منتدى التعاون الصيني العربي... الإنجازات وآفاق التعاون
أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية وأهم سوق لتصدير النفط لسنوات عديدة متتالية. وتتابع الدول العربية جميعها متفائلة آفاق التنمية في الصين، وتحرص على الحصول على فرص التنمية من "النظر إلى الشرق" والتشارك في بناء "الحزام والطريق".
عُقدت الدورة الـ10 للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي في بكين مؤخراً بنجاح، الأمر الذي يرفع العلاقات الصينية العربية إلى مستوى جديد. وقد قام كل من العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس التونسي قيس سعيد، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بزيارة دولة إلى الصين، وحضروا مراسم افتتاح الاجتماع الوزاري معاً، وحقق الجانبان الصيني والعربي النتائج الثرية خلال الاجتماع والمنتدى.
إطلاق صوت مشترك لقطاع غزة
كواحد من الإنجازات الرئيسية الثلاثة لهذه الدورة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي، أصدرت الصين والدول العربية معاً بياناً مشتركاً بشأن القضية الفلسطينية، وتوصل الجانبان إلى توافق الآراء المتمثلة في 21 نقطة بشأن تحقيق حل شامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية في أقرب وقت ممكن، وبما في ذلك إدانة العدوان والانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في مدينة غزة ومدينة رفح، وإدانة قصف خيام النازحين والسيطرة على معبر رفح، ورفض تنفيذ مخططات التهجير القسري تجاه الشعب الفلسطيني إلى خارج أرضه، وتأكيد ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية والجولان السوري المحتل والأراضي اللبنانية المحتلة، ودعم دولة فلسطين في الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة ومنح دولة فلسطين مزيداً من الحقوق.
هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي تعرب فيها الصين وجميع الدول العربية معاً عن مطالبها المشتركة بشأن القضية الفلسطينية.
إن دعم القضية العادلة للشعب الفلسطيني وتحقيق حل عادل ومعقول ودائم للقضية الفلسطينية لا يتطلب الوحدة وتقوية الذات للفصائل الفلسطينية والدول العربية فحسب، بل يتطلب مزيداً من الاهتمام والجهود من القوى المسؤولة أيضاً.
ويتفق البيان المشترك بين الصين والدول العربية بشأن القضية الفلسطينية مع الدعوة الرئيسية للمجتمع الدولي للدفاع عن الإنصاف والعدالة في هذه القضية، كما يعطي زخماً جديداً لتعزيز السلام في الشرق الأوسط وحفظ الاستقرار في المنطقة.
ظلَّت الصين والدول العربية تعمل معاً بنشاط على تحقيق وقف إطلاق النار بين فلسطين و"إسرائيل" من خلال الأمم المتحدة ومختلف القنوات الدبلوماسية الثنائية والمتعددة الأطراف.
وتعتبر الصين العضو الدائم الوحيد في مجلس الأمن الدولي الذي اتخذ موقفًا مشتركاً ثابتًا مع الدول العربية في جميع عمليات التصويت على القرارات المعنية بالقضية الفلسطينية منذ الجولة الحالية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فحاولت الصين بأعمالها الملموسة الدفاع عن الإنصاف والعدالة في الإقليم مع الدول العربية.
وقبل فترة وجيزة، اجتمعت حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في بكين، وأنشأت الصين منصة التواصل الجديدة لمختلف الفصائل الفلسطينية لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة وتعزيز الوحدة بينها.
ارتقاء العلاقات الاستراتيجية بين الصين والدول العربية باستمرار
كما اعتمد الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي "إعلان بكين" و"خطة تنفيذ المنتدى 2024-2026"، التي أوضحت احتياجات وخطط التعاون في مختلف المجالات بين الجانبين بدءاً من عام 2024 إلى 2026.
منذ إنشاء منتدى التعاون الصيني العربي عام 2004، حققت العلاقات الصينية العربية قفزات للأمام، إذ تطورت من علاقات الشراكة إلى علاقات التعاون الاستراتيجي، ثم إلى علاقات الشراكة الاستراتيجية. في ديسمبر 2022، عقدت القمة الصينية العربية الأولى والقمة الصينية الخليجية في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، الأمر الذي يكسب أهمية تاريخية.
اتفق القادة الصينيون والعرب بالإجماع على فتح آفاق أوسع للشراكة الاستراتيجية الصينية العربية وبناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك. في الوقت الحالي، تسعى المزيد من الدول العربية بنشاط إلى الانضمام إلى أطر التعاون الجديدة بين بلدان الجنوب، مثل منظمة شانغهاي للتعاون وآلية بريكس، ما يوفر منصات جديدة لتعميق التعاون بين الصين والدول العربية.
أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية وأهم سوق لتصدير النفط لسنوات عديدة متتالية. وتتابع الدول العربية جميعها متفائلة آفاق التنمية في الصين، وتحرص على الحصول على فرص التنمية من "النظر إلى الشرق" والتشارك في بناء "الحزام والطريق".
وأصبح تعزيز التعاون العملي مع الصين الخيار الأول للدول العربية لتحقيق النهضة الوطنية، وظلت الصين تعمل باستمرار على تعزيز الأمن في الشرق الأوسط، وطرحت على التوالي المبادرات الصينية المتعددة في موضوع استقرار الشرق الأوسط والقضية السورية والقضية الفلسطينية وأمن الخليج وما إلى ذلك، والتي حظيت بإشادة واسعة النطاق من الدول العربية. ونجحت الصين في التوسط لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، ما عزز ثقة الدول العربية بتعميق التعاون الأمني مع الصين.
اجتمع رؤساء كل من البحرين ومصر وتونس والإمارات في بكين خلال عقد الاجتماع لمنتدى التعاون الصيني العربي، الأمر الذي يدلّ بشكل كامل على الدرجة العالية من التوافق بين الدول العربية من مختلف المناطق في تطوير علاقات الصداقة مع الصين وتعزيز التعاون مع الصين، ويشير إلى الاهتمام الكبير والتوقعات الجادة من الدول العربية في تلخيص التجربة الناجحة للعلاقات العربية الصينية على مدى العقدين الماضيين بشكل شامل، والتخطيط لآفاق التعاون العملي بين الصين والدول العربية في المستقبل.
وخلال اجتماع المنتدى، أعلنت الصين إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية مع تونس، وعلاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع البحرين، وتعميق الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع مصر. يرتفع مستوى الشراكة بين الصين والعالم العربي باستمرار، ما سلط الضوء على الإمكانيات غير المحدودة للصين والعالم العربي لتعزيز التعاون الاستراتيجي.
إضافة إلى ذلك، أعلنت الصين أنها ستستضيف القمة الصينية العربية الثانية في الصين عام 2026، والتي ستصبح بلا شك معلماً جديداً في العلاقات الصينية العربية.
كما طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ أنَّ الصين تحرص على التعاون مع الجانب العربي لبناء "الأطر الخمسة للتعاون"، أي إطار أكثر حيوية للتعاون المدفوع بالابتكار، وإطار أكبر حجماً للتعاون الاستثماري والمالي، وأطار أكثر تكاملاً للتعاون الطاقوي، وأطار أكثر توازناً للتعاون الاقتصادي والتجاري المتبادل المنفعة، وإطار أوسع أبعاداً للتواصل الثقافي والشعبي.
ولمواجهة التغير السريع والتحديات الجديدة المعقدة للوضع الدولي الحالي، نثق بأنَّ الصين والدول العربية ستواصلان تعميق التعاون وتحقيق تقدم نوعي في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك.