في عامها الثالث... هل تتخذ الحرب في السودان أطواراً جديدة؟
حسم الجيش والمقاومة الشعبية للمعركة لا يعني بالضرورة انتهاء الحرب في السودان، فالحرب فيه ليست صراعاً بين أطراف داخلية، إنما هي حرب خارجية، خطط لها الغرب وشركاؤه في الإقليم.
-
تشي معطيات الحرب وتطوراتها في السودان بأنّها قد تتخذ أطواراً جديدة.
دخلت الحرب الدائرة في السودان عامها الثالث هذا الشهر، بعد أن تغيّرت معادلاتها بتحرير الجيش والمقاومة الشعبية مناطق واسعة كانت تحت سيطرة مليشيا "الدعم السريع"، مثل ولاية سنار والجزيرة وولاية الخرطوم، وانحصر وجود المليشيا في (4) ولايات في دارفور التي تجري فيها معارك ضارية من أجل إسقاط مدينة الفاشر، عاصمة إقليم دارفور التاريخية، لتعلن منها الحكومة الموازية التي اتفقت "الدعم السريع" وجناحها السياسي "قحت/صمود" على إعلانها توطئة لعزل دارفور عن السودان، وإيذاناً بدخول البلاد مرحلة تقسيم جديدة تحاكي تجربة الجنرال حفتر في شرق ليبيا التي قسمتها إلى جزأين.
كان للمجتمع السوداني القدح المُعلى في هذه الانتصارات التي تحققت، وذلك بمشاركة فاعلة من المقاومة الشعبية التي انبثقت عنه، مناصرة للجيش الوطني ومؤازرة له في معركة تحدي الوجود التي فرضها الخارج وحلفاؤه الإقليميون والمحليون على السودان وشعبه.
مع التقدم الكبير للجيش والمقاومة الشعبية في المعارك العسكرية الكبرى في وسط السودان وجنوبيه، برزت ظاهرة استهداف المليشيا لعدد من المدن الكبرى الواقعة على ضفتي نهر النيل بين الخرطوم والحدود السودانية - المصرية بالمسيرات، في مسعى لتدمير البنى التحتية، وضرب الأمن والاستقرار في تلك المدن التي لم تطلها يد الحرب في العامين الماضيين، وقد سبقت هذه العمليات الخطيرة تصريحات لقادة المليشيا تعهدوا فيها بزعزعة حياة سكان تلك المدن، كما فعلوا مع سكان الولايات التي سيطروا عليها وساموا مواطنيها صنوف العذاب، وارتكبوا بحقهم جرائم حرب جعلتهم أمام خيارين؛ التهجير القسري أو الإبادة الجماعية والتصفية العرقية.
تشي معطيات الحرب وتطوراتها خصوصاً في عامها الثالث، بأنّها قد تتخذ أطواراً جديدة، إذ تعمل مليشيا "الدعم السريع" وشركاؤها على تعزيز سيطرتها على الأجزاء التي تحتلها من دارفور، والمحافظة عليها، وبذل كل الجهود من أجل استكمال سيطرتها على إقليم دارفور كاملاً من خلال إسقاط مدينة الفاشر، وبالتزامن مع ذلك تعريض بقية أنحاء السودان للاضطراب والتدمير الممنهج.
وفي سياق هذا المخطط، ستعمل الدول التي أشعلت الحرب بالتعاون مع المليشيا على ما يلي:
- الاستمرار في استخدام المسيرات من أجل ضرب البنى التحتية، وبخاصة السدود ومحطات إنتاج الكهرباء والمياه، وضرب الأسواق ومراكز الخدمات المختلفة من تعليم وصحة وغيرها، مع استهداف مشروعات الإنتاج، وذلك لإشاعة حالة من الذعر وعدم الاستقرار بين المواطنين، ولإجبارهم على النزوح من قراهم ومدنهم ومواطنهم. ويرجح أن تستخدم المليشيا أساليب أمنية أخرى تحقق أحد أهم أهداف هذا العدوان ممثلاً في التهجير القسري للسكان الأصليين من ضفاف النيل والأنهر الأخرى لإخلاء تلك المناطق من سكانها، لأن ذلك يعدّ أحد مطالب التغيير الديموغرافي.
- انتهاج أسلوب الحرب الاقتصادية، وذلك من خلال تعزيز الحصار الخارجي المفروض على السودان منذ عقود، والسعي لتضييق الفرص أمام الصادرات السودانية، مع استمرار فتح فرص تصدير الصمغ العربي والذهب بشكل استثنائي، وذلك بسبب أهمية الصمغ العربي في صناعة الغذاء والدواء وفي صناعة المعرفة والاتصالات وغيرها، وبسبب استمرار أبوظبي في احتكارها للذهب السوداني في ظل عدم توفر أسواق بديلة. كما يتوقع استمرار تزوير العملة السودانية، وتصاعد عمليات التلاعب بسعر صرف الجنية أمام الدولار، وتطوير عمليات ووسائل الحروب الاقتصادية الأخرى وبشكل خاص تلك التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين واحتياجاتهم.
- مواصلة الحرب السياسية، وذلك من خلال تعزيز الدور المشترك للمليشيا وجناحها السياسي، والانتقال بجهدهما المشترك من مرحلة التأسيس للحكومة الموازية إلى مرحلة الإعلان عنها، وما يترتب على هذا الإعلان من عمل يمكّن من تحويلها إلى حكومة أمر واقع في بعض أنحاء دارفور، وتمكينها من ممارسة بعض مظاهر السيادة مثل طباعة عملة جديدة وفرض تداولها في مناطق السيطرة، واعتماد وثائق وهويات جديدة "بطاقة وطنية وجواز سفر" تعبر عن هوية الحكومة الموازية، وتستكمل تكريس وضع المستوطنين الذين جاءت بهم من دول غرب ووسط أفريقيا من خلال تمليكهم تلك الوثائق، لتفرض ذلك كواقع عملي يضمن استمرار وجودهم وتمتعهم بحقوق المواطنة حاضراً ومستقبلاً.
- ممارسة أعمال السيادة الأخرى على دارفور، في فضائها وفي حدودها المشتركة مع شرق ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى ومع دولة جنوب السودان،ويتوقع أن يتم تبادل التمثيل الدبلوماسي مع هذه الدول بعد اعترافها بالدولة الجديدة، مع كل ما يترتب على ذلك من صراعات وأزمات مع الدولة الأم.
- توظيف المنظمات الدولية والإقليمية، وبشكل خاص الاتحاد الأفريقي ومنظمة "الإيغاد" في إطالة أمد الحرب في السودان، من خلال مضاعفة جهودها، لتخدم الأهداف التي أشعلت الحرب من أجلها، ولضمان دور سياسي واقتصادي وعسكري للمليشيا وشركائها المحليين، وتمكينهم من المساهمة بفاعلية كبيرة في تشكيل مستقبل السودان على النحو الذي يخدم مشروع الهيمنة الخارجية بأبعاده الاستراتيجية، وببرامجه الهادفة إلى إعادة هندسة الأوضاع في السودان، ثقافياً واجتماعياً وسياسياً.
- استمرار الدور الغربي-الصهيوني، ودور شركاء هذا المحور في الدفع بالأوضاع في السودان نحو التأزيم لإخضاعه وضمان الهيمنة عليه، والسيطرة على موارده، والاستفادة من موقعه، وتوظيفه في خدمة المشروعات "الاستعمارية" في أفريقيا، وفي ضمان أمن "إسرائيل" ولتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية الغربية-الإسرائيلية في أفريقيا في ظل التنافس والصراع الدولي فيها وعليها.
إن حسم الجيش والمقاومة الشعبية للمعركة العسكرية لا يعني بالضرورة انتهاء الحرب في السودان، فالحرب فيه ليست صراعاً بين أطراف داخلية، إنما هي حرب خارجية، خطط لها الغرب وموّلها شركاؤه في الإقليم، وشارك في تنفيذها عسكر وساسة محليون، وحُشدت لها المرتزقة من دول كثيرة، وصرفت فيها أموال طائلة، لن يستسلم الخارج لنتائج التقدم والحسم العسكري إلا إذا صاحب ذلك وعي وعزم عند قيادة الدولة السودانية، وقدرة على توظيف طاقات المجتمع في فرض الأمن والاستقرار، وفي صون السيادة والاستقلال الوطني، وإلا ستخلط أطوار الحرب الجديدة "الأمنية والاقتصادية والسياسية" الأوراق.