خيارات ترامب الصعبة.. بين تركيا و"إسرائيل" والكرد

يتوقع المراقبون للمواقف الإسرائيلية والأوروبية والأميركية، فيما يتعلق بدعم الكرد في سوريا، أن تضع أنقرة أمام تحديات جديدة ومعقدة.

0:00
  • ترامب.. والمرحلة المقبلة في الشرق الأوسط.
    ترامب.. والمرحلة المقبلة في الشرق الأوسط.

للمرة الثانية خلال شهر، أشاد الرئيس ترامب (الثلاثاء 1/7) بصداقته الشخصية مع الرئيس إردوغان، وقال "إنني احبه، وأُكنّ له كل الاحترام، وأعتقد أنه يبادلني الاحترام نفسه". وأضاف أن "الطرف الخاسر في سوريا هو روسيا وإيران. وإردوغان رجل ذكي جداً. لقد أرسل رجاله إلى هناك بأشكال وأسماء متعددة، واستولوا على السلطة في دمشق. وأنا أعرف أن لتركيا حسابات في سوريا منذ ألفي عام، وفق أشكال وتسميات متعددة".

وتحدث الرئيس ترامب، في مؤتمره الصحافي في فلوريدا، وتطرق إلى الوضع في الشمال السوري، وتهرب من الرد على سؤال فيما يتعلق باحتمالات انسحاب القوات الأميركية من شرق الفرات، وقال: "لن أخبركم بهذا الآن، لأن ذلك جزء من استراتيجية عسكرية. ومع ذلك، أستطيع القول إن هذا الوضع يتعلق بتركيا. وأذكّركم بأنني كنت اطلب إلى إردوغان في الماضي ألّا يلاحق الكرد، وكان يسمع كلامي. ولا أدري إلى متى سيستمر هذا الوضع، لأن الأتراك والكرد أعداء طبيعيون، ويكرهون بعضهم البعض".

وفي أول مؤتمر صحافي له في الـ 19 من الشهر الماضي، كان ترامب تطرق أيضاً إلى موضوع الدور التركي في سوريا، وقال إن "الذين دخلوا سوريا، بمختلف فصائلهم، تتحكم فيهم تركيا. وهذا ليس مهماً بالنسبة إلينا، فهذا هو أسلوبهم، حتى لو كان الوضع في سوريا ما زال غامضاً. وفي رأيي، أن مفتاح سوريا سيكون في يد تركيا. وإردوغان رجل ذكي وعنيف، بحيث استطاعت تركيا أن تستولي على السلطة في سوريا بشكل غير لبق ومن دون أن تضحي بأي شخص".

أقوال الرئيس ترامب هذه تصادف التهديدات التركية لوحدات حماية الشعب الكردية، شرق الفرات، حيث توجد القوات الأميركية مع عدد من الخبراء العسكريين والاستخباريين من بعض الدول الأطلسية، ومنها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا. ويصادف كل ذلك مساعي أنقرة لمعالجة القضية الكردية داخلياً، بحيث سمحت السلطات الحكومية، نهاية الشهر الماضي، لوفد من حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية بلقاء زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، وهو في سجن إيمرالي، منذ 25 عاماً.

ونقل الوفد المذكور إلى قيادات جميع الأحزاب السياسية التركية مطالب أوجلان وشروطه للموافقة على طلب الرئيس إردوغان وقف العمل المسلح ضد تركيا وحل الحزب. وأعلنت كل القيادات السياسية تأييدها معالجة القضية الكردية، سياسياً وسلمياً وديمقراطياً، مع ضمان المصالح الوطنية والقومية للأمة والدولة التركيتين، اللتين ترفضان الاعتراف بأي حقوق دستورية للكرد، وأهمها الحكم الذاتي، كما هو في سوريا، أو الكيان الفدرالي، كما هو في العراق.

وتصادف كل هذه التحركات السياسية أيضاً تصعيداً عسكرياً واشتباكات عنيفة بين فصائل الجيش الوطني السوري، المدعوم من أنقرة، وقوات "قسد"، المتمركزة في ريف منبج وعين العرب، "كوباني"، في محافظة حلب، بالإضافة إلى محيط سد تشرين على الفرات وجسر قرا قوزاق، حيث تسعى تركيا للسيطرة على المنطقة من أجل إعادة ضريح سليمان شاه العثماني، بعد أن تم نقله من هناك عام 2015، بعد أن سيطرت قوات "داعش" على المنطقة.

وتهدف أنقرة، من خلال هذه التحركات، إلى دعم حسابات النظام الجديد في دمشق للسيطرة على شرق الفرات، حيث حقول النفط والغاز السورية، كما يوجد في المنطقة ما لا يقل عن عشرين سجناً تسيطر عليها الميليشيات الكردية، ويوجد فيها نحو 60 ألفاً من عناصر داعش وعائلاتهم.

دفع كل ذلك وزير الخارجية هاكان فيدان إلى الحديث عن قرار أنقرة لمعالجة الوضع في المنطقة عسكرياً، وإذا فشلت المساعي الدبلوماسية، وهدفها تحقيق المصالحة بين الكرد والنظام الجديد في دمشق.

وتتمنى أنقرة لهذه الحسابات أن تحظى بدعم الرئيس ترامب، الذي يتحدث عن حربه ضد داعش، وهو السبب في التدخل الأميركي شرق الفرات ودعم الميليشيات الكردية هناك.

ومن دون أن تخفي أنقرة قلقها من السياسات المحتملة للطاقم المحيط بالرئيس ترامب، وفي مقدمته وزير الخارجية روبيو ومستشار الأمن القومي والتز ومديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد ووزير الدفاع بيت هيغسيث ومساعد مستشار ترامب لشؤون الشرق الاوسط مورغان اورتاغوس، وهم جميعا متعاطفون ومتضامنون مع "قسد" ووحدات حماية الشعب الكردية والكرد عموماً في سوريا والمنطقة برمتها.

ويحظون جميعاً بدعم مباشر أو غير مباشر من "تل أبيب"، وهو ما يعلنه المسؤولون الإسرائيليون، وفي مقدمتهم وزير الخارجية جدعون ساعر، بحيث قال، في أكثر من تصريح، "إن الكرد والأقليات في المنطقة حلفاء استراتيجيون لإسرائيل". وهو الموقف الذي أعلنته وزيرة الخارجية الألمانية بيربوك بعد زيارتها دمشق، ومعها وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، بحيث قالت "إنهم لن يسمحوا لأحد للقيام بأي عمل عدائي ضد الكرد شمال شرقي سوريا".

ويتوقع المراقبون للمواقف الإسرائيلية والأوروبية والأميركية، فيما يتعلق بدعم الكرد في سوريا، أن تضع أنقرة أمام تحديات جديدة ومعقدة، بعد أن بات واضحاً أن الرئيس ترامب سيرى في "تل أبيب" الحليف الاستراتيجي، إن لم يكن الوحيد له ولواشنطن، في مجمل حساباته الخاصة بالشرق الأوسط، مع انعكاسات ذلك على سياساته الدولية في المدى القريب والمدى المتوسط والمدى البعيد.

وهناك توقعات لمزيد من الاهتمام الأميركي بالمصالحة بين "تل أبيب" والرياض، والتي يهتم بها ترامب، ومن قبله كل الرؤساء الأميركيين، منذ لقاء الملك عبد العزيز وترامب، في الـ١٤ من شباط/فبراير 1945، بسبب ثروتها النفطية ومذهبها الوهابي، الأمر الذي خدم كل المشاريع الأميركية في المنطقة والعالم .

وقد تدفع حسابات ترامب هذه أنقرة و"تل أبيب" إلى وضع حد نهائي للخلافات بينهما والاتفاق على الحد الأدنى من المصالح المشتركة، والتي التقت بعد نجاح تركيا في إسقاط النظام في دمشق. وساعد ذلك "تل أبيب"، بدعم أميركي أوروبي، على تطبيق مخططاتها في المنطقة، بما في ذلك الحرب على لبنان، ثم انتخاب جوزف عون رئيساً لهذا البلد العربي، بعد أن سيطرت "هيئة تحرير الشام" على سوريا، عبر مباركة عربية أوروبية أميركية، ساعدت "تل أبيب" على تدمير البنية العسكرية السورية برمتها من دون أي اعتراض من حكام دمشق الجدد.

وسبقت ذلك تهديدات متتالية من المسؤولين الأتراك للكيان الصهيوني، بحيث سبق لإردوغان أن تحدث، في أيلول/سبتمبر الماضي، عن "أطماع الصهاينة التوسعية في أرض الأناضول التركية، في إطار ما يسمى "دولة إسرائيل الكبرى"، وبعد ان أشار إلى "أن الجيش الإسرائيلي، بعد توغله في الجنوب اللبناني، بات على بعد 170 كم عن الحدود التركية"، وبات هذا "الجيش" الآن أقرب كثيراً، بحيث يقصف أي مكان في سوريا، بما في ذلك حلب، التي تبعد 70 كم عن الحدود مع تركيا، ومن دون أن يكون هناك أي رد عسكري، بل حتى تصريح سياسي، من أي مسؤول سوري أو عربي، وحتى تركي، ضد حروب الكيان الصهيوني واستفزازاته في غزة والضفة الغربية والمسجد الأقصى، ثم لبنان وسوريا واليمن، وقريباً العراق، ثم إيران، وهو ما يخططه ترامب مع حلفائه الإقليميين والدوليين، معاً أو على انفراد!