مصر والصين لتعميق الشراكة الاستراتيجية في مواجهة التحديات

تعدّ مصر أوّل دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، وأوّل دولة نامية تقيم علاقات استراتيجية مع الصين.

0:00
  • كيف تطوّرت العلاقات الصينية المصرية؟
    كيف تطوّرت العلاقات الصينية المصرية؟

قام رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ بزيارة رسمية إلى مصر خلال الفترة من 9 إلى 10 تموز/يوليو، حيث التقى بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأجرى محادثات مع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، كما التقى برئيس مجلس النواب المصري حنفي جبالي. وخلال الزيارة، شهد رئيسا الوزراء توقيع وثائق تعاون متعدّدة في مجالات التجارة الإلكترونية والتحوّل الأخضر منخفض الكربون والمساعدات الإنمائية والتمويل والصحة وغيرها.

تمثّل هذه الزيارة أول زيارة للي تشيانغ إلى مصر بصفته رئيساً لمجلس الدولة، كما أنها جاءت مباشرة بعد مشاركته في قمة قادة مجموعة "البريكس" في ريو دي جانيرو، مما يمنحها دلالة فريدة في ظلّ تفاقم الأزمات الجيوسياسية الحالية.

تعدّ مصر أوّل دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، وأوّل دولة نامية تقيم علاقات استراتيجية مع الصين. وأكد لي تشيانغ خلال الزيارة أنّ الجانب الصيني يضع دائماً تنمية العلاقات مع مصر في مكانة أولوية ضمن دبلوماسيته تجاه الشرق الأوسط، مما يبرز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، حيث تشهد العلاقات الثنائية قفزة تاريخية من التعاون التقليدي في البنية التحتية إلى التكامل الاستراتيجي الشامل.

ويُعدّ التعاون المالي بين البلدين من أحد أهم النتائج التي حقّقتها زيارة لي، وقد حظي باهتمام واسع في المجتمع الدولي، حيث وقّع البنك المركزي الصيني والبنك المركزي المصري مذكّرة تفاهم يوم 10 تموز/يوليو لتعزيز التعاون المالي الثنائي، وتهدف مذكّرة التفاهم إلى تشجيع استخدام العملات المحلية في تسوية المعاملات المالية والتجارية، وكذلك تسهيل الاستثمارات المباشرة بين الجانبين، وتعزيز التعاون في مجال العملات الرقمية للبنوك المركزية، ودعم الابتكارات المالية باستخدام التكنولوجيا الحديثة.

كما وقّعت شركة تشاينا يونيون باي ومؤسسة مقاصة المدفوعات بين البنوك عبر الحدود مذكّرات تفاهم مع شركائهما المصريين على التوالي، لتعزيز قدرات خدمات الدفع عبر تشاينا يونيون باي في السيناريوهات المتعدّدة بمصر، وتشجيع البنوك في المنطقة الاقتصادية الصينية المصرية "تيدا-السويس" على التعامل بالأعمال عبر الحدود بعملة الرنمينبي من خلال نظام الدفع عبر الحدود بعملة الرنمينبي (CIPS).

سيُسهم ذلك في مساعدة مصر على تجاوز أزمتها الاقتصادية الحالية، وخفض تكاليف المعاملات، وتعزيز التعاون التجاري والاستثماري الثنائي، وتخفيف الضغط على النقد الأجنبي المصري. كما سيعزّز ذلك عولمة الرنمينبي، ويوفّر طرق تسوية أكثر استقراراً لسوق الشرق الأوسط، مما يطلق العنان لإمكانيات التجارة والاستثمار في الاقتصاد العالمي.

بالإضافة إلى ذلك، وقّع الجانبان الصيني والمصري اتفاقية إطار التعاون لـ "برنامج مبادلة الديون من أجل التنمية"، والتي تهدف إلى تحويل القروض التقليدية من دون فوائد إلى نموذج تعاون تنموي مستدام، مع التركيز على دعم مشاريع مصر في مجالات الوقاية الأمنية الحيوية، ومعدات وخدمات ذوي الإعاقة، وتنمية الموارد البشرية. مما يعكس التعاون المستمر بين الصين ومصر في مجالات البنية التحتية والمشاريع المعنية بمعيشة الشعب.

ووقّع الجانبان مذكّرة تفاهم حول أوّل استراتيجية للتعاون الإنمائي بين مصر والصين من 2025 –2029، لتعزيز التعاون في المجالات ذات الأولوية للجانبين، بما في ذلك: الرعاية الصحية، والاتصال، وتغيّر المناخ والتنمية الخضراء، والاقتصاد الرقمي، والفضاء، والتعليم، وتوطين الصناعة.

تسارعت استراتيجية مصر "للاتجاه نحو الشرق" في السنوات الأخيرة، حيث انضمّت رسمياً إلى مجموعة "بريكس" مع بداية كانون الثاني/يناير 2024، وأصبحت شريكاً للحوار في منظمة شانغهاي للتعاون عام 2022. في 1 كانون الثاني/يناير 2024 شاركت مصر للمرة الأولى كعضو كامل العضوية في القمة السادسة عشرة لقادة دول البريكس التي عقدت في قازان الروسية هذا العام. يشكّل هذا لحظة حاسمة لمصر التي تسرع بتحوّل هيكلها الاقتصادي وتسعى جاهدة للخروج من مأزقها الاقتصادي.

بعد الانضمام إلى مجموعة البريكس، واصل حجم التجارة المصرية مع الدول أعضاء البريكس نمواً سريعاً، وتسارعت وتيرة التعاون في القدرات الإنتاجية مع الصين. وفقاً لأحدث تقرير صادر عن الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامّة والإحصاء، ارتفع إجمالي الواردات السنوية لمصر من دول البريكس الأخرى من 17.9 مليار دولار أميركي في السنة المالية 2013/2014 إلى 32.8 مليار دولار أميركي في السنة المالية 2023/2024، بزيادة 82.6%؛ بينما ارتفعت الصادرات السنوية من 6.3 مليارات دولار أميركي إلى 8.7 مليارات دولار أميركي، بزيادة 38.5%.

في إطار آلة البريكس، أتت العديد من الشركات الصينية لتأسيس مصانع في مصر، ثم تبيع منتجاتها إلى الدول التي وقّعت اتفاقيات تجارية مع مصر. وأصبحت المنطقة الاقتصادية الصينية المصرية "تيدا-السويس" الواقعة على ساحل البحر الأحمر في مصر مشروعاً نموذجياً لربط مبادرة "الحزام والطريق" الصينية مع "المنطقة الاقتصادية لقناة السويس" المصرية.

عندما التقى لي تشيانغ بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، صرّح السيسي: "في السنوات الأخيرة، وبفضل الجهود المشتركة من الجانبين، أقامت مصر والصين شراكة استراتيجية شاملة، وقد بلغت العلاقات الثنائية أعلى مستوى لها في التاريخ". مما يمثّل تأكيداً رفيع المستوى على علاقات البلدين.

في السنوات الأخيرة، وتحت القيادة الاستراتيجية لقادة البلدين، تطوّرت العلاقات الصينية المصرية بسرعة. سيكون العام المقبل الذكرى السبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر، كما سيشهد انعقاد القمة العربية الصينية الثانية. ستصبح العلاقات الصينية المصرية نموذجاً يُحتذى في العلاقات العربية الصينية، حيث تقف العلاقات الصينية المصرية والعربية الصينية على نقطة انطلاق جديدة، متجهة نحو تعاون استراتيجي بمستوى أعلى.