دلالات موسمية عودة تنظيم "القاعدة" لدول الساحل الأفريقي

تصاعد الهجمات الإرهابية في دول الساحل الأفريقي محاولة استنزاف لمقدرات هذه الدول وقواتها، ومحاولة إشغال، وإظهار أنظمتها السياسية بأنها غير قادرة على حماية أمنها وشعبها.

  • بدأت ملامح عودة تصعيد الهجمات الإرهابية مؤخراً تتضح في منطقة الساحل الأفريقي.
    بدأت ملامح عودة تصعيد الهجمات الإرهابية مؤخراً تتضح في منطقة الساحل الأفريقي.

شهدت مؤخراً دول الساحل الأفريقي تصاعداً ملحوظاً في معدلات عمليات التنظيمات الإرهابية المحسوبة على كل من "القاعدة" و"داعش"، وهو تصاعد يثير جملة تساؤلات تقف عند مستويين: الأول، مؤشرات عودة العمليات الإرهابية وتصاعدها؛ والثاني: موسمية العودة ومؤشرات التوظيف الأميركي، بمعنى هل تصاعد العمليات مرتبط بأسباب محلية تتعلق بظروف هذه الدول، أم أن هناك عوامل خارجية غربية تدفع بتزايد الحضور وتوظفه؟

بدأت ملامح عودة تصعيد الهجمات الإرهابية مؤخراً تتضح في منطقة الساحل الأفريقي؛ بعد أن أعلنت دولة تشاد أن أربعين جندياً قُتلوا في هجوم إرهابي استهدف قاعدة عسكرية تقع غرب البلاد، في منطقة حوض بحيرة تشاد، غير بعيد من الحدود مع دولتي نيجيريا والنيجر. وذلك نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2024. ويعدّ هذا الهجوم واحداً من أعنف الهجمات الإرهابية التي تستهدف تشاد هذا العام.

في الجوار كان الجيش المالي يواصل عملياته العسكرية شمال البلاد ووسطها ضد معاقل "القاعدة"، معلناً أنه قضى على نحو 40 إرهابياً خلال عملية عسكرية في محافظة نامبالا؛ على الحدود مع موريتانيا. وذلك بعدما شهدت العاصمة باماكو هجوماً عنيفاً وغير مسبوق ضد مطار باماكو الدولي قتل فيه أكثر من 70 جندياً.

يُذكر أنه منذ عام 2017 تضاعفت الأحداث المرتبطة بالحركات المسلحة في منطقة الساحل، خصوصاً بوركينا فاسو ومالي وغرب النيجر إلى سبعة أضعاف، وأصبحت المنطقة بؤرة للتوتر وعدم الاستقرار، ونقطة للصراع بين القوى العالمية الباحثة عن موطئ قدم، أو تمدّد في القارة الأفريقية. وقد ضمت قائمة الدول العشر الأكثر تعرضاً لخطر الإرهاب خلال عام 2023 على مؤشر الإرهاب العالمي للعام 2024، خمس دول أفريقية، منها الصومال في شرق القارة، وأربع دول من الغرب الأفريقي. وتصدرت دول إقليم غرب أفريقيا ولا سيما ما يطلق عليه الساحل الأوسط أعلى مؤشرات التهديدات الإرهابية.

بالمناسبة، هناك مجموعات وحركات مسلحة أخرى تنشط في منطقة الساحل الأفريقي لا تتبنى شعارات "جهادية"؛ مثل الحركة العربية لتحرير أزواد في مالي؛ التي تأسّست في الأول من نيسان/ أبريل 2012، وتهدف بالأساس إلى قيام دولة للطوارق في منطقة أزواد في الشمال المالي، كما تسعى إلى تكوين قوة عربية مسلحة على الأراضي المالية. والحركة الوطنية لتحرير أزواد؛ والتي تعدّ من أبرز الحركات التي تنشط في المنطقة، تأسست في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2010 في مدينة تمبكتو شمال مالي.

توحي عدة مؤشرات وتقديرات بأن وتيرة العمليات الإرهابية في أفريقيا مرشحة للتصاعد، وفي هذا الخصوص، صدر تقرير عن الأمم المتحدة في شباط/ فبراير 2024، يحذر من تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية، منوّهاً بأن الآلاف من مقاتلي تنظيمَي "القاعدة" و"داعش" ينتشرون في مناطق مختلفة من قارة أفريقيا، وخصوصاً في منطقتي الساحل والقرن الأفريقي.

تصاعد العمليات الإرهابية في القارة الأفريقية عموماً ومنطقة الساحل تحديداً لا يمكن عزله وفصله عن المتغيرات الدولية الحاصلة في القارة الأفريقية؛ لا سيما لجهة إعادة ترتيب العلاقات البينية بين دول القارة من جهة؛ وبينها وبين تراجع نفوذ الولايات المتحدة والدول الغربية من جهة أخرى. ومن مؤشرات ذلك كمثال تزامن العمليات الإرهابية التي وقعت في مالي 20 أيلول/ سبتمبر 2024، غداة الذكرى الأولى لإنشاء تحالف دول الساحل، الذي يضمّ كلاً من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، التي تواجه توسع الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي. والملاحظ أن هذه الدول ألغت تباعاً، منذ عام 2020، التحالف التاريخي مع فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، واستدارت في علاقاتها وتحالفاتها مع دول أخرى مثل روسيا والصين.

إن دلالات موسمية عودة الهجمات الإرهابية في منطقة دول الساحل تطرح تساؤلاً مركزياً عن العلاقة بين ذلك وبين إعادة تلك الدول ترتيب محددات علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية. في المقابل، تقوم الولايات المتحدة بتوظيف حالة الهشاشة الداخلية التي تعاني منها تلك الدول وبين تصاعد وتيرة الهجمات، ما يعني أن هناك علاقة طردية وظيفية مستترة ومسكوت عنها بين التمدد الأميركي في القارة الأفريقية وبين تصاعد الهجمات الإرهابية؛ فكلما تراجع الحضور الأميركي تصاعدت العمليات الإرهابية والعكس صحيح. 

وبالتالي، فإن تصاعد العمليات الإرهابية كمتغيّر يتم توظيفه واستثماره لإعادة تعزيز الحضور العسكري للولايات المتحدة الأميركية إلى القارة الأفريقية واستباحتها أمنياً واستخبارياً واستغلال مواردها. وقد ارتبط تصاعد العمليات الإرهابية في دول الساحل الأفريقي باكتشاف مناجم جديدة للذهب منذ عام 2012.

 تستخدم الولايات المتحدة متغير تصاعد الهجمات الإرهابية كعقاب للدول الأفريقية التي ذهبت لإقامة علاقات وتحالفات مع قوى دولية أخرى كروسيا والصين. لذلك، تجد أن تصاعد العمليات الإرهابية في بعض الدول الأفريقية قد ارتبط مؤخراً بعامل علاقة تلك الدول مع واشنطن. تلك العلاقة التي وصلت حد طرد القوات الأميركية من هذه الدول. 

تعددت مؤخراً أشكال التوظيف الأميركي لتصاعد موسمية عودة العمليات الإرهابية من أجل إعادة التغلغل العسكري في القارة الأفريقية من جديد، بذريعة مواجهة الجماعات المسلحة، ومن أمثلة ذلك في 11 أيلول/ سبتمبر 2024، أرسلت الولايات المتحدة الأميركية مجدداً قوات خاصة ومعدات عسكرية وطائرات إلى القارة الأفريقية، تحديداً مطار بنين وساحل العاج. وسعت واشنطن للتفاوض مع تشاد لإعادة تشغيل القاعدة العسكرية الأميركية وعودة قواتها الخاصة هناك.

ويُعبّر اللواء المتقاعد مارك هيكس، القائد السابق لقوات العمليات الخاصة الأميركية في أفريقيا، عن إعادة التموضع الأميركي في القارة الأفريقية قائلاً: "إن خسارة النيجر تعني أننا فقدنا قدرتنا على التأثير المباشر في مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد في منطقة الساحل"، مشيراً إلى أن نقل القوات الأميركية إلى دول ساحلية مثل ساحل العاج وبنين "هو من الناحية الاستراتيجية اللعبة الوحيدة المتبقية لنا". 

ومن الأمثلة أيضاً، قيام مدير الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز، في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، بزيارة سرية للصومال، هي الثانية خلال هذا العام، لمناقشة تعزيز الشراكة والتعاون الاستخباري، واستراتيجيات مكافحة الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي.

تصاعد الهجمات الإرهابية في دول الساحل الأفريقي محاولة استنزاف لمقدرات هذه الدول وقواتها، ومحاولة إشغال، وإظهار أنظمتها السياسية بأنها غير قادرة على حماية أمنها وشعبها، وبالتالي لا يمكنها الاستغناء عن القوات الغربية والأميركية والاستعانة بها وزيادة الإنفاق العسكري من خلال صفقات التسليح من تلك الدول، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية.

إن تحريك تلك الهجمات وتصاعدها وتوزيعها الجغرافي مرتبط أيضاً بتصاعد التنافس على النفوذ في أفريقيا بين روسيا والصين من جهة؛ والولايات المتحدة وفرنسا من جهة أخرى. حتى بات تصاعد التنافس بين تلك القوى مرتبطاً بتصاعد الهجمات الإرهابية.

تُعدّ النيجر نموذجاً من معادلة تصاعد التنافس المرتبط بتصاعد الهجمات؛ فخروج واشنطن ودخول موسكو انعكس في تصاعد الهجمات الإرهابية في تلك البلاد. عندما أعلنت موسكو نيتها نشر قوات الفيلق الأفريقي.

في النيجر ومالي وبوركينا فاسو، أعلنت واشنطن عن إجراء مباحثات مع غانا وتوجو وساحل العاج وبنين، لتوقيع اتفاقيات أمنية تسمح ببناء قواعد للمسيّرات الأميركية على أراضيها، لمكافحة ما سمّته بالإرهاب. وتكرر السيناريو بتوظيف أميركي مختلف مع نيجيريا؛ عندما منحتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الضوء الأخضر في نيسان/ أبريل 2022، لشراء طائرات هليكوبتر هجومية متقدمة، في صفقة بلغت قيمتها نحو مليار دولار أميركي.

ولم تحسم معركتها مع الجماعات المسلحة، واختارت زيادة الإنفاق العسكري على حساب التنمية الاقتصادية والسياسية. فذهبت في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، لتجديد أسطول سلاحها الجوي، وعقدت صفقات تسليح لطائرات حربية مع إيطاليا في سبيل مواجهة بوكو حرام، التي تصاعدت عملياتها الهجومية خلال عام 2024.