سننتصر عليهم بتوظيف غرورهم!

فجر 7 تشرين الأوّل/أكتوبر كان هناك من يعملون انطلاقاً من الانشغال بالمصير الفلسطيني الوطني العامّ، ثُمّ عرفنا ما يحدث بعد أن ارتفعت شمس ذلك اليوم المبارك التحوّلي الذي مسح الغبش والسواد.

0:00
  • كيف غرقت
    كيف غرقت "إسرائيل" في وحل غزة؟

بعد أن أعيد بناء الجيش المصري، وتمّ التخلّص ممن هم غير جديرين بمواقع شغلوها لسنوات تسبّبت بترهّل الجيش، وإفقاده الحماسة، والوعي، والجاهزية لمقاتلة عدو مصر والعرب، ناهيك عن الفساد الذي انتشر من فوق إلى تحت وتسبّب به من لا يستحقون مواقع شغلوها، وتفشّى ناشراً اليأس والإحباط.. عُقد اجتماع ضمّ ضباطاً كباراً كانوا مستبعدين قبل أن تضرب الهزيمة المروّعة مصر وسوريا والأردن في حزيران/يونيو 1967، وبرئاسة الرئيس جمال عبد الناصر الذي عاد عن استقالته وإعلانه أنه يتحمّل مسؤولية الهزيمة التي وصفت بالنكسة...

تساءل الرئيس جمال عبد الناصر، موجّهاً سؤاله لقادة الجيش الذين تسلّموا المهمات، وهو يمدّ نظره بعيداً:

-كيف سنهزم "جيش" الاحتلال ونطرده ونلحق به هزيمة لا بدّ منها؟

كان جواب الفريق عبد المنعم رياض:

-نحن قادرون على هزيمتهم يا سيدي الرئيس، فهم منذ انتصارهم في حرب حزيران وهم يعانون من الغرور.. أي هم لا يروننا، ولا يتوقّعون منّا أن نفاجئهم ونلحق بهم هزيمة تضعهم في حجمهم: قاعدة للغرب، وليس كياناً متفوّقاً و"دولة" بـ "جيش" منتصر.

قرأت النص مراراً في كتابات الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، ومن يومها لبث في رأسي، واستيقظ فجر 7 تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، فهذا العدو الذي هو حارس لمصالح الغرب، سيما الولايات المتحدة، وبلطجي حكّام يحتاجون حمايته، وحقول نفط تصبّ ثرواتها في خزائن أعداء عرب متفرّقين ممزّقين مشتتين انتفخ غروراً وملأ الدنيا دعاية بأنه ينتصر على ( كُلّ) العرب مشرقاً ومغرباً، وهو مقابل الدعاية والانتحال والغرور يحظى بما لا يستحقّ، ويمكن أن يهزم إذا ما ووجه بقتال حقيقي عملي ( يُنفس) تزويره صورته عن نفسه، ويفضح دوره وحجم ما يتلقاه من دعم من أميركا والغرب (أُجرة) له على القيام بدوره كأجير يخرّب و( يضبع) حكّام بلاد لا يستندون في حكمهم إلى شعوب مغلوبة على أمورها حتى تستيقظ وتنتفض وتقرّر مصيرها بحريتها.

فجر 7 تشرين الأوّل/أكتوبر لم يكن يخطر ببال جنرالات العدو، وكان عناصر "جيشهم"، وبخاصة فرقة قطاع غزة ينامون بعمق، ضبّاطاً وعساكر، فماذا على بالهم، فهم يخنقون القطاع، ويتحكّمون بكلّ ما يدخل إليه، وهدفهم تيئيس فلسطينيي القطاع، بالتجويع، وانعدام العمل، وافتقاد المستقبل.. ولذا فالخيار: الهجرة بعيداً بحثاً عن آفاق وحياة...

وكان هناك من يعملون انطلاقاً من الانشغال بالمصير الفلسطيني الوطني العامّ، من تواصل القطاع المعزول والمحاصر مع الضفة وكل فلسطين.. ثُمّ عرفنا ما يحدث بعد أن ارتفعت شمس ذلك اليوم المبارك التحوّلي الذي صحّح الهواجس، ومسح الغبش والسواد، وأسفر عن الحقيقة التي طمسها قتال سرايا القدس منفردة ووحيدة حتى خشينا عليها من الاستفراد بها بسبب التآمر عليها والطعن في ظهر رجالها.. 

فإذا بطوفان الأقصى يوقظنا، ويملأ نفوسنا وعقولنا إعجاباً وفخراً بالإعداد والبناء والمفاجأة و( الخداع) ـــــ والحرب خدعة كما قرأنا.. أي مباغتة ـــــ المبرّر وضرب الغرور، غرور العسكرية التي انتفخت بما تحقّق لها من انتصارات فارغة استندت على تغييب جماهير الأمة عن حربها، وبناء جيوش استعراضات للحراسات والقمع وليس للتحرير وصّد الأعداء وتدفيعهم أثماناً فادحة لتطاولهم..

انتهى زمن الرهان على حلول سلمية تنصف شعب فلسطين، وتمنحه حقه في السيادة، فالأميركيون يخادعون ويجرجرون من يصدّقهم، وكيانهم الصهيوني يلتهم الأرض والماء ويدمّر حياة الفلسطينيين ويستخدمهم سوقاً استهلاكياً وأيادي عاملة تشتغل له في الزراعة، والفلسطينيون من دون سيادة على أرض وطنهم رغم أن عددهم في فلسطين التاريخية بات يفوق أعداد الصهاينة الملمومين من كل جهات الدنيا، وفيهم يهود روس أرثوذكس بمئات الألوف.. وعلى البيعة من حُسبوا يهوداً وهم استوردوا من الهند وأعطوهم رقم القبيلة الـ 13 الضائعة.. والتي وجدوها ونفضوا عنها الغبار وقالوا لها: هذه أرضكم الموعودة أيضاً.. احملوا السلاح أسوة (بيهود الفلاشا) ودافعوا عن أرض أجدادكم!!.

فجر 7 تشرين الأوّل/أكتوبر اكتسح الطوفان سيل الأكاذيب الصاخب من التوقيع في 13 أيلول/سبتمبر 1993 في كنف البيت البيض بواشنطن، ومن ذلك اليوم حتى الفجر التشريني وقضية فلسطين وشعب فلسطين.. في حالة خسران مبين!.

استيقظ أعداء فلسطين، وكل المتآمرين عليها وعلى شعبها وعلى أُمتها، وانهمكوا في العمل لتصفية (الحدث) الذي حسبوه عابراً، نزوة وطنية مغامرة، وصاروا يتسابقون لصيد ( المغامرين).. وامتدّت الحرب، "تمرمط" "جيش" الانتصارات السهلة الذي أمدته أميركا بأطنان من أسلحة التدمير التي سحقت أبنية المدن الغزيّة وطاردت أهلها تحت الخيام مقترفة أكبر مذبحة في عصرنا بالصوت والصورة.. أيقظت كثيرين في العالم شعبيّاً باستثناء عواصم التبعية الغارقة في عصور الانحطاط والتواكل!.

ظنّ قادة الكيان، مدنيون وعسكريون، أنهم سيصفون (العملية) العسكرية الفلسطينية، ثمّ غرقوا في رمال قطاع غزة الذي لم يغرق في البحر.. بل أغرقهم في بحر رماله.. وبحر بطولاته.. وها قد أبحرنا في شهر الطوفان الحادي عشر.. وانتشلهم الطوفان الفلسطيني من بحر غرورهم وجلدهم على وجوههم وأقفيتهم وجرجرهم.. فلم يجدوا أمامهم من يقاتلونه سوى المدنيين الغزيين وتدمير البيوت والحيطان على رؤوس نسائهم وأطفالهم وتحويلهم إلى أشلاء.. بالقنابل والصواريخ والطائرات الأميركية الأكثر حداثة، والتي قدّرت أثمانها التي لن يدفعها الكيان الصهيوني بخمسة وأربعين مليار دولار.. وهذه ليست المشاركة الوحيدة الأميركية في الحرب على شعب فلسطين في قطاع غزّة وكّل فلسطين!.. ومع ذلك فأميركا وسيط.. فهل أميركا وسيط؟!.

لدي أسئلة كثيرة كملايين العرب في بلاد محكومة بالتابعين، سأرجئها إلى مقالات آتية، وأقول: اسمع هديراً مكتوماً، وألمح قهراً.. وما حدث بعد (نكبة) 1948 سيكون خفيفاً قياساً لما سيقع من عقاب على تفرّج المتفرجين على أشلاء عرب فلسطين وتضحياتهم وبطولاتهم ومآثرهم التي ستنتزع الحرية والكرامة.. وسيهزم غرور الانتصارات الكيان وتآمر عرب يتركون الحدود للكيان الصهيوني ليحتلّه ويخنق المقاومة في قطاع غزة، ويتآمر على مقاومة حزب الله.. وهو ما لن ينجح لأن الطوفان سيكنس كل ما لا يستحق الحياة في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج...

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.