آليات عمل شنغهاي... هل تكفي لمواجهة الأحادية الغربية؟
منظمة شنغهاي والتحالف الذي يسير في ظلها، قد يكون منطلقاً لترتيب واقع العلاقات الدولية وفق آليات تأسيس تقدم نموذجاً مختلفاً عن النموذج الذي حاول الغرب أن يظهره على أنه نهاية للتاريخ.
-
منظمة شنغهاي قد نجحت في بلورة نموذج متكامل للمواجهة على مستوى القيم.
ينظر العديد من المراقبين إلى التكتلات الاقتصادية والسياسية، التي تعمل على تطويرها كل من روسيا والصين والعديد من الدول الأخرى التي تتقاطع مصالحها حول ضرورة تكريس عالم متعدد الأقطاب، على أنها تملك الظروف الموضوعية التي تمكنها من تحقيق الهدف المرتجى منها، أي تغيير واقع النظام الدولي وترتيبه، وفق أسس التعددية التي من الممكن أن تؤدي إلى إرساء السلم والأمن الدوليين بطريقة أفضل وأكثر كفاءة من النظام الحالي، الذي لم يخرج بشكل كامل من تحت العباءة الأحادية الأميركية أو الغربية بأقل تقدير.
بطبيعة الحال، يمكن القول إن هذه التكتلات قد تكون قادرة على تحقيق هذا الهدف، إذا توفرت لها شروط موضوعية وواقعية، يمكن التشكيك في توافرها اليوم. فالإطار النظري الذي يعمل وفقه متخذو القرار الروسي والصيني وغيرهما، قد يشكل البناء التحتي الضروري لتحقيق هذا الهدف.
غير أن نقاط استفهام كثيرة قد تفرض نفسها متى تم الانتقال في البحث في مدى فاعلية آليات التطبيق. بالطبع، يفترض ألّا يشّكل هذا الاستنتاج انتقاصاً من الجهد المبذول دولياً، من أجل التخلص من آفة الأحادية الأميركية، التي برهنت في السنوات الأخيرة أنها لن تلتزم بسهولة بقواعد السلوك التعددي، وإنما يجب أن يُدرج في إطار الجهد الضروري لتطوير آليات العمل الجماعي، بحيث تكون قادرة على ردع التحرك الميداني الأميركي في الجبهات المشتعلة عسكرياً أو أمنياً.
في هذا الإطار قد تكون المقارنة بين آليات شنغهاي أو البريكس، وبين حلف النيتو أو الالتزامات التي يضمنها التحالف بين الولايات المتحدة وبين كل من الاتحاد الأوروبي والحلفاء الآخرين في آسيا وباقي أصقاع الأرض، ضرورية لتقدير ميادين النقص في الجهد المبذول من قبل الدول المناهضة للأحادية الأميركية.
فعلى الرغم من الأهمية الفائقة لمنظمة شنغهاي، التي يبلغ عدد سكان أعضائها أكثر من 3،5 مليارات نسمة، مع ناتج اقتصادي يتخطى ربع الناتج العالمي، فضلاً عن الامتداد الجغرافي الذي يضم أكثر من 60% من أوراسيا مع عدد من الدول الشريكة في الحوار، كمصر وتركيا ودول الخليج العربية وغيرها، من دون أن ننسى ما وصلت إليه هذه المنظمة من تعميق لعلاقات أعضائها فيما بينهم، وإصرارها على استغلال هذه العلاقات من أجل التحرر من الهيمنة الغربية والأميركية، فإن الجهد المبذول لتخطي عائق تحولها إلى أداة فاعلة قادرة على الردع والمبادرة، حين يلزم، ما دام دون المستوى المطلوب.
فمن مميزات الردع والمبادرة أن تكون المنظمة بشكلها المؤسسي أو التحالف بشكله الواقعي، قادرة على خلق آليات تنسيق مؤسسية قوية، قادرة على إنتاج قراراتها بشكل سريع يدلل على وحدة الرؤى والأهداف، من دون أن يكون لأي طرف القدرة على إعاقة تحركها.
وعليه، فإن هذا الواقع يتطلب إيمان مجموع الدول بنهائية الكيان المؤسسي المستهدف بناؤه، وعدم السعي لتعميق العلاقات خارج أطره، متى كانت هذه العلاقات ستؤثر على فاعليته. فبعض الدول التي ترى في الولايات المتحدة والغرب إطاراً حاكماً لعلاقاتها الدولية ودورها الدولي والإقليمي، قد تؤثر سلباً على فاعلية هذا البناء المؤسسي، تماماً كما هي حال بعض الدول الخليجية أو تركيا أو حتى مصر. بالتوازي، يُفترض العمل على تخطي الخلافات الثنائية، كما بين الهند وباكستان، أو البحث في كيفية توحيد الرؤى، حيث إن الصين على سبيل المثال، تستهدف العمل على التنمية والاقتصاد، في حين أن روسيا تركز على الأمن.
من ناحية أخرى، يشكل التكامل الاقتصادي بين دول أي تحالف أو مجموعة تستهدف تغيير موازين قوى عالمية، عنصراً أساسياً يمكن من خلاله التأثير في المحيط الخارجي، وفي ضمان عدم اختراق المجموعة من خلال بعض الإغراءات، التي قد تكون سبباً في انتقال بعض القوى أو الدول من ضفة إلى أخرى. حتى الآن لم تقدم آليات شنغهاي ما يمكن أن يسهم في تحقيق تنمية متوازنة تشكل شرطاً لازماً لإظهار القوة والتماسك.
فعلى الرغم من أن المنظمة قد نشأت عام 2001، فإنها في عام 2025 فقط، في اجتماعات تيانجين الأخيرة، قد اكتفت بإقرار البدء بمشاورات بشأن قواعد عمل بنك للتنمية، كان من المفترض أن يكون فاعلاً منذ نشأة المنظمة. وإذا قارنّا نشاطها مع نشاط المنظومة الغربية في هذا الإطار، فإن مؤسسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التي تشكل أداة للهيمنة المالية والنقدية العالمية، تشكل نموذجاً متقدماً جداً لا يمكن مقارنته بجهد شنغهاي في هذا الإطار، رغم كل ما تمتلكه دول المنظمة من مقدرات طاقوية وموارد طبيعية وتقدم تكنولوجي.
أما فيما يتعلق بالقدرة على التأثير، فيمكن القول إن منظمة شنغهاي قد نجحت في بلورة نموذج متكامل للمواجهة على مستوى القيم، لناحية احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ومحاربة الإرهاب والتطرف، وترويج فكرة التعددية ورفض الهيمنة والتسويق للتنمية العالمية، من دون أن ننسى رفضها للتسويق للقيم المحلية باعتبارها عالمية، تشكل معياراً لتصنيف الدول وتقييم سلوكها.
غير أن ما ينقص في هذا المجال هو القدرة على الاستجابة للأزمات بشكل سريع وفاعل وحاسم. فإمكانية تبني قرارات بفرض عقوبات أو مقاطعة دولة معينة، نتيجة سلوك شاذ، ما زالت مفقودة. هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فتبرز خشية أكثر دول المنظمة، من التعرض لعقوبات أميركية أو غربية، بما يجعلنا نلاحظ مدى مراعاتها في علاقاتها للمحاذير التي تفرضها الولايات المتحدة.
فالخشية من المواجهة ما زالت سمة حاكمة لأكثر أعضاء المنظمة. هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فيبرز غياب المنظمة في مواجهة التهديدات التي قد تحيط بإحدى دولها. ففي مواجهة الكيان الإسرائيلي الذي اعتدى على الجمهورية الإسلامية، كان غياب منظمة شنغهاي سمة بارزة، من دون أن ننسى أن هذا الغياب كان سمة المنظمة البارزة أيضاً في مواجهة المحور الذي يحارب روسيا، ويحاول إنهاكها وإسقاطها من خلال استنزافها أو هزيمتها في أوكرانيا.
وإذا كانت دول المنظمة تتذرع بعدم طلب الدولة المعنية المساعدة، فإن ذلك قد يكون مبرراً، لكنه لن يكون مساعداً في عملية الانتقال من الأحادية إلى التعددية التي تستهدفها المنظمة. فدول النيتو مثلاً، لا تنتظر طلباً رسمياً من الدولة المعنية، وإنما تبادر مؤسسات المنظمة للتباحث في كيفية تفعيل آلية الدفاع المشترك (المادة 5 من ميثاق الأطلسي) انطلاقاً من أن أي اعتداء على أي عضو يُنظر إليه على أنه اعتداء على الجميع.
وعليه، يمكن القول إن منظمة شنغهاي والتحالف الذي يسير في ظلها، قد يكون منطلقاً لترتيب واقع العلاقات الدولية وفق آليات تأسيس تقدم نموذجاً مختلفاً عن النموذج الذي حاول الغرب أن يظهره على أنه نهاية للتاريخ، وأنه صفوة الحضارة البشرية، الذي لن يخرج من بعده أي نموذج آخر.
غير أن البحث في الآليات وفي ما يمكن اعتباره توافقاً على الرؤى والأهداف والحافزية والتأثير والاستعداد للتضحية من أجل المجموعة، يظهر قصوراً يحتاج إلى إعادة بلورة لخطة العمل. فالفاعلية تحتاج إلى الحسم وعدم التردد، والتأثير يحتاج إلى خطة للهجوم وعدم الاكتفاء بالمواجهة بأسلوبٍ دفاعي. أما الانتصار، فيحتاج إلى عدم السماح بالاستفراد بأعضاء المجموعة، أي اعتبار أي اعتداء على أي دولة، اعتداء على النموذج كله، ولا أقل من ذلك.