كيف رسمت دماء القائد السنوار الخريطة الفلسطينية مع محور المقاومة؟
جسّد القائد يحيى السنوار خلال مسيرته السياسية نموذجاً فريداً في تدعيم ركائز الوحدة الوطنية بين كل الفصائل الفلسطينية السياسية وفصائل المقاومة وتمتين العلاقات الوطنية بينها.
من بين الركام ومن أرض المعركة كانت تصدح أصوات الرجال، أسداً هصوراً، وقائداً مشتبكاً ثائراً، وفي استشهاده تحضر كلماته الخالدة التي كان يردّدها دوماً في خطاباته المشهودة أثناء حديثه عن الشهادة بما حفظه عن الإمام علي رضي الله عنه:" أي يوم أفر من الموت، يوم لا يقدر أم يوم قدر ومن المقدور لا ينجو الحذر".
القائد يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، كنت قائداً وطنياً استثنائياً في الحركة الوطنية الفلسطينية، عشت قائداً عزيزاً لم تهادن ولم تساوم، أسقطت كل ادعاءاتهم وبرهنت بدمك الزكي أنك القائد المقدام، ارتقيت شهيداً وسقطت معك كل روايات المحتل الإسرائيلي، فلم تختبئ في ملجأ ولا نفق بل كنت في الميدان وقلب المعركة تتنقل بين العقد القتالية مقاوماً بسلاحك مستبسلاً بعزيمتك وإرادتك تحدد مسار المعركة ومستقبلها، في صفوفها الأولى، فلا احتميت بأسرى كدروع بشرية ولم تتحصن بين المدنيين.
حقاً أبا إبراهيم أنت ارتقيت ونلت أسمى وأشرف ميتة، وهم سقطوا مصدومين مرجفين منهزمين.
في استشهاد القائد يحيى السنوار وقفات كثيرة، لعل من يعرف شخصيته عن قرب، يدرك أنه قائد إنسان حنون على شعبه كان يفكر ليل نهار في كيفيه رفع الظلم والاحتلال والحصار الإسرائيلي عن شعبه، وضع في سلم أولوياته منذ فوزه رئيساً لحركة حماس في قطاع غزة قبل سنوات، الثوابت الوطنية الفلسطينية على أجندته، فكان تحرير الأقصى حلماً يراوده وتحرير الأسرى أم الثوابت والأولويات، وجعل تطوير قدرات المقاومة ودعمها بكل السبل هدفاً استراتيجياً له، ليس في حركة حماس فحسب بل لكل فصائل المقاومة الفلسطينية، أما الوحدة الوطنية الفلسطينية فكانت مرتكزاً وطنياً ثابتاً، إذ نجح في تجميع كل القوى الفلسطينية الحية حول نهج المقاومة وخيارها، وحرص أشد الحرص على تعزيز تحالفات حركته مع إيران وحزب الله وكل قوى محور المقاومة في المنطقة. فحق لقائد بهذه الصفات أن يختم مسيرته بشهادة لطالما تمناها.
مقدمة كان لا بد منها في حق قائد سياسي عسكري عرفته والتقيته مراراً في أكثر من محطة، ترك خلفه بصمات واضحة في كل الميادين، وتوّج ذلك بتقديم كل مقدرات حركة حماس البشرية والمالية والعسكرية فداءً للقدس وفلسطين يوم السابع من أكتوبر العام الماضي.
جسّد القائد يحيى السنوار خلال مسيرته السياسية نموذجاً فريداً في تدعيم ركائز الوحدة الوطنية بين كل الفصائل الفلسطينية السياسية وفصائل المقاومة وتمتين العلاقات الوطنية بينها، كان لافتاً حرصه الشديد على استكمال مشوار تحقيق المصالحة الفلسطينية، فلم يخل خطاب له من مفرداتها، عاش مؤمناً أن الحياة الحقيقية لشعبه لن تتحقق إلا بالمقاومة، وأن درب الحرية والكرامة محفوف دوماً بالتضحيات.
ترك القائد يحيى السنوار خلفه صورة حية رسخت في العقل الوطني الفلسطيني على مدار سنوات مضت من سيرته ومسيرته، فكانت استراتيجية الإيمان بالآخر وأهمية العمل الوطني الفلسطيني المشترك، سياسياً وإعلامياً وعسكرياً، من الثوابت والأولويات، فكانت غرفة العمليات المشتركة التي أنشئت في عهده ولم تكن عسكرية فحسب بل سياسية وإعلامية، وقد نجحت حماس في عهد القائد السنوار في تجسيد روح العمل الفلسطيني مع كل الفصائل الفلسطينية في المجالات كافة.
يدخل الشعب الفلسطيني وهو يخوض معركة "طوفان الأقصى" في عامها الثاني مرحلة جديدة عنوانها رفقاء السلاح ووحدة الدم والقرار والمصير بمشاركة كل الفصائل الفلسطينية من جهة ووحدة فصائل، وقوى المقاومة مع محورها وحلفائها في المنطقة من جهة أخرى، وهو ما كان السنوار حريصاً عليه طيلة فترة رئاسته المكتب السياسي لحماس عام 2017، ما عزز مسار الطريق الذي رسمه القائد السنوار بضرورة تعزيز خيار الوحدة الوطنية كخيار استراتيجي فلسطيني في مواجهة الصلف الإسرائيلي، واستمرار تعزيز العلاقات وتمتينها مع كل قوى محور المقاومة في المنطقة، وعلى رأسها حزب الله الذي يخوض المعركة جنباً إلى جنب مع حماس منذ الثامن من أكتوبر العام الماضي ومعه فصائل المقاومة اليمنية والعراقية.
سجل في عهد القائد السنوار قبل سنوات حسم حركة حماس خياراتها واصطفافها بشكل كامل مع محور المقاومة كرأس حربة للمقاومة في فلسطين، وعبّر عن ذلك في أكثر من خطاب بأهمية تعزيز العلاقات وتمتينها مع محور القدس بلا سقف أو حدود، ليرسم بهذا الموقف خريطة تحالفات واضحة متينة تقف موقفاً موحداً في الهدف والمصير، وطنياً من جهة، ومع محور المقاومة من جهة أخرى.
لاقى هذا الاصطفاف انتقاداً عربياً من قوى حسمت خياراتها واصطفافاتها مع "إسرائيل" والمحور الأميركي، لكنه لم يؤثر في طبيعة قرارات رسمتها حماس في عهد القائد السنوار بالرد على هذه الانتقادات بمزيد من التحالف والتنسيق العالي والمشترك مع كل قوى محور المقاومة التي تبنت خيار المقاومة سبيلاً لتحرير فلسطين ونصرة المسجد الأقصى، مقابل دول هرولت نحو التطبيع مع "إسرائيل" وخذلت فلسطين وقضيتها.
في تقييم موجز وسريع لطبيعة العلاقات الفلسطينية الداخلية والخارجية، أجزم أن العلاقات الوطنية الفلسطينية بين حماس وكل القوى السياسية الفلسطينية وقوى المقاومة وصلت مرحلة متطورة، بل باتت اليوم تشكل مدرسة ستتناقلها الأجيال بل ستعمد إلى تطويرها والعمل في النهج ذاته الذي أرسى قواعده القائد السنوار، أما عن التحالفات مع محور المقاومة فأي قائد سيخلف السنوار سيكمل المسيرة والمشوار بمزيد من التحالفات مع قوى محور المقاومة، إذ أدركت حماس أن الأنظمة العربية الرسمية خذلت فلسطين ولم تنصرها، ووقفت متفرجة عاجزة عن الدفاع عن الفلسطينيين وعن دماء أريقت بدم بارد، في وقت ما زالت تمارس "إسرائيل" حرب إبادة جماعية بحق الأطفال والنساء، فيما لم يجد الشعب الفلسطيني سوى قوى محور المقاومة لتدافع عنه وتقدم الشهداء والقادة على طريق القدس ومن أجل القدس وفلسطين، فكما مضى القادة هنية ونصر الله والعاروري يمضي القائد السنوار في ساح المعركة، لتبقى ملحمة السابع من أكتوبر إلهاماً لكل المقاومين والقادة في المنطقة.