مصرُ بينَ دَورِ الوسيطِ والمسؤوليةِ القوميةِ

مصر تدرك تماماً أن تحقيق السلام والاستقرار في قطاع غزة لا يخدم مصلحة الفلسطينيين فحسب، بل أيضاً مصلحة الأمن القومي المصري والإقليمي. ولذلك، كان دور مصر دائماً يتخطى مجرد التوسط بين الأطراف.

0:00
  •  العلاقة التاريخية بين مصر وقطاع غزة
     العلاقة التاريخية بين مصر وقطاع غزة

تؤدي مصر دوراً محورياً في المنطقة العربية، ليس بحكم موقعها الجغرافي المتميز فحسب، ولكن أيضاً بسبب تاريخها العريق ومسؤوليتها القومية تجاه القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. 

تمثل العلاقة بين مصر وقطاع غزة جزءاً من هذا التاريخ الممتد، إذ يتشابك المصير المصري والفلسطيني منذ قرون. يُبرز الدور المصري تجاه قطاع غزة أهمية مصر في دعم الاستقرار في المنطقة، ويتطلب منها التزاماً مستمراً بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.

 العلاقة التاريخية بين مصر وقطاع غزة

تعود العلاقة بين مصر وقطاع غزة إلى فترات تاريخية طويلة، إذ كانت غزة تحت الإدارة المصرية من عام 1948 حتى عام1967. خلال هذه الفترة، لم تكُن غزة مجرد إقليم تحت الإدارة المصرية، بل كانت جزءاً من النسيج الاجتماعي والسياسي المصري، إذ تم تقديم الدعم والمساعدات لسكان القطاع، وعملت مصر على حماية حقوقهم في ظل ظروف الاحتلال الإسرائيلي.

بعد حرب1967 واحتلال "إسرائيل" لقطاع غزة، استمرت مصر في دعم القطاع بشتى السبل، سواء من خلال المساعدات الإنسانية أو من خلال الجهود الدبلوماسية لحماية حقوق الفلسطينيين في المحافل الدولية. 

ويظل معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة الشريان الحيوي الوحيد لقطاع غزة إلى العالم الخارجي، وهو ما يُظهر بوضوح مدى ارتباط مصر بالقطاع وحرصها على تخفيف معاناة سكانه.

المسؤولية القومية لمصر تجاه فلسطين

تحمل مصر مسؤولية قومية تجاه القضية الفلسطينية باعتبارها قلب العالم العربي، وهي المسؤولية التي أمْلَتْها عليها مكانتها وثقلها السياسي. لم تكن مصر في يوم من الأيام غائبة عن المشهد الفلسطيني، بل كانت دائماً في مقدمة الدول التي تدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وتسعى لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بالطرق السلمية.

مصر تعتبر نفسها جزءاً لا يتجزأ من القضية الفلسطينية، وهذه المسؤولية تتجلى في عدة صور، منها دورها كوسيط رئيسي في محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وسعيها الدؤوب لتحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة. فضلاً عن ذلك، تعمل مصر على دعم الفلسطينيين في المحافل الدولية، وتستخدم نفوذها للدفاع عن حقوقهم وإبراز معاناتهم أمام العالم.

 أبو مرزوق والآمال المعقودة

تأتي تصريحات موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، في إطار الآمال الكبيرة المعقودة فلسطينياً وعربياً على الدور المصري تجاه ما يجري في قطاع غزة، فوسط العدوان الهمجي الذي يطال البشر والحجر في غزة، ينظر الفلسطينيون إلى مصر بوصفها القوة العربية الأكثر قدرة على التدخل لإنهاء المعاناة ووقف التصعيد.

رغم أن تصريحاته قد أُسيء فهمها من بعض الأطراف، فإنها تعكس التوقعات العالية والمطالب المستمرة بأن تستخدم مصر نفوذها للتأثير في مسار الأحداث. ويعبر الفلسطينيون عن ثقتهم بقدرة القاهرة على أداء دور حاسم في وقف العدوان الإسرائيلي وتقديم الدعم الإنساني، ما يعزّز مسؤولية مصر القومية ويبرزها كأملٍ رئيسيٍّ للشعب الفلسطيني في هذه الأوقات العصيبة.

 في هذا السياق، لم تكن تصريحات أبو مرزوق تهدف إلى الإساءة إلى مصر، بل جاءت كتعبير عن حاجة ماسة إلى تدخل أكبر من جانب الدولة المصرية، التي كانت ولا تزال السند الأساسي للقضية الفلسطينية. إن هذا الاعتماد على الدور المصري يعكس مدى عمق العلاقة بين مصر وقطاع غزة، إذ يعتبر الفلسطينيون مصر حليفهم الأقوى والأكثر تأثيراً في المنطقة.

 مصر بين الوسيط والمسؤولية القومية

لطالما وجدت مصر نفسها في موقع يتجاوز دور الوسيط التقليدي في النزاعات، وخصوصاً في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. كونها الدولة الأكبر في المنطقة العربية وصاحبة الوزن السياسي الأكبر، لم يكن من الممكن لمصر أن تكون مجرد وسيط محايد، بل كان عليها أن توازن بين دور الوسيط وموقعها كدولة تحمل على عاتقها مسؤولية قومية تجاه القضية الفلسطينية.

في دورها كوسيط، سعت مصر دائماً إلى تحقيق وقف إطلاق النار وتخفيف حدة التوتر بين المقاومة في قطاع غزة و"إسرائيل"، لكن هذا الدور لم يكن منفصلاً عن مسؤوليتها القومية تجاه الشعب الفلسطيني. 

مصر تدرك تماماً أن تحقيق السلام والاستقرار في قطاع غزة لا يخدم مصلحة الفلسطينيين فحسب، بل أيضاً مصلحة الأمن القومي المصري والإقليمي. ولذلك، كان دور مصر دائماً يتخطى مجرد التوسط بين الأطراف إلى العمل على توفير بيئة تدعم تحقيق حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية.

 في هذا السياق، يُظهر التزام مصر بمسؤولياتها القومية قدرتها على استخدام نفوذها لتحقيق نتائج ملموسة، فمصر لا تسعى فقط لوقف إطلاق النار، بل تعمل على ضمان توفير الدعم الإنساني لسكان غزة، والسعي لإعادة إعمار القطاع، والضغط من أجل تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية. إن هذا الجمع بين الدور الوسيط والمسؤولية القومية يجعل من مصر طرفاً أساسياً في أي جهد لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

 دور مصر تجاه قطاع غزة

في ظل التحديات الحالية التي تواجهها المنطقة، يبرز دور مصر تجاه قطاع غزة كضرورة حتمية لاستقرار المنطقة. يمثل قطاع غزة نقطة محورية في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ويعاني سكانه ظروفاً إنسانية صعبة نتيجة الحصار المستمر منذ سنوات، إضافة إلى النزاعات المسلحة المتكررة.

 قامت مصر بدور الوسيط في العديد من اتفاقيات وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية و"إسرائيل"، وكان لها الفضل في تخفيف التوترات ومنع تصعيد الأوضاع إلى مستويات خطيرة. كما قامت بتقديم المساعدات الإنسانية للقطاع، وخصوصاً في أوقات الأزمات، من خلال فتح معبر رفح وإرسال المساعدات الطبية والغذائية.

 وعلى الرغم من التحديات الكبيرة، تظل مصر ملتزمة بدعم قطاع غزة والعمل على تخفيف معاناته. وقد أكد المسؤولون المصريون مراراً وتكراراً أهمية دعم الاستقرار في غزة كجزء من استراتيجيتها الأوسع لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

 خلاصة القول

لا يمكن النظر إلى دور مصر تجاه قطاع غزة بمعزل عن دورها العام في المنطقة، فمصر، بحكم تاريخها ومكانتها، تتحمل مسؤولية كبيرة تجاه الفلسطينيين بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص. ويظل التزام مصر بالقضية الفلسطينية ثابتاً، في الوقت الذي تسعى لتحقيق التوازن بين دعم حقوق الفلسطينيين والحفاظ على الاستقرار الإقليمي.

 إن العلاقة بين مصر وقطاع غزة هي علاقة متجذرة في التاريخ، تتجاوز الحدود السياسية، وتستند إلى روابط قومية ودينية وثقافية عميقة.. ومن هذا المنطلق، يظل دور مصر حيوياً ومؤثراً في دعم قطاع غزة والعمل على إيجاد حلول مستدامة للتحديات التي تواجه سكانه، ما يعزز من استقرار المنطقة بأسرها.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.