من الزنازين إلى الشمس

ما جرى من انتهاكات بحق الأسرى والشهداء الفلسطينيين -تحت أي ظرف- يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لضميره الإنساني، فغياب تطبيق القانون سيجعل أي احتلال يفلت من العقاب.

0:00
  • أين مؤسسات حقوق الإنسان؟ أم هي ازدواجية المعايير؟
    أين مؤسسات حقوق الإنسان؟ أم هي ازدواجية المعايير؟

مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في قطاع غزة، شرع الاحتلال الصهيوني بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، الذين خرجوا في حالة يرثى لها، وقد تعرضوا لتجويع ممنهج وضرب وتكسير واغتصاب مستمر، كما جرى مع أحد الشبان في سجن سديه تيمان والذي تم تسريب الفيديو في وسائل التواصل الاجتماعي الذي يظهر اغتصاب عدد من الجنود في حينه لشاب لا يتجاوز الثمانية عشر عامًا، في تجاوز كامل للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة التي تكفل حقوق الأسرى، ومن دون اهتمام أو خوف بالموقف العربي الرسمي المتخاذل الذي بات يعمل وسيطاً غير نزيه لأجل الحصول على مباركة راعي البقر. 

وقبل عدة أيام، سلمت قوات جيش الاحتلال أكثر من مئة وعشرين جثة لشهداء فلسطينيين قامت باختطافهم من داخل القطاع، وقد ظهرت آثار شنق لهؤلاء الشبان، حبال واضحة على أعناق عدد من الجثامين، إضافة إلى إطلاق نار مباشر من مسافات قريبة، أيدٍ وأقدام مربوطة بمرابط بلاستيكية في مشهد يوثق عمليات التعذيب والتحقيق غير الإنساني، كما أن ملامح الضحايا قد زالت نتيجة استخدام أدوات حديدية وكهربائية لتعذيب هؤلاء الشهداء، ولا نعرف كيف كانت الحالة النفسية لهؤلاء وهم يناجون الله والبشرية لوقف الضيم عنهم.

والسؤال: أين مؤسسات حقوق الإنسان؟ أم هي ازدواجية المعايير؟ وما هو موقف السلطة الفلسطينية التي لم تخرج ببيان يدين الجرائم بحق هؤلاء؟ ليس منذ بداية الحرب، بل منذ سنوات طويلة؟ وقد قامت السلطة بإلغاء وزارة الأسرى لتصبح هيئة فقط؟ وما هو موقف الوسطاء؟ وماذا لو قامت حماس بتسليم بعض الأسرى الإسرائيليين وقد قُتلوا من مسافة قريبة أو قُتلوا شنقًا؟ هل كانت ستتم الصفقة؟ وهل كانت الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية وكل مؤسسات حقوق الإنسان ستصمت إزاء ذلك؟ 

وعلى الرغم من وضوح النصوص القانونية، إلا أن غياب المحاسبة الدولية جعل دولة الاحتلال تتعامل مع القانون الدولي بفوقية وكأنه توصيات اختيارية، فبدلًا من فرض عقوبات كما حدث بحق روسيا التي تحارب أوكرانيا أو تشكيل لجان تحقيق مستقلة كما جرى مع بلدان عدة، يكتفي العالم غالبًا ببيانات "القلق" التي كنا نسمعها على لسان بان كي مون، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بينما الأسرى الفلسطينيون وعوائلهم هم من يدفع الثمن، إذ كان وما زال ينبغي على مجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية تفعيل ولاياتهم القانونية لفتح تحقيقات جدية حول تلك الانتهاكات ومطالبة دولة الاحتلال باحترام التزاماتها القانونية كقوة احتلال بموجب القانون الدولي. 

الأمر الآخر الذي تم تجاوزه عالميًا وإعلاميًا للأسف هو الاعتقال التعسفي للأطفال، إذ إن اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 التي تحظر اعتقال الأطفال إلا كملاذ أخير، وتلزم الآسرين بتوفير محامين ورعاية نفسية وتعليمية للمعتقلين، لا تتحقق مع الحالة الفلسطينية، حيث يقوم هذا الاحتلال السادي باعتقال آلاف الأطفال الفلسطينيين من دون تهم أو محاكمة في انتهاك واضح للمادة 37 من تلك الاتفاقية، ولعل أكبر شاهد على حالة التوحش ضد الأطفال ظهر مع الطفل أحمد مناصرة الذي سيظل أيقونة للحرية، بعدما قام الاحتلال باعتقاله لسنوات طويلة وتعذيبه إلى درجة أنه بات في حالة توحد مع العزلة التي عاشها ذلك الطفل. وكالعادة يتساءل الفلسطيني في هذا الموقف: هل يمكن تنفيذ البند السابع مع "إسرائيل"؟ بمعنى التدخل العسكري للإفراج عن الأطفال والنساء؟ رغم اليقين الذي يعتري الطفل والرجل والمرأة في غزة من أن العالم متواطئ بالصمت، وعاجز عن تنفيذ منظومة القوانين التي يستخدمها ضد بلدان العالم الثالث لأجل الاستعمار والاستيلاء على مقدرات الشعوب. 

إن ما جرى من انتهاكات بحق الأسرى والشهداء الفلسطينيين -تحت أي ظرف- يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لضميره الإنساني، فغياب تطبيق القانون سيجعل أي احتلال يفلت من العقاب، ومن سمح للاحتلال الصهيوني بارتكاب الفظائع وتجاوز القوانين الشرعية والقانونية، لن يمنع أي قوة احتلال آخر في أي مكان من هذا العالم من ارتكاب الأفظع، وسيدفع العالم ثمن تحويل الأرض إلى غابة. لذلك على الأمم المتحدة تفعيل آليات التحقيق والمساءلة، وعلى المحكمة الجنائية الدولية أن تفتح ملفات جرائم الحرب بحق الأسرى والمحتجزين من دون خضوع للضغوط السياسية، حيث ما يزال هناك عشرات الآلاف من الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال، يتعرضون لأقسى أنواع التعذيب والتجويع الممنهج، بينما يُمنع دخول أي جهات رقابية أو قانونية محلية أو دولية لحماية هؤلاء الأبطال من الموت المجاني. 

باختصار، الأسرى الفلسطينيون، سواء خرجوا من السجن أحياء أو شهداء، سيظلون شهودًا على فشل العدالة الدولية، وازدواجية المعايير، وسيظلون نموذجًا فريدًا للصمود وعدم الاعتراف والتمسك بمواقفهم الوطنية المشرّفة، فيما يصمت أبناء اللغة والدين والمذهب عن الانتصار لإخوانهم، الذين تعرّضوا لأقسى أنواع التعذيب في سجون الاحتلال الصهيوني حتى لحظة كتابة هذا المقال.