نتنياهو يرسل وفداً للتفاوض مجدداً... ماذا يريد الطرفان، نتنياهو والمقاومة؟

الإعلان الأميركي عن زيارة مرتقبة لترامب إلى السعودية، والانخراط الأميركي المكثّف في المفاوضات، وموقف المقاومة المرن تجاه القطاع ما بعد الحرب، كلها عوامل قد تحبط ما يريده نتنياهو وهو إطالة التفاوض.

0:00
  • يتسم الغموض موقف نتنياهو تجاه مستقبل غزة.
    يتسم الغموض موقف نتنياهو تجاه مستقبل غزة.

قرّرت الحكومة الإسرائيلية إرسال وفد إلى الدوحة للتفاوض مجدداً بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين المقاومة و"إسرائيل"، وتأتي المفاوضات على وقع سيل من التهديدات الإسرائيلية باستئناف القتال في حال أصرّت المقاومة على شروطها المتمثّلة بالانتقال للمرحلة الثانية على قاعدة تبادل الأسرى والانسحاب الكامل ووقف الحرب والإعمار والإغاثة، بيد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يريد التنصّل من الاتفاق والاكتفاء بتمديد المرحلة الأولى على قاعدة تبادل الأسرى من دون الانسحاب الكامل من غزة ووقف الحرب. 

كما كُشف مؤخراً عن محادثات أميركية مباشرة مع حركة حماس، أجراها مبعوث الرئيس لشؤون الأسرى آدم بوهلر، حول قضية الأسرى وموقف الأخيرة من اليوم التالي للحرب، وصرّح الأخير بأنّ المفاوضات كانت جيدة جداً ومثمرة، ما أزعج الحكومة الإسرائيلية وأصابها بالصدمة، كما قال بوهلر إنه متفهّم  للموقف الإسرائيلي المعارض للتفاوض المباشر مع حماس، بيد أنّ الولايات المتحدة ليست وكيلاً لـ "إسرائيل" ولها مصالحها. 

وسيتوجّه المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف بيتكوف إلى المنطقة الثلاثاء للمشاركة الفاعلة في جولة جديدة من التفاوض.

يتسم الغموض موقف نتنياهو تجاه مستقبل غزة، وبالتحديد موقفه من اليوم التالي للحرب، بعد فشله في تحقيق أهداف الحرب عسكرياً، وعلى الرغم من التعثّر أمام طريق المحادثات بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، تبقى العقدة الرئيسية ليس الخلاف على مفاتيح تبادل الأسرى، بل حول مسألة "اليوم التالي للحرب" في قطاع غزة. 

لأنه رغم الصعوبات في المفاوضات على المرحلة الأولى من الاتفاق، فإنها مرّت بنجاح وتجاوزت الصعوبات كونها عالجت أموراً تقنية بالأساس، مثل  أسماء الأسرى الإسرائيليين الذين سيتمّ إطلاق سراحهم والاتفاق حول معايير اختيار الأسرى الفلسطينيين، وقضايا الإغاثة وانسحاب "الجيش" من المراكز السكانية، ولكن في المرحلة الثانية فإن الأسئلة السياسية الصعبة التي ستحدّد نتائج الحرب هي ما يجب أن تتمخّض عنه المفاوضات، ولا سيما حسم مسألة مستقبل قطاع غزة والجهة الحاكمة فيه.

معضلة نتنياهو، أنّ أيّ قرار بالانسحاب العسكري الكامل من قطاع غزة وإنهاء الحرب، يعني حلّ الائتلاف الحكومي، الأمر الذي يسعى نتنياهو لتجنّبه منذ بدء الحرب، لذا فالأخير تعهّد لبتسلئيل سموتريتش زعيم الصهيونية الدينية على ألّا ينتقل للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، لذا لجأ نتنياهو لحيلة تمديد المرحلة الأولى وهو بذلك يحافظ على تعهّده لسموترتش، وفي الوقت نفسه لا يستعجل العودة للحرب، على أمل أن تستجيب المقاومة للضغوط وتقبل تمديد المرحلة الأولى من دون الاتفاق على معايير المرحلة الثانيه ووقت انطلاقها، كما يراعي مطلب عائلات الأسرى الإسرائيليين بعدم العودة للحرب وإطلاق سراح الأسرى، ولا يغضب الإدارة الأميركية، التي دخلت على خط التفاوض المباشر مع المقاومة متجاهلة دور الحكومة الإسرائيلية ودور الوسطاء.

بالنسبة لنتنياهو فهو يضمن بهذا المسار الذي يطيل أمد المفاوضات باعتباره المسار الأنسب له للحفاظ على حكومته، وكما اعتمد نتنياهو على سياسة إطالة أمد الحرب إبان ادارة جو بايدن المنصرفة بهدف الحفاظ على حكمه، يعتمد الآن السياسة نفسها مع إدارة دونالد ترامب في إطالة المفاوضات أيضاً للهدف نفسه وهو عدم انفراط عقد حكومته، بيد أن ما نجح فيه بيبي مع بايدن قد لا يؤتي ثماره مع ترامب، الأمر الذي أدركه الأخير وسارع لإرسال مبعوثه الخاص للتفاوض مباشرة مع قيادة حماس، فألاعيب نتنياهو أصبحت مكشوفة لترامب ولا تخفى عليه.

يسعى نتنياهو للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين من دون الالتزام بإنهاء الحرب؛ والسماح بتنفيذ عمليات عسكرية فى القطاع؛ واستمرار السيطرة على المعابر، بما في ذلك معبر رفح؛ والعمل على إبقاء خطط "إسرائيل" في كلّ ما يتعلّق باليوم التالي للحرب غامضة وغير مكشوفة.

من جهة المقاومة فإن المرحلة الأولى في الاتفاق كانت ضرورية جداً،  فوقف النار المؤقت وفّر للشعب الفلسطيني في غزة فرصة لإلتقاط الأنفاس بعد حرب ضارية، كما أنه أعاد النازحين الى شمال القطاع الى جانب تحرير الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية خلال 42 يوماً. 

بيد أن تمديد المرحلة الأولى مع استمرار التبادل من دون الانخراط في مفاوضات المرحلة الثانية ليس في صالح المقاومة ويضعف من موقفها المرتكز أساساً على ورقة قوة، هي الأسرى الإسرائيليون لديها، ولا يمكن أن تتخلى عنها من دون ضمان وقف الحرب والانسحاب الكامل، وترك مساحة واسعة للمرونة حول مسألة السلطة الحاكمة في قطاع غزة على قاعدة أن يحكم الفلسطينيون أنفسهم من دون تدخّل أجنبي/إسرائيلي مباشر ما بعد الحرب، والشكل الذي اقترحته مصر وما تمخّض عن قرارات القمة العربية في القاهرة، يحظى بموافقة فلسطينية وعربية ودولية بالعموم. 

الإعلان الأميركي عن زيارة مرتقبة لترامب إلى المملكة السعودية في نيسان-أبريل المقبل، والانخراط الأميركي المكثّف والمباشر في المفاوضات، وموقف المقاومة المرن تجاه حكم قطاع غزة ما بعد الحرب، وتمسّكها بورقة الأسرى الإسرائيليين، وضغوط الرأي العامّ الإسرائيلي وتراجع جاهزية "الجيش" الإسرائيلي بعد حرب طويلة ومريرة على قواته، كلها عوامل قد تحبط ما يريده نتنياهو وهو إطالة التفاوض تحت عنوان المرحلة الأولى، بيد أن المساعي لإيجاد حلّ وسط وجسر الهوة بين ما يسعى له نتنياهو وما تريده المقاومة يبقى السيناريو المرجح.