نتنياهو يريد الذهاب إلى حرب إقليمية

لا يرغب نتنياهو في إنهاء الإبادة الجماعية في غزة، ولا وقف إطلاق النار، بل حاول نشر الفتنة في بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل قبل عودته من واشنطن ليأخذ قرار التمهيد للحرب في الشمال.

0:00
  • يتجنّب نتنياهو وقف إطلاق النار في غزة، ويحاول التوسّع نحو الجبهة اللبنانية.
    يتجنّب نتنياهو وقف إطلاق النار في غزة، ويحاول التوسّع نحو الجبهة اللبنانية.

انصبّ جهد نتنياهو في خطابه في الكونغرس منذ أسابيع على اتهام إيران بتشكيل تهديد لـ"إسرائيل" والولايات المتحدة والعرب معاً. كان أعضاء الكونغرس الجمهوريون يرون أن دعم بايدن لإسرائيل غير كافٍ، وصفقوا له بعدما كانوا قد أبدوا اعتراضاً على تأخير إدارة بايدن إرسال الأسلحة الثقيلة إلى "إسرائيل"، واعتبروا أن الضغط عليها لوقف إطلاق النار يؤخر مهمتها في إنهاء ما بدأته في حربها في غزة.

لكن على الرغم من خلافاته مع نتنياهو، يبقى بايدن هو الشريك الأساسي في الإبادة الجماعية، فقد أعطى "إسرائيل" كل ما أرادت، في ظل وجود نتنياهو الأكثر إثارة للجدل على الإطلاق في السياسة الأميركية، وهو الذي يجيد المناورة واللعب على تناقضات الحزبين الديمقراطي والجمهوري للحصول على ما يريده، وهو رغم مساعدة بايدن اللامحدودة يتطلع إلى فوز الجمهوريين. 

لا شك في أن الردع الإسرائيلي تآكل، إلا أن "تل أبيب" تتصرف كأن ما من شيء يردعها في ظل المساندة الأميركية والمشاركة العربية التي شهدتها في شهر أبريل، عندما هاجمتها إيران بسيل من الصواريخ رداً على قصفها القنصلية في دمشق وقتل أكثر من 7 من ضباطها. 

لا يرغب نتنياهو في إنهاء الإبادة الجماعية في غزة، ولا وقف إطلاق النار، بل حاول نشر الفتنة في بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل قبل عودته من واشنطن ليأخذ قرار التمهيد للحرب في الشمال، فجاءت عمليات الاغتيال تباعاً للقائد العسكري لحزب الله السيد فواد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية، ولرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في عقر دار إيران، أي في عاصمتها طهران.

تحاول "إسرائيل" التي لم يتمكّن قادتها السياسيون وعسكريوهم من الوصول إلى قادة حماس في غزة واستعادة الرهائن والقضاء على المقاومة تغيير قواعد الاشتباك وخلط الأوراق لكي تؤمن "نصراً تكتيكاً" تأخذه من حساب لبنان وطهران، فيما يضغط شركاء نتنياهو المتطرفون والدينيون من أجل استمرار الحرب، ويتقاذف السياسيون والعسكريون مسوؤلية عدم تحقيق الأهداف.

الأهداف من وراء الاغتيالات 

يتجنّب نتنياهو وقف إطلاق النار في غزة، ويحاول التوسّع نحو الجبهة اللبنانية، ويسعى إلى جرّ الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران. ما فعلته الولايات المتحدة بعد إطلاق "إسرائيل" صاروخ القبة الحديدية في مجدل شمس هو التصريح "بالدفاع عن حق إسرائيل في الانتقام وحماية نفسها"، ومحاولة "الحصول على التزام من حزب الله بعدم الرد" و"تحميله المسؤولية عن إضفاء الطابع الإقليمي على الحرب إذا حدث ذلك".

ومع تأكد استشهاد القائد العسكري شكر، بدا الجانب الأميركي راغباً في النتيجة. كان "شكر هو الاسم الذي حملته الولايات المتحدة المسؤولية عن الهجوم الذي قتل فيه 241 جندياً أميركياً عام 1983، ووضعت مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يأتي برأسه. قدم نتنياهو هدية لواشنطن، وهي قدمت الدعم.

التخادم المتبادل على حساب المقاومة الإسلامية في لبنان لم يكفِ نتنياهو، بل بحث عن هدف أكبر يجيب عن خطابه في الكونغرس. اغتال إسماعيل هنية ضيف إيران الذي جاء لحضور مراسم أداء اليمين للرئيس مسعود بزشكيان في طهران، وهو الذي يعيش في قطر، وأرسل رسالة إلى قادة محور المقاومة مفادها أن "طهران ليست آمنة لأي منكم" لإثارة التشكيك في قدرة إيران الدفاعية والأمنية والاستخباراتية، وسلط الضوء على سهولة استهداف إيران أمنياً من دول مجاورة، فكانت ضربة مزدوجة.

اعتبر السيد خامنئي أن "الثأر لاغتيال هنية واجب على إيران"، لأنه اغتيل على أراضيها، متوعداً بـ"عقاب قاسٍ" لإسرائيل التي رآها "وفرت أساساً لمعاقبتها بقسوة". ما تتجنبه طهران هو أن تمتد الحرب إلى الداخل، لكنها قد تضطر إلى الرد للحفاظ على سمعتها وإظهار قدرتها على الردع لكنها لا تتسرع.

اتخذت قرارها من أعلى سلطة بعد اجتماع مجلسها القومي، وعليها تحديد المكان والهدف والزمان والحجم جيداً، حتى لا تندلع حرب إقليمية، ولا تنجح مؤامرة نتنياهو لتأليب إيران والولايات المتحدة ضد بعضهما بعضاً، إلا أن الهدف الأساسي هو ضمان الهزيمة الاستراتيجية لـ"إسرائيل". 

 الرئيس الإيراني بزشكيان من جهته قال إن إيران "ستدافع عن وحدة أراضيها وكرامتها وشرفها وكبريائها". يضفي اغتيال هنية الطابع الإقليمي على الحرب، ويغلق مجالات المناورة المحتملة أمام الإصلاحيين في إيران للحوار مع الغرب، إلى جانب أهداف أخرى، ويعرقل اغتيال إسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية الأجندة السياسة الخارجية لبزشكيان من أجل الانفتاح على الغرب.

لا شك في أن أحد أهداف نتياهو من خلال اغتيال هنية هو طاولة مفاوضات وقف إطلاق النار، فهل يمكن قتل المحاور في المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار؟ كان هنية الأكثر براغماتية في التفاوض، وقتله يعني تدمير قناة اتصال مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز مع غزة الذي شارك في المفاوضات.

هنية أصلح علاقات حماس المتدهورة مع سوريا وإيران إلى جانب صالح العاروري الذي اغتالته "إسرائيل" في بيروت، وكان القناة الأهم في علاقات حماس مع حزب الله. وجهت "إسرائيل" ضربة إلى العلاقة الإيرانية مع العاروري وهنية، رغبة في تعطيل القدرة العملياتية لحزب الله ولحماس.

يعتقد نتنياهو أنه في التصويب نحو إيران سيسهل عليه الحصول على الدعم المطلق من الولايات المتحدة وأوروبا. وسيستخدم الصراع معها للقول إن "القضية ليست فلسطين، بل العدو المشترك هو إيران، ونحن نقاتل من أجلكم أيضاً"، أي ما فعله في الكونغرس الأميركي. 

ميزان الربح والخسارة 

هل يمكن اعتبار ما حقّقته "إسرائيل" بعمليتي الاغتيال ذا أبعاد استراتيجية؟ بالطبع لا، لكن حاولت اللعب على الأبعاد النفسية، وحاولت استهداف مفهوم الردع، لكن علينا التمييز بين الاغتيال في الضاحية والاغتيال الذي نفذته "إسرائيل" في طهران، حيث لكلّ أبعاده المستقلة.

"إسرائيل" لم تستطع الضغط على حزب الله لفصل الجبهة الشمالية اللبنانية عن غزة ولم تحقق مآربها، ولكنها ضربت قواعد الاشتباك، وهذا لغير مصلحتها، فالجبهة الشمالية داخل "إسرائيل" أصبحت منطقة عازلة بسبب ضربات الحزب. أما على صعيد اليمن، فأنصار الله لم يتراجعوا. كذلك تواصل المقاومة الإسلامية في العراق عملياتها، والأهم أن غزة ما زالت تقاوم.

ربما تكون إيران هي الأكثر تأثراً على الصعيدين الأمني والاستخباراتي، ويتعيّن عليها أن تعمل على الحفاظ على عتبة الردع الخاصة بها والحفاظ على اتساق قواعد الاشتباك الخاصة بها. وإن لم ترد بشكل مباشر، فإن محور المقاومة بمشاركتها سيقوم بالرد حتماً.

مفاوضات "الحد من التوتر" بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين للضغط على حزب الله بدأت، وكذلك جرى تفعيل القنوات التي توصل إلى إيران لكي ينحصر رد الفعل، فالولايات المتحدة لا تريد للحرب في غزة أن تتوسع على عكس نتنياهو الذي يستغل ضعف الإدارة في لحظة انتخابية، فهو من خلال اغتيال هنية في طهران أراد محاصرة المرشحة الرئاسية الديمقراطية كامالا هاريس وإدخالها في صراع مع إيران، فهي من الشخصيات الديمقراطية التي لا يتحمل وجودها في البيت الأبيض، لكن وقف إطلاق النار الذي يحاول نتنياهو الهروب منه إلى حرب إقليمية لا يمكن أن يتحقّق من دون رغبة أميركية.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.