كيف تتعامل إدارة بايدن مع الإحراج الدولي؟
يتكشّف الإحراج الذي تعانيه الإدارة الأميركية اليوم في مسائل حساسة، تجعلها تظهر كأنها تخلت عن السقوف العالية التي فرضتها سابقاً، وتتراجع هي نفسها عما كانت تطلبه إلى حلفائها.
يوماً بعد يوم، تواجه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ملفات خارجية صعبة وشائكة، تجعلها تبدو كأنها تعاني ازدواجية معايير، أو أن سَير الملفات الدولية التي تواجهها بات ينقلب بعكس ما تشتهيه.
ويتكشّف الإحراج الذي تعانيه الإدارة الأميركية اليوم في مسائل حساسة، تجعلها تظهر كأنها تخلت عن السقوف العالية التي فرضتها سابقاً، وتتراجع هي نفسها عما كانت تطلبه إلى حلفائها، وخصوصاً في مسائل تخص الصراع في أوكرانيا، والعلاقة بالصين.
1- في أوكرانيا:
بعد حرب العراق، توقّف الأميركيون عن استخدام الذخائر العنقودية المحظورة دولياً بسبب خطرها على المدنيين، وخصوصاً الأطفال، لأنها تتسبب بآلام ومآسٍ لا داعي لها، ولا تشكل ضرورة عسكرية، وهو ما يمكن أن يُعَدّ جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي. وعلى الرغم من ذلك، فإن الإدارة الأميركية أعلنت أنها حصلت على تفويض من الكونغرس الأميركي يسمح لها بإمداد أوكرانيا بتلك الذخائر، التي ستشكّل أزمة رأي عام بالنسبة إلى الحلفاء الاوروبيين الموقعين على اتفاقية منع استخدام القنابل العنقودية.
وفي سياق آخر، وبعد وعود طويلة الأمد لكييف بالانضمام الى حلف الناتو، بدأت منذ عام 2008، وتطورت بصورة كبيرة مع إدارة بايدن الحالية التي صعّدت خطابها مع موسكو بشأن الأمر، مؤكدة أن مطالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن تعهّد حلف الناتو عدم ضم أوكرانيا وضمان حيادها هي شروط غير مقبولة، لأن أوكرانيا دولة ذات سيادة، ولديها حرية قرارها، بالإضافة الى أن الناتو غير مستعد لأن يتخلى عن سياسة الباب المفتوح وضم أعضاء جدد.
وعلى الرغم من النداءات المتكررة، التي أطلقها الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، من أجل اتخاذ خطوات ملموسة لمنح أوكرانيا عضوية الناتو في قمة حلف شمال الأطلسي، التي ستُعقَد يومي 11 و12 تموز/يوليو الجاري في فيلنيوس، وقيامه بجولة في عدد من دول الناتو لحشد الدعم للانضمام، والحصول على دعم مبدئي من عدد من الدول، ومنها تركيا، بشأن انضمام أوكرانيا الى الناتو، ونشر استطلاع للرأي في ألمانيا يؤيد دخول أوكرانيا الحلف...
على الرغم من كل ما سبق، فإن الرئيس الأميركي، جو بايدن، أعلن أنّ "الولايات المتحدة لن تتخذ تدابير خاصة لتسهيل انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)". وأضاف: "يجب أن تنطبق على أوكرانيا المعايير نفسها. هذا يعني أننا لن نسهّل أمر" انضمامها، داعياً كييف إلى "الوفاء بجميع متطلبات عضوية الحلف، التي تنطبق على الأعضاء الآخرين".
وأكد مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جيك سوليفان، أن أوكرانيا "لن تنضم إلى حلف "الناتو" في إثر قمة فيلنيوس المقررة الأسبوع المقبل، مشيراً إلى مقابلة الرئيس بايدن الأخيرة مع شبكة "سي أن أن"، والتي أعلن فيها أن إدخال أوكرانيا حالياً يهدد بصدام مباشر مع روسيا.
2- العلاقة الأميركية بالصين:
لطالما حثّت الولايات المتحدة حلفاءها، وخصوصاً الأوروبيين، على تقليل اعتمادهم التجاري على الصين، ودعمت قيام الغرب ببدء إجراءات الاستقلال الاقتصادي وفك الارتباط بالصين.
وكان بيان قادة مجموعة السبع، في أيار/مايو من هذا العام، أكد السعي لـ"التخلص من المخاطر" التي تشكلها علاقاتها الاقتصادية بالصين، وذلك عبر السعي لاستيراد مزيد من المواد الخام الأساسية من مصادر متنوعة، والعمل على بناء صناعات التكنولوجيا النظيفة المحلية.
وفي المفهوم الاستراتيجي لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، الصادر في حزيران/يونيو من عام 2022، حضرت الصين لأول مرة في وثائق الناتو، التي عدّت أن "طموحات بكين المعلنة وسياساتها القسرية تتحدى مصالحنا وأمننا وقيمنا". ويؤكد الحلف استعداده لمواجهة "الأساليب القسرية التي تتبعها بكين والجهود المبذولة لتقسيم الحلف".
وبعد جهود وحملة علاقات عامة قامت بها وزارة الخارجية الأميركية والبيت الأبيض مع الشركاء الأوروبيين، بات الحديث الأوروبي أكثر عدائية تجاه الصين، وأصدرت بروكسل "استراتيجية الأمن الاقتصادي الأوروبي" في 20 حزيران/يونيو 2023، والتي يحاول فيها الأوروبيون تخطي الضغوط الأميركية عبر نهج يوازن بين المخاوف بشأن الاعتماد المفرط على الصين وبين المحافظة على العلاقات التجارية بثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وكان عدد من القادة الأوروبيين دعا الى "الانفصال" بالتدريج عن الصين والتخلص من التبعية الاقتصادية، متوجساً من إمكان تكرار ما حدث مع روسيا بعد الحرب الأوكرانية، واعتماد القارة على الغاز الروسي. ووعدت رئيسة الوزراء الإيطالية الجديدة، جورجيا ميلوني، بالانسحاب من الاتفاقية الموقعة بين إيطاليا والصين منذ أعوام.
وبعكس مسار الضغوط الأميركية على الحلفاء، وبعد مسار من تصعيد إدارة بايدن مع الصين، والذي كانت ذروته زيارة نانسي بيلوسي لتايوان، وإعلان بايدن استعداده لإرسال الجيش الأميركي للدفاع عن تايوان، تكثفت في الأشهر الماضية زيارة المسؤولين الأميركيين للصين، وآخرها زيارة وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، التي قالت إن الرئيس الأميركي، جو بايدن، كلّف إدارته تعميق التواصل مع الصين من أجل حلّ مجموعة من القضايا، وأن "فك ارتباط الاقتصادين الأميركي والصيني مستحيل عملياً"، وإن حدث فإنه "سيؤدي إلى زعزعة الاقتصاد العالمي".
وهكذا، يتضح أن الإدارة الأميركية تدفع حلفاءها إلى تقويض علاقاتهم بالصين، تجارياً وسياسياً واقتصادياً، في وقت تقوم بإرسال وزرائها من أجل تحسين العلاقات بين البلدين وتخطي التباينات التي سببتها السياسات العدائية السابقة بين البلدين.