هل تتغير سياسة كوريا الجنوبية تجاه الصين بعد انتخاب الرئيس لي جيه ميونغ؟

زيارة الرئيس شي إلى كوريا الجنوبية ستعتمد على التطورات التي تطرأ في علاقة بكين مع سيول، التي من المحتمل أن تتعرض لضغوطات من قبل الرئيس دونالد ترامب لتقليل تعاونها مع الصين.

0:00
  • يميل الرئيس الكوري الجنوبي الجديد إلى إقامة علاقات مستقرة ومتينة مع الصين.
    يميل الرئيس الكوري الجنوبي الجديد إلى إقامة علاقات مستقرة ومتينة مع الصين.

بعد فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانتخابات الأميركية، بدأ الرئيس الكوري الجنوبي السابق، يون سوك يول، بممارسة رياضة الغولف لأول مرة منذ سنوات، استعداداً لاجتماعاته المقبلة مع الرئيس ترامب والاستفادة من صداقته الشخصية معه لتعزيز مصالح سيول.

إلا أن الحظ لم يحالف يون الذي أدى فرضه الأحكام العرفية لفترة قصيرة خلال شهر كانون الأول / ديسمبر الماضي إلى إثارت الاضطرابات في البلاد وعزله من قبل المحكمة الدستورية.

وبعد إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة فاز لي جيه ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي الليبرالي، بالانتخابات الرئاسية بعد حصوله على ما يقرب من 50% من أصوات الناخبين.

ينتظر الرئيس الكوري الجنوبي الجديد تحديات داخلية وخارجية، لاسيما انعاش اقتصاد البلاد، والتفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على السلع الكورية وبلغت نسبتها 25%  ثم علقها لاحقاً لمدة 90 يوماً إفساحاً بالمجال أمام المفاوضات التجارية، والرسوم على الصلب والألمينيوم التي بلغت نسبتها 50%.

فوز لي بالرئاسة كان متوقعاً لأسباب عدة منها تراجع شعبية حزب قوة الشعب بعد فرض الرئيس المعزول للأحكام العرفية، والدور الذي لعبه لي بعد فرض الرئيس السابق يون للأحكام العرفية، فضلاً عن أن نتائج الاستطلاعات التي جرت قبيل الانتخابات كانت تشير إلى تقدم لي على جميع المرشحين.

بعد انتخاب لي جيه ميونغ سارعت الولايات المتحدة الأميركية إلى تهنئته بالفوز، وأجرى الرئيس ترامب اتصالاً هاتفياً به حيث اتفق الرئيسان على العمل للتوصل إلى اتفاق سريع بشأن التعريفات الجمركية. 

مما لا شك فيه أن فوز لي أثار قلق واشنطن التي كانت تفضل فوز المرشح من حزب قوة الشعب الذي يميل إلى تعزيز التحالف معها. فخلال عهد يون سوك يول، عُقد التحالف بين الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية واليابان والذي كان موجهاً بالأساس نحو الصين وكوريا الشمالية.

قلق الولايات المتحدة الأميركية من التقارب الكوري الجنوبي مع الصين، ظهر من خلال تصريحات أحد مسؤولي البيت الأبيض في تعليقه على انتخابات الرئاسة في كوريا الجنوبية إذ صرّح بأن كوريا الجنوبية أجرت انتخابات حرة ونزيهة، إلا أن واشنطن قلقة من تدخل الصين ونفوذها، وهي ليست المرة الأولى التي تتهم فيها بكين بالتدخل في شؤون سيول إذ سبق للرئيس الكوري الجنوبي المعزول يون سوك يول أن صرّح مراراً بتدخل الصين بشؤون كوريا الجنوبية وهو ما نفته بكين بشكل قاطع.

يميل الرئيس الكوري الجنوبي الجديد إلى إقامة علاقات مستقرة ومتينة مع الصين، وقد عبّر مراراً في تصريحاته عن ذلك، لكنه بالمقابل سيعمل على تعزيز التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية ـ بمعنى أنه سيطور علاقاته الاقتصادية مع الصين التي هي الشريك التجاري الأكبر لسيول، ويعزز تحالفه الأمني مع الولايات المتحدة الأميركية.

 ولكن مهمة لي لن تكون سهلة وستعترضها عقبات خاصة في ظل التنافس بين الصين والولايات المتحدة الأميركية التي ستضغط على كوريا الجنوبية للابتعاد عن الصين عبر فرض الرسوم الجمركية عليها ، أو تقليص عدد القوات الأميركية في كوريا الجنوبية، أو تعليق التدريبات العسكرية معها، أو من خلال تقديم الاغراءات لها كان تكون وسيط في المفاوضات بين واشنطن وبيونغ يانغ إن تمت المباحثات كما حدث مع الرئيس السابق مون جيه إن.

لطالما كان موضوع تقاسم تكاليف استضافة القوات الأميركية في الدول الحليفة موضوعاً مفضلاً للرئيس ترامب منذ ولايته الأولى. وحالياً يجمع ترامب بين مفاوضات التجارة والرسوم الجمركية وتقاسم تكاليف الدفاع في اتفاقية شاملة واحدة أطلق عليها اسم التسوق الشامل.

 وسبق للرئيس الأميركي أن انتقد التكاليف التي تتحملها سيول تجاه استضافة القوات الأميركية، ووصف كوريا الجنوبية بأنها ماكينة نقود، وبالتالي سيلزم كوريا الجنوبية بزيادة مساهمتها في تحمل تكاليف القوات الأميركية الموجودة على أراضيها. وفي هذا الاطار أفادت تقارير مؤخراً أن الولايات المتحدة الأميركية تفكر في سحب 4500 جندي من قواتها في كوريا الجنوبية، ونقلهم إلى قاعدة جوام وغيرها من القواعد العسكرية في المنطقة، بالمقابل نفت كوريا الجنوبية أجراء محادثات مع الولايات المتحدة لسحب قواتها.

تقوم سياسة لي نحو الصين على إقامة علاقات مستقرة وعدم الدخول في تحالفات جديدة ضدها. وفيما يتعلق بتايوان فقد صرّح لي مراراً بأن التوترات في مضيق تايوان لا علاقة لكوريا الجنوبية بها وهذا الموقف يتناقض مع موقف سلفه الرئيس المعزول يون الذي قال عام 2023 أن قضية تايوان ليست قضية بين الصين وتايوان، بل هي قضية ككوريا الشمالية، قضية عالمية.

بدورها سارعت الصين أيضاً إلى تهنئة الرئيس لي بعد فوزه وأجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ اتصالاً هاتفياً به دعاه إلى تعزيز العلاقات بين البلدين، بينما طلب الرئيس الكوري الجنوبي أن تلعب الصين دوراً في إحلال السلام في شبه الجزيرة الكورية نظراً للعلاقة الوثيقة بين بيونغ يانغ وبكين.

وإذا كان الرئيس لي يسعى الى استقرار علاقات بلاده مع الصين، يبقى السؤال حول ما إذا كان الرئيس ترامب سيسمح بتعزيز علاقة سيول مع بكين؟

بالعودة إلى ولاية الرئيس الكوري الجنوبي السابق، مون جيه إن، الذي كان ينظر إليه على أنه زعيم مؤيد للصين، لم تتحسن العلاقات بين بكين وسيول خلال فترة ولايته، وإن كانت لم تصل إلى حد التوترات التي شهدتها العلاقات بين البلدين خلال فترة ولاية الرئيس المعزول يون.

فقبيل انتخاب مون قال أنه يجب تأجيل نشر نظام ثاد في كوريا الجنوبية، وأكد محاورو مون للصين أن مون سيتراجع عن قرار النشر بمجرد انتخابه. وعندما انتخب وصف نشر نظام ثاد بأنه مؤقت، وأمر بتعليق النشر الاضافي لقاذفة ثاد مشيراً إلى ضرورة إجراء تقييم للأثر البيئي. ولكن قبيل اجتمع قمة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى أكد مون أن نظام ثاد لن يلغى مما أثار استياء بكين. 

كما أن الرئيس الصيني لم يقم بزيارة لكوريا الجنوبية خلال فترة ولاية مون وهو ما فُسر على أنه انعدام ثقة بكين بالرئيس مون لعدم تراجعه عن قرار نشر نظام ثاد وأسلوب تعاطيه مع هذا الملف.

أشارت الصين إلى احتمال زيارة الرئيس الصيني لكوريا الجنوبية لحضور قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ المقرر عقدها في كوريا الجنوبية خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر القادم. وفي حال نجاح هذه الزيارة، ستكون أول زيارة للرئيس شي إلى كوريا الجنوبية منذ زيارته الأخيرة عام 2014 في عهد إدارة بارك كون هيه المحافظة.

زيارة الرئيس شي إلى كوريا الجنوبية ستعتمد على التطورات التي تطرأ في علاقة بكين مع سيول، التي من المحتمل أن تتعرض لضغوطات من قبل الرئيس دونالد ترامب لتقليل تعاونها مع الصين لاسيما في مجال أشباه الموصلات.