هل باتت الحرب الإقليمية وشيكة؟

لن تكون الحرب محددة، ولا محدودة، ولن يكون أي من الأطراف والقوى والفاعلين في المنطقة والعالم في منأى عن فعاليتها وأحداثها، بما فيها الدول التي تطمس رأسها في التراب كالنعامة، وتنأى بنفسها عن قول الحق والحقيقة.

  • قرار السلم والحرب في البلد والمنطقة.
    قرار السلم والحرب في البلد والمنطقة.

تشهد المنطقة برمتها الإرهاصات غير المسبوقة لاحتمال اندلاع الحرب المحتملة أو المفترضة، ولارتفاع منسوب التصعيد وتصاعد التوتر والعنف بشكل كبير وهائل وعلى نطاق واسع وعريض.

ثمة من يقرع طبول الحرب من هنا. وثمة من يرصد مؤشراتها من هناك. كذلك، ثمة من شرع أيضاً في استشراف مرحلة ما بعد الحرب الوشيكة، كأنها واقعة حتماً وحكماً، وباشر في طرح المعادلات والتوازنات ورسم المسارات والاتجاهات وصوغ التقديرات والتوقعات والترتيبات المستقبلية. فهل باتت الحرب الإقليمية وشيكة؟

خطورة اللحظة سياسياً وتاريخياً

قد تكون هذه اللحظة الإقليمية الأكثر خطورة على الإطلاق، ومن دون مبالغة منذ حرب1967  (النكسة)، مروراً بحرب 1973، بل ربما منذ حرب 1984 (النكبة)، وعلى طول مسار المواجهة والصراع والحرب مع العدو الإسرائيلي.

نحن نقترب في كل يوم أكثر فأكثر من احتمالات تدهور الأوضاع الإقليمية وانفجارها وانفلاتها. لم نكن في السابق، في الماضي القريب والماضي البعيد، أقرب من الوقت الحاضر والراهن إلى فرضية الحرب الإقليمية، أو احتمالها، بمعنى الحرب الكبرى والواسعة والشاملة بين "إسرائيل"، ومن معها من الغرب، وربما بعض العرب، من جهة، وبين محور المقاومة وقوى المقاومة، ومن معها أيضاً، من جهة أخرى. هي لحظة مفصلية ومصيرية ووجودية، تُحبس فيها الأنفاس وتشخص إليها الأنظار.

الضربات المتبادلة بين "إسرائيل" وإيران

بعد رد إيران على اعتداء "إسرائيل" للمرة الأولى في عملية الوعد الصادق 1، ثم ردها للمرة الثانية في عملية الوعد الصادق 2، حسمت وحزمت إيران أمرها، وعقدت النية واتخذت قرارها بالرد للمرة الثالثة في عملية الوعد الصادق 3، المتوقعة والمنتظرة. لقد انتقلت إيران من حيز الصبر الإستراتيجي إلى حيز الردع الاستراتيجي، في مواجهة الهجمة الإسرائيلية - الأنغلو سكسونية (الأميركية - البريطانية). ثمة من يتوقع أن يكون رد إيران أكثر قوة وأكثر حسماً وحزماً.

وقد تعمدت إيران تمرير الفترة الزمنية التي سبقت موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية – لكنها تستأنف وتستكمل الاستعدادات الهجومية والدفاعية – كي لا يصار إلى استثمار الرد الإيراني على الاعتداء الإسرائيلي واستغلاله في العملية الانتخابية، سلباً أو إيجاباً.

هذا يقود بالتحليل، سياسياً واستراتيجياً، إلى القول إن المنطقة قد تكون أمام احتمالين ومسارين لا ثالث لهما بعد الرد الإيراني الذي قد يعقبه الرد الإسرائيلي، لتتدحرج الأمور ككرة الثلج وكرة النار: أما الاحتمال الأول والمسار الأول، فهما يحيلاننا على سيناريو الانفجار الكبير، بمعنى اندلاع الحرب الإقليمية بين "إسرائيل" والغرب من جهة وإيران وقوى المقاومة من جهة أخرى.

أمّا الاحتمال الثاني والمسار الثاني، فهما يحيلاننا على سيناريو العودة إلى خيار الحل السياسي، بمعنى الخروج من حفلة الجنون الأميركي - الإسرائيلي، والدخول في زمن التفاهمات والتسويات والصفقات السياسية، بعد لجم الاندفاعة الأميركية - الإسرائيلية، ووضع حد لها عبر منعها من المضي قدماً والذهاب بعيداً في تدمير ما تبقى من عوامل القوة والمناعة والحصانة في المنطقة.

النظام الإقليمي والترتيبات الإقليمية

في غمار المخاض العسير لولادة الشرق الأوسط الجديد، أو بالأحرى لاستيلاد الشرق الأوسط الجديد، وبصرف النظر عن ماهية الشرق الأوسط الجديد، بين الرؤية الأميركية - الإسرائيلية ومقابلها رؤية محور المقاومة، وفي خضم الحرب والمعركة، إنما تريد "إسرائيل"، عبر التصعيد والتوسيع للحرب والعدوان والعنف والقوة المفرطة، من غزة إلى جنوبي لبنان، وربما أكثر وأبعد منهما، إقصاءَ محور المقاومة عن الانخراط، المشاركة والمساهمة في بناء وإعادة بناء النظام الإقليمي العتيد، تحديد ماهيته، مقوماته ومرتكزاته، ورسم ملامحه ومعالمه، كما صوغ الترتيبات الإقليمية الجديدة والمستجدة، ووضعها موضع التطبيق والتنفيذ، بل تريد "إسرائيل" عزل قوى المقاومة، وتقليم الأظافر ونزع الأنياب لبعضها، والقضاء على بعضها الآخر وسحقه، كي لا تقوم لها قائمة بعد الآن، فتتمكن من استباحة المنطقة وبسط سيطرتها على امتداد الإقليم، ومعها وإلى جانبها وخلفها، بل قبلها، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وسائر القوى الغربية وعدد من القوى العربية.

الحسابات والتقديرات والمصالح الأميركية

يبقى السؤال الأكثر الأهمية، الذي يتقرر ويتحدد على أساسه، وبحسب الجواب عنه كل شيء، هو: ما الذي تريده الولايات المتحدة الأميركية، أو بالأحرى الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية، بالنسبة إلى المنطقة، بصرف النظر عن ماهية الرئيس الأميركي العتيد وماهية الإدارة الأميركية العتيدة، وعن التنافس السياسي والانتخابي بين المرشحة الرئاسية كامالا هاريس والرئيس الحالي جوزيف بايدن، من جانب الديمقراطيين ومن جهة اليسار، والمرشح الرئاسي والرئيس السابق دونالد ترامب، من جانب الجمهوريين ومن جهة اليمين؟

بمعنى أدق، ما التوجه الأميركي الذي يقوم عليه القرار الأميركي حيال المنطقة، الحرب الدائرة فيها مؤخراً وراهناً، والصراعات العسكرية والنزاعات المسلحة فيها، سواء استمرار الحرب الإسرائيلية والعدوان الإسرائيلي في غزة ولبنان، أو إنهاء هذه الحرب ووقف هذا العدوان، أو ربما المضي قدماً والذهاب بعيداً وحتى النهاية في مسارات التصعيد واتجاهات العنف، وصولاً إلى إيران ومروراً بسوريا والعراق واليمن؟ وتبقى الإجابة عن هذا السؤال مرتبطة بالحسابات والتقديرات الأميركية ذات الصلة بالمصالح الأميركية في المنطقة ونتائج هذه الحرب وهذه المعركة عند هذه المحطة وفي هذه الجولة بميزان الأرباح والخسائر؟

قرار السلم والحرب في البلد والمنطقة

لم يكن قرار السلم والحرب في المنطقة في أيدي شعوبها وبلدانها العربية والإسلامية – وهو ليس في أيديها الآن – بالنظر إلى أنها لا تزال ترزح تحت الاستعمار الحديث من الولايات المتحدة الأميركية، في إشارة إلى الهيمنة السياسية والتبعية الإقتصادية، بعد انتهاء وانتفاء الاستعمار التقليدي من القوى الأوروبية، ولاسيما المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، في إشارة إلى الوجود العسكري المباشر، مع العلم بأن مجموعة من البلدان العربية والإسلامية لا تزال حتى تاريخه ترزح تحت الاحتلال العسكري، وهو ما يعني أن دول المنطقة العربية والإسلامية هذه ليست مستقلة، ولا حتى سيدة، أو لنقل إن استقلالها ناقص ومنقوص، وغير كامل وغير مكتمل الأركان والشروط، وكذلك سيادتها بالتوازي وبالتبعية.

أظهرت هذه الحرب بالتحديد كيف أن الولايات المتحدة الأميركية لا تزال تحاول أن تستمر في الاستئثار بالنفوذ السياسي وغير السياسي في الإقليم برمته – على رغم كل ما قيل وكل ما كُتِب عن إعادة التموضع الاستراتيجية – غير آبهة بالتطورات والتغيرات والتحولات العالمية والإقليمية، وكيف أن أميركا و"إسرائيل" لا تزالان تحاولان الاستئثار بقرار السلم والحرب في مواجهة الأخصام والأعداء من القوى الدولية والإقليمية، ولاسيما إيران على رأس محور المقاومة، وروسيا والصين، كما القوى الإقليمية، الصديقة أو الحليفة، كمصر وتركيا والمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

التنافس والتسابق بين الحرب والتسوية

باتت المنطقة أمام أحد خيارين: إما التسوية السياسية، وإما الحرب العسكرية. هما ليسا خيارين، بل هما ربما احتمالان، لكل منهما مؤشرات ومحددات وحيثيات وشروط وسيناريوهات ومسارات واتجاهات وآفاق ومحاذير وحظوظ وفرص.

لن تكون الحرب محددة، ولا محدودة، ولن يكون أي من الأطراف والقوى والفاعلين في المنطقة والعالم في منأى عن فعاليتها وأحداثها ومضاعفاتها ومفاعيلها وتداعياتها، بما فيها الدول التي تطمس رأسها في التراب كالنعامة، وتنأى بنفسها عن قول الحق والحقيقة وتأييدهما ونصرتهما، ولا حتى الدول التي تخاذلت أو تواطأت أو تآمرت.

كما لن تكون التسوية محددة، ولا محدودة، بل إنها يُفترَض أن تكون شاملة وجامعة. فأي هما أقرب إلينا: الحرب الكبرى أم التسوية الكبرى؟

يمكن أن تبقى إيران على رأس محور المقاومة عامل توازن واستقرار إقليمي في المنطقة؛ بينما يبقى في يد أميركا – وحدها من دون سواها – فتيل التفجير والتخريب والتدمير، ومعها "إسرائيل" بطبيعة الحال، كما سائر الغرب. ليس بالضرورة أن تكون الحرب حتمية. وفي المقابل، فإن الهيمنة الأميركية - الإسرائيلية ليست قدرية. فهل تندلع الحرب؟ وهل تكون الحرب الأخيرة؟ هل ندخل بعدها العصر الإسرائيلي، وليس العصر الأميركي فقط؟ أم نبقى في طور المعادلة التي أطلقها قائد المقاومة وسيدها، على أمل أن يكون جاء زمن نصر الله، حين قال للتاريخ: "ولّى زمن الهزائم، وجاء زمن الانتصارات"؟

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.