مفاوضات الرزمة الشاملة..هل تنزل نتنياهو عن الشجرة؟

نجاح سيناريو الرزمة الشاملة سينعكس على حركة حماس بشكل إيجابي ويجعلها كفاعل ومؤثّر سياسي كما كانت مؤثّراً عسكرياً فاعلاً طيلة  الـ 18 شهراً من الحرب على غزة. 

0:00
  • هل ينجح الوسطاء في إيجاد صيغة ترضي
    هل ينجح الوسطاء في إيجاد صيغة ترضي "إسرائيل" وحماس بالتوصل لاتفاق؟

إعلان حركة حماس استعدادها لمفاوضات الرزمة الشاملة أعاد ترتيب الأوراق في ملف المفاوضات ورسم حدود التفاوض مع "إسرائيل" من جديد، موقف وضع نتنياهو أمام معادلة صعبة من خلال طرح واضح لا لبس فيه، رفض اتفاقيات التجزئة والجسور المؤقتة والذهاب للحل الشامل القائم على مرتكزات واضحة، وقف الحرب، وانسحاب كامل من غزة، وإبرام صفقة تبادل الأسرى، وبدء عملية إعادة الإعمار.

مبادرة الرزمة الشاملة من المقرّر أن تناقش خلال جولة المفاوضات الجارية في القاهرة هذا الأسبوع، في محاولة جادة بهدف التوصّل إلى اتفاق واقعي، في وقت تزداد الضغوط على حكومة نتنياهو من جهات عديدة، وتفقد "إسرائيل" القدرة على مساحة المناورة أمام العالم بصفقات مجتزأة يراهن نتنياهو من خلالها على إطالة أمد الحرب لتفادي سقوطه السياسي.

ثمّة سؤال يطرح نفسه في هذا السياق، هل ينجح الوسطاء في إيجاد صيغة ترضي "إسرائيل" وحماس بالتوصل لاتفاق وتوصل نتنياهو إلى المربّع الأخير في حربه على غزة؟ أم أن نتنياهو سيرفض المبدأ وسيحاول تجييش الإدارة الأميركية معه؟ أم أنه ما زال يراهن على تحقيق إنجازات عسكرية من خلال تحديد حرب الإبادة على غزة؟

قراءة الواقع بعمق بعد 18 شهراً تشير إلى أن "إسرائيل" غارقة في حسابات الحرب وآثارها وتداعياتها ، ومبادرة حماس الأخيرة التي تحدّثت عن الرزمة الشاملة شكّلت تحوّلاً استراتيجياً في سياستها التفاوضية في ظل معادلة دولية غاية في التعقيد، تقاطعت فيها المواقف بين حماس ومطالب ممثّل الإدارة الأميركية لشؤون الرهائن آدم بولر الداعية للإفراج عن كلّ الأسرى وإنهاء الحرب على غزة، أما على الزاوية الأخرى من الصورة ففي "إسرائيل" باتت شرعية نتنياهو تتأكّل يوماً بعد يوم في ظل حالة تمرّد متزايدة وضغوط داخلية من المعارضة وعائلات الأسرى، ومواقف دولية متضاربة تجاه قضية استمرار الحرب وقتل المدنيين الفلسطينيين.

لفهم وقراءة التحوّل الاستراتيجي لدى حركة حماس في أسلوب التفاوض مع "إسرائيل" لا بدّ من التوقّف أمام مسارات أربعة:

- المسار الأول/ تعدّ مبادرة الرزمة الشاملة طرحاً استراتيجياً يهدف إلى نقل مرحلة التفاوض كعنوان للحرب من اتفاقيات الجسور المؤقتة التي يسعى نتنياهو لتفريغها من مضمونها إلى اتفاق شامل يحرج "إسرائيل" أمام الأطراف الداخلية من جهة والمجتمع الدولي من جهة أخرى.

- المسار الثاني/ رغم حال الدعم الذي تلقّاه نتنياهو من إدارة ترامب خلال 100 يوم من عمرها، إلا أن حماس أعادت في هذا المسار الإشارة إلى أنّ الطرف المعطّل لأيّ اتفاق هي "إسرائيل" وأثبتت ذلك أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي، في وقت يتعرّض فيه نتنياهو لضغوط داخلية وخارجية كبيرة لوقف الحرب. بات مأزق نتنياهو يزداد كلّ يوم، داخلياً تتصاعد حركة التظاهرات والاحتجاجات من عائلات الأسرى الإسرائيليين، وتشهد الساحة الإسرائيلية تصدّعاً أمنياً بين المؤسسة الأمنية والمستوى السياسي باستمرار الحرب كخيار يضمن الحياة السياسية لنتنياهو وشركائه، أما سياسياً فتتصاعد حدّة الانتقادات بين حكومة نتنياهو والمعارضة الإسرائيلية التي تتهم نتنياهو بتوظيف الحرب لخدمة مستقبله السياسي فقط، فيما تستمر حدّة الانتقادات الدولية على الصعيدين الحقوقي والإنساني لـ "إسرائيل"، وهذا بحدّ ذاته يضعف موقع نتنياهو ويزيد من العزلة الدولية لـ "إسرائيل" أكثر فأكثر.

- المسار الثالث/ الإدارة الأميركية الحالية بقيادة الرئيس ترامب ورغم ارتفاع حدّة التصريحات الأميركية بوقف الحرب على غزة، إلا أنّ السلوك الفعلي لها والواقع يثبت عكس ذلك، فالإدارة الجمهورية لم تضغط على "إسرائيل" بشكل كافٍ لإنهاء الحرب، بل ظهرت في الفترة الأخيرة  كدولة حليف ومانح لنتنياهو تمدّه بجسور جوية من السلاح والقنابل الثقيلة لضرب المدنيين في قطاع غزة وهذا يعدّ غطاء سياسياً لاستمرار الحرب على غزة.

فعلياً فشلت الإدارة الأميركية حتى اللحظة في إنهاء ملف الحرب على غزة، لكن من يدور في فلك السياسية يدرك أنّ المواقف سرعان ما تتبدّل إذا ما تضرّرت المصالح، وانسجاماً مع المصالح الأميركية الاستراتيجية، فقد حدّدت الإدارة الأميركية موعداً لزيارة الرئيس ترامب إلى المنطقة العربية و أعلن عن رغبته في زيارة ثلاث دول على رأسها السعودية، وبالتالي لم يبقَ أمام الإدارة الأميركية سوى محاولة تحقيق إنجازات بعد هذا التعثّر في ملفات استراتيجية، وتأتي زيارته لهذه الدول في هذا الإطار  تحت عنوان رئيسي، بحث الملف الاقتصادي ودفع مشروع التطبيع للأمام كأولوية هذه المرحلة، ولكنّ طرح هذا الملف في جوهره توقيتات يتعارض كلياً مع ملف استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وهذا يجعلنا نطرح تساؤلاً جوهرياً تجاه الدور  الذي قد تسعى إدارة ترامب لتحقيقه في هذه الجولة التفاوضية؟ 


الترجيحات والتحرّكات تميل إلى رغبة أميركية لتحقيق اتفاق يسبق هذه الزيارة وتبريد جبهة الحرب في غزة عبر صفقة تبادل شاملة تنزل نتنياهو عن الشجرة وتحفظ له الاستمرار سياسياً وفق رؤية أميركية تنجح الزيارة وملف التطبيع سوياً، ولن يكون بمقدور نتنياهو تجديد الحرب مرة أخرى، وأيّ محاولة من هذا القبيل ستكون حتماً محفوفة بكثير من المخاطر وهذا يعود لأسباب عديدة أبرزها:

إثبات قدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود والمباغتة من جديد وترتيب أوراقها وصفوفها ومهاجمة مواقع لـ "جيش" الاحتلال الإسرائيلي بعد أكثر من 18 شهراً متواصلة يعدّ فشلاً ذريعاً في قدرة نتنياهو على حسم الحرب عسكرياً لصالحه أو إنهاء قضية الأسرى لدى حماس، في وقت باتت فيه الجبهة الداخلية تعاني من الاستقطاب السياسي مع المعارضة، وحال الإرهاق الكبير في صفوف "جيش" الاحتلال الإسرائيلي، وهذه المعطيات مجتمعة من شأنها إضعاف ثقة المستوطنين في الحكومة وتهدّد مستقبلها، كما أنّ العزلة الدولية لـ "إسرائيل" باتت تتفاقم كلّ يوم، وهو ما يحدّ من قدرة "إسرائيل" على مواصلة الحرب من دون كلفة سياسية كبيرة. 

- المسار الرابع/ ثمّة سيناريوهات متوقّعة للمرحلة المقبلة تتمحور في جوهرها تجاه تعمّق التصدّع الداخلي والانقسام الإسرائيلي بشأن استمرار الحرب أو إنهائها، يرافقه تصاعد الضغوط على نتنياهو لتقديم تنازلات حقيقية في إطار مسار تفاوضي شامل، يقابله تثبيت استراتيجية الرزمة الشاملة التي تطرحها حركة حماس كعنوان تفاوضي كجزء لا يتجزّأ من جهود وقف الحرب.

هل ينجح خيار الرزمة الشاملة؟

الخيارات أمام "إسرائيل" باتت محدودة أمام انكشاف استراتيجيتها في الحرب وتبدّل المواقف الدولية وتقاطع مواقف حماس وأميركا في ملف الأسرى وإنهاء الحرب، كلّ محاولات نتنياهو لتصعيد الحرب ستواجه صعوبات كبيرة في ظلّ الظروف التي يعاني منها "الجيش" الإسرائيلي وفشله في حسم ملف الأسرى رغم مرور 18 شهراً على الحرب، والدفع تجاه إنجاح خيار الرزمة الشاملة يجعل هامش المناورة أمام نتنياهو ضيّقاً جداً، فلم يبقَ أمامه إلا خياران، الأول أن يلجأ لزيادة الضغط العسكري ويوسّع نطاق الحرب على غزة على أمل أن يجبر حماس على التراجع عن هذا الموقف وهذه مجازفة غير محسوبة، والثاني الرضوخ للضغوط الأميركية المتزايدة عليه والتي تسبق زيارة الرئيس ترامب إلى المنطقة العربية وتجعله يرضخ للذهاب إلى صفقة كاملة، فهذا مطلب الشارع الإسرائيلي وعائلات الأسرى في الأساس.

الحاسم الآن لوقف الحرب هو الإدارة الأميركية باعتبارها الطرف القادر على إلزام نتنياهو وقف الحرب، وحال تحقّق الضغط الأميركي فلا مفرّ أمام نتنياهو سوى الاستسلام والرضوخ رغم ضغوط الأحزاب اليمينية في حكومته، وقتها سيستغلّ هذه الحجة ويتذرّع بعدم القدرة على رفض الطلب الأميركي، وهذا الوضع سيرغم نتنياهو على الانخراط في حلّ سياسي شامل، لأنّ البدائل الأخرى تعني مواصلة السير في نفق الحرب المظلم، وهذا في علم السياسة يعني مزيداً من العزلة الدولية والتأكّل الداخلي وتأكّل شرعيّة نتنياهو وتهديد مستقبله السياسي شخصياً.

على الزاوية الأخرى من الصورة فإنّ نجاح سيناريو الرزمة الشاملة سينعكس على حركة حماس بشكل إيجابي ويجعلها كفاعل ومؤثّر سياسي كما كانت مؤثّراً عسكرياً فاعلاً طيلة الـ 18 شهراً من الحرب على غزة.