمين حضورها ووجودها في الغرب الليبي، من خلال الاتفاق مع حكومة الدبيبة على تخصيص مرافق لتمركز عناصر تابعة للقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، "أفريكوم"، أو عن طريق فتح قنوات تواصل مع بعض الكتائب والتشكيلات المسلحة في المنطقة الغربية الليبية.

ولوحظت عدة تحركات عسكرية أميركية في الغرب الليبي مؤخراً، ورُصد وصول عدد من عناصر الشركة الأمنية الأميركية "أمینتیوم"، إلى ليبيا مؤخراً، بموجب اتفاق مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، على توفير التدريب لمجموعات مسلحة متعددة في العاصمة طرابلس، وخصوصاً ثلاثة ألوية مسلحة رئيسة، هي اللواء "444" واللواء "111" واللواء "166".

مظاهر العسكرة في المشهد الليبي تفتح المشهد على كل الاحتمالات، وإن كانت حظوظ احتواء التصعيد أكبر من دحرجته وتمدده. واستدعاء البنك المركزي إلى قلب التنافس يهدف، من بين جملة أهداف، إلى استعراض القوة وتثبيت الولاءات في الغرب الليبي، أكثر مما يهدف إلى الذهاب نحو التصعيد. وبالتالي، إذا ضمن كل طرف نصيبه من الموارد والمغانم، فإن انحسار التصعيد وارد جداً، ذلك بأن أطراف الصراع لا تريد منافسة أي طرف خارجي لها أو مزاحمته، في إدارة موارد البلاد. 

وبالتالي، فإن الخشية من التدخلات الخارجية قد تكون عاملاً مركزياً مهماً جداً في ضبط إيقاع التصعيد القائم في المشهد الليبي. وقد تدفع في اتجاه الذهاب الإجباري والاضطراري إلى الوحدة، لا بسبب قناعة وإرادة سياسية حرة، لكن لأن دخول الاطراف الخارجية وتدخلها يعنيان أن الفرقاء في ليبيا لن يكون في مقدورهم ضبط إيقاع التصعيد إن حدث، ولن تراعى مصالحهم، ويتحول الصراع الداخلي بين الفرقاء إلى وجود عسكري أجنبي في ليبيا.

إن محدد الخشية من التدخل العسكري في ليبيا يُعَدّ محل اتفاق بين الفرقاء، وكابحاً للتصعيد ومدخلاً للوحدة على رغم صعوبتها، وإن احتواء الصراع على البنك المركزي وحقول النفط يبدو ممكناً مقارنة بتداعيات حدوث سيناريو التدخل الخارجي. وبدا رفض التدخل الخارجي واضحاً فيما ذهبت إليه لجنتا الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، عبر الرفض القاطع لأيّ وجود عسكري أجنبي في أراضي البلاد.

وطالبت اللجنتان، في بيان، بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بـ"إطلاق حوار بين مجلسي النواب والدولة يُفضي إلى توحيد السلطة التنفيذية والمناصب السيادية لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية". كما دان البيان "الاعتداء على مصرف ليبيا المركزي وتغيير إدارته بالقوة من دون سند قانوني"، واصفاً ذلك بأنه "تهديد للأمن القومي وكيان الدولة" في ليبيا.

وفي طريق الذهاب إلى الوحدة واحتواء التصعيد، أعرب رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، عن ترحيبه ببيان مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في ليبيا. وجدد دعوته رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، إلى إعادة النظر في قراره إيقاف العمل بالاتفاق السياسي من جانب واحد، مؤكداً ضرورة معالجة الآثار المترتبة على هذا القرار. كما أعلن رئيس المجلس الرئاسي قبول المجلس دعوةَ بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بخصوص المشاركة في حوار وطني لمعالجة مسألة المصرف المركزي، مشترطاً أن يكون وفقاً للمادة الرابعة، والفقرتين الخامسة والسابعة، من خريطة الطريق الصادرة عن ملتقى الحوار السياسي.

وبشأن الانتخابات، أضاف محمد المنفي، في تغريدته، أن المجلس الرئاسي يؤيد مواصلة العمل على ما أنجزته لجنة 6+6. ودعا المنفي إلى اللجوء إلى خيار استشارة الشعب بشأن المواد الخلافية المتبقية، مؤكداً أن ذلك يمثل وسيلة للوصول إلى توافق وطني، بهدف إجراء انتخابات عامة قبل الـ17 من شباط/فبراير 2025.