هل تحدّد "غريزة" ترامب مصير الحرب الإسرائيلية؟
ترامب مقتنع بأن غريزة البقاء لدى الولايات المتحدة يجب أن تكون بالتخفّف من الأعباء المالية التي تصرف على حروب خارجية وبعيدة كلّ البعد عن حدود بلاده المهووس بها.
كان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أوّل من سارع إلى تهنئة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالفوز الذي وُصِف "بالتاريخي" و"الساحق" في رئاسيات أميركا 2024.
ليس شرطاً أن تكون هذه السرعة منبعها "الصداقة" التي يتغنّى بها نتنياهو والتي تجمعه مع ترامب، ولا حتى الهدايا السياسية التي سبق لترامب أن قدّمها لـ "تل أبيب" في ولايته الأولى.
فهناك الكثير من التطورات والمعطيات الجديدة خلال الأعوام الأربعة الفائتة، والتي سيُبنى عليها لمعرفة مسار الولاية الحالية، وإن كانت شخصية الرئيس الأميركي من النوع الذي يصعب التنبؤ بخطواتها وردود أفعالها.
على سبيل المثال، مما لا شك فيه بأن ترامب لم ينسَ تهنئة نتنياهو للرئيس الأميركي جو بايدن العام 2020 ووصفه إياه "بالصديق العظيم لإسرائيل" الذي تجمعه معه "علاقات دافئة طوال 40 عاماً"، وهذا ما قد يترتّب عليه عتب "فعليّ" غير ذلك الكلاميّ الذي أسمعه ترامب لرئيس حكومة الاحتلال. ومما لا شك فيه بأن الأخير لم ينسَ ما نصحه به ترامب "بضرورة إنهاء الحرب في غزة" قبل أن يصل إلى الرئاسة.
إلى حين دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، من المنتظر (والمفترض) أن يقرأ تقارير لا تعدّ ولا تحصى عمّا جرى ويجري في المنطقة، وأن لا يكون رهينة محادثات واتصالات نتنياهو له فقط. فالتسريبات المتتالية والإقالات الحاصلة وتلك المنتظرة من شأنها أن تضع "تل أبيب" على صفيح ساخن قد يحوّل الجبهة الداخلية إلى حرب لا تقلّ ضراوة عن تلك الدائرة جنوباً وشمالاً.
في استطلاع للرأي للقناة 12 العبرية، ما يشير إلى تغيّر المزاج الإسرائيلي إزاء التطورات الداخلية، وهذا من شأنه أن يطيح بأسهم نتنياهو التي ارتقعت يوم تمكّن من توجيه ضربات مؤلمة للمقاومة في كل من لبنان وغزة.
يكشف الاستطلاع بأن 55% من الجمهور الإسرائيلي يرى أن الحرب في غزة مستمرة لاعتبارات سياسية، وأن %58 من هذا الجمهور لا يثق بنتنياهو بعد إقالته لوزير الأمن يوآف غالانت، وأن %62 من الإسرائيليين يعتقدون أن وزير الأمن الجديد يسرائيل كاتس غير مناسب للمنصب، وأن %45 أعربوا عن تشاؤمهم بشأن مستقبل "إسرائيل كدولة ديمقراطية".
هذا ليس كل شي، هناك في "إسرائيل" من هو واثق بأن ترامب لن يتحمّل مواصلة نتنياهو لحربه. الكاتب الإسرائيلي إران ياشيف وفي مقال له في صحيفة "هآرتس" العبرية يقول "إن من مصلحة ترامب إزاحة نتنياهو من السلطة، لأنه شخص يحتاج إلى اهتمام ورعاية ودعم مستمر. وتابع "إن نتنياهو بنظر الأميركيين يحتاج إلى صيانة عالية، فـ "إسرائيل تلقّت ما يقرب من 18 مليار دولار من المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة على مدار العام الماضي". وكما أصبح الجميع يعلم بأن هذه المساعدات ليست إلا أموال دافعي الضرائب الأميركيين.
وإن دلّ هذا الأمر على شيء، فهو يدل على أن الحروب المفتوحة التي قادتها وموّلتها وسلّحتها إدارة بايدن ليست من الصفقات الرابحة التي يحبها ترامب رجل الأعمال، على العكس تماماً فهي تثقل من كاهل الاقتصاد الأميركي، ما يضع ترامب في تناقض بين فرضيّته الأساسية (أميركا أولاً، وبالتالي كراهيته للمساعدات الخارجية) والاستمرار في الدعم اللانهائي لنتنياهو.
إذا عدنا إلى كتاب "الحرب" لبوب وودوارد الصادر حديثاً، نتلمّس جانباً من شخصية ترامب التي يحاول الإعلام التقليدي وتحديداً الأميركي طمسها والقفز فوقها.
يقول ترامب في مقابلة أجراها وهو في سن الـ 45 إنه "يتحدّث إلى أيّ شخص، وهذا ما يسمّيه هو نفسه استطلاعاً، فهو يتحدّث إلى عمال البناء وسائقي سيارات الأجرة وإلى الجميع، فهؤلاء هم الأشخاص الذين يتفق معهم". وفي هذه الجزئية ما يدلل على أنه لن يستمع إلى طرف بعينه دون الآخر، تحديداً فيما يتعلّق بـ "إسرائيل".
وبالتالي من المرجّح أن يتحرّك استناداً إلى انطباعاته لا بناءً على ما تزوّده به مجمعات التفكير في الولايات المتحدة.
في المقابلة نفسها، يقول إن صفقاته الرابحة كانت تعتمد على "الغريزة"، حتى لو ناقضت "غريزته كل ما يقوله الجميع من حوله، والهدف بالنسبة له دائماً هو "الفوز والقتال والبقاء على قيد الحياة".
وهنا بيت القصيد، من خلال تصريحاته المتكررة من الواضح بأن ترامب مقتنع بأن غريزة البقاء لدى الولايات المتحدة يجب أن تكون بالتخفّف من الأعباء المالية التي تصرف على حروب خارجية وبعيدة كلّ البعد عن حدود بلاده المهووس بها.
أما كيف سيقوم بذلك، فربما من خلال الشخصيات المتعددة المختصرة في شخصه.
يقول في مقابلته "يجب أن تكون لبعض الناس مقاتلاً، وللبعض الآخر كالحلوى، ولآخرين كليهما، قاتلا ولطيفاً".
وهذا ربما ما سيكون عليه دونالد ترامب، لننتظر ونرَ!