حملة أمنية جديدة على قيادات "النهضة": قراءة في التطورات التونسية

يقول مراقبون للمشهد التونسي إن الحكومة تبحث من خلال الحملات الأمنية "الاستعراضية" عن نوع من "الانتصار السياسي" كمحاولة لكسب الرأي العام الغاضب بسبب عجز السلطات عن انتشال البلاد من أزمتها الاقتصادية.

  • حملة أمنية جديدة على قيادات
    حملة أمنية جديدة على قيادات "النهضة": تونس على صفيح ساخن

بعيداً عن الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها التونسيون، نتيجة لتبعات فيروس كوفيد 19 والآثار السلبية للحرب الروسية الأوكرانية، فإن ثمّة تطورات جديدة أسهمت في تأجيج نيران المعضلة السياسية التي تعيشها تونس منذ تموز/يوليو عام 2021.

فقد قامت السلطات التونسية مؤخّراً بتوقيف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، ثم تلا ذلك، وعلى مدار 3 أيام، إغلاق مقارّ الحركة كافة بما فيها المقرّ المركزي، ومنع العاملين فيها من الدخول، ثم القبض على عدد من قيادات الحركة، كان آخرهم أحمد المشرقي مدير مكتب الغنوشي.

ويواجه رموز النهضة اتهامات تتعلّق بـ "العمل على نشر الفوضى في البلاد، والتحريض على قوى الأمن ومؤسسات الدولة". وجاءت الإجراءات العنيفة من جانب الدولة التونسية بحق الحركة ذات التوجّهات الإخوانية، بعد تصريحات كان قد أدلى بها الغنوشي منذ فترة قصيرة، قال فيها ما معناه "إنّ استبعاد أيّ مكوّن من العملية السياسية في تونس، وتحييد الإسلام السياسي أو غيره، هو مشروع حرب أهلية".

وقد أثارت تلك التصريحات حالة جدل بين التونسيين عبر وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي، ودفعت العديد من معارضي حركة النهضة إلى اتهام قادتها بأنهم يدعون إلى "الفوضى والاقتتال وتهديد السلم الاجتماعي".

وتأتي تلك التطوّرات في حين يمثُل راشد الغنوشي وعدد من المعاونين له أمام القضاء، بموجب حزمة من الاتهامات، أبرزها الفساد المالي، والتخطيط لاغتيال خصوم الحركة، وتسفير المتطرفين للقتال ضد الجيش في سوريا.

ومن المعلوم أن تونس ودمشق تنويان حالياً استعادة العلاقات بشكل كامل وتبادل السفراء، خاصة بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى تونس. وكان الائتلاف الحاكم الذي قادته حركة النهضة الإسلامية إبان ثورة 2011، قد قام بقطع العلاقات مع دمشق خلال "مؤتمر أصدقاء سوريا" الذي تمّ تنظيمه بتونس في 2012.

آراء التونسيين على مواقع التواصل

على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يملك ملايين التونسيين حسابات للتعبير عن آرائهم على "فيسبوك" و"تويتر"، انتشر خبر توقيف قادة النهضة كالنار في الهشيم، وأثار معه موجة من الجدل وسيلاً من التعليقات والنقاشات.

يؤكد المناصرون للدولة التونسية قانونية الإجراءات الأخيرة، معتبرين أنها تنمّ عن إرادة حقيقية لاستئصال بؤر "التطرّف والفوضى" الموجودة في البلاد منذ عقود، والتي انتهزت أحداث "الربيع العربي" لتطفو على السطح وتهيمن على الحكم في مرحلة ما، معتبرين أن ما حدث مؤخّراً سيشلّ قدرة أعضاء حركة النهضة على تنظيم المظاهرات أو إقامة أي فعالية سلمية أو عنيفة قد تؤدي إلى تعطيل الحياة في البلاد.

ويرى مؤيّدو الرئيس التونسي قيس سعيّد أن ما تقوم به الحكومة الآن، سيضع حداً لأزمة البلاد السياسية، وليس العكس. فعندما أقال سعيّد الحكومة في الصيف قبل الماضي، وجمّد البرلمان الذي كان يهيمن عليه حزب النهضة برئاسة الغنوشي، ظلّ لدى خصومه أمل في العودة للمشهد، وهو ما سبّب انقساماً في الوسط السياسي، وما يحصل خلال نيسان/أبريل 2023 ينزع هذا الأمل.

على الصعيد المقابل، فإنّ المعارضة التونسية التي تتمثّل اليوم في جبهة الخلاص الوطني، ورئيسها أحمد نجيب الشابي، ندّدت بالتضييق الذي يطال الناشطين في الحياة السياسية، وقالت إن قوات الشرطة "منعت تنظيم مؤتمر صحافي للجبهة ووضعت حواجز أمام مقرّ الحزب".

وقد أطلق ناشطون على مواقع التواصل من مؤيّدي حركة النهضة، هاشتاغ بعنوان #الغنوشي_لست_وحدك، للتعبير عن تضامنهم مع زعيم حركة النهضة والمطالبة بإطلاق سراحه، وسط أنباء عن نقله إلى المستشفى بعد القبض عليه بساعات، نتيجة لتدهور حالته الصحية.

ويتخوّف عدد من المواطنين التونسيين أن تؤدّي حالة الاستقطاب السياسي الحاصلة اليوم في البلاد إلى انفلات الأمور، واتجاه المعارضين إلى أساليب مقاومة غير سلمية، مما يهدّد أمن تونس واستقرارها.

محاولة لصرف الأنظار عن الأزمة الاقتصادية؟

منذ بداية شهر شباط/فبراير الماضي، أوقفت السلطات التونسية ما لا يقلّ عن 10 شخصيات، معظمهم من المعارضين المنتمين إلى حزب النهضة وحلفائه، إضافة إلى نور الدين بوطار وهو مدير محطة إذاعية خاصة ورجل أعمال نافذ.

ويقول مراقبون للمشهد التونسي إن الحكومة تبحث من خلال هذه الحملات الأمنية "الاستعراضية" عن نوع من "الانتصار السياسي" كمحاولة لكسب الرأي العام الغاضب بسبب عجز السلطات عن انتشال البلاد من أزمتها الاقتصادية التي أدّت إلى تدهور القيمة الشرائية للعملة المحلية وارتفاع معدّلات التضخم إلى حد غير مسبوق.

وتواجه تونس أزمة اقتصادية حادة، إذ تكون الموازنة العامة للدولة معرّضة للعجز بسبب واحدة من أعلى فواتير رواتب القطاع العام في العالم مقارنة بحجم الاقتصاد المتدهور، إضافة إلى الإنفاق الضخم على واردات الطاقة ودعم المواد الغذائية، بحسب تقارير مؤسسات المال الدولية.

كما تعاني البلاد من تفاقم خطر الجفاف، والذي يهدّد البلاد منذ نحو خمسة أعوام، بالصورة التي دفعت المواطنين إلى الشكوى من جرّاء الانقطاع المتكرّر للمياه ضمن سياسة الترشيد التي تقوم بها الحكومة، إضافة إلى ذلك فثمة مشكلة الهجرة غير الشرعية، ومحاولة أعداد غير مسبوقة من الشباب الإبحار نحو جنوب أوروبا.

على الصعيد الموازي ترى وسائل الإعلام المناصرة للحكومة أن أزمة البلاد الحالية، هي جزء من أزمة عالمية كبرى قد طالت مختلف الدول، لكنها أثّرت بشكل سلبي مضاعف على البلدان فقيرة الموارد مثل تونس، وأن "اعتقال المتطرّفين" سيؤدي إلى استقرار الأوضاع الأمنية، وسينعكس بالإيجاب على الأسواق والعملية الاقتصادية برمّتها.

العواصم الغربية تندّد.. ورفض تونسي حاسم للتدخّلات الخارجية

في أوّل ردود الأفعال، اعتبرت منظمة العفو الدولية أن حملة الاعتقالات التي لحقت بنشطاء وسياسيين تونسيين "محاولة متعمّدة للتضييق على المعارضة ولا سيما الانتقادات الموجّهة للرئيس".

كما قالت الناطقة باسم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي إن الاتحاد يتابع بقلق التطورات الأخيرة في تونس بما فيها اعتقال رئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي وإغلاق مقارّ حركة النهضة.

وأعرب ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، عن قلق المنظمة البالغ من اعتقال رئيس حركة النهضة، مؤكداً أهمية التمسك بسيادة القانون.

أما الحكومة الألمانية فعبّرت عن قلقها حيال التطورات السياسية الداخلية في تونس، وقال نائب المتحدث باسم الحكومة الألمانية فولفغانغ بوشنر في برلين يوم الأربعاء 19 نيسان/أبريل 2023 إن "القبض على راشد الغنوشي جزء من سلسلة مثيرة للقلق من اعتقالات لممثّلين عن المعارضة التونسية وصحافيات وناشطين في هذا العام".

أما عن موقف الولايات المتحدة الأميركية، فعبّر فيدانت باتل، نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية، عن تنديد حكومة بلاده باعتقال قيادات حركة النهضة، وقال المتحدث في بيان: "يتعارض قيام الحكومة التونسية باعتقال خصومها السياسيين ومنتقديها بشكل جوهري مع المبادئ التي اعتمدها التونسيون في دستور يضمن حرية الرأي والفكر والتعبير بشكل صريح".

وقد كرّرت الولايات المتحدة رفضها لإجراءات الحكومة التونسية في يوم الخميس 20 نيسان/أبريل، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس، إن "بلاده قلقة بسبب تقارير عن اتهامات جنائية بحق أشخاص في تونس نتيجة لقاءات أو محادثات مع موظفي السفارة الأميركية"، وذلك من دون تحديد الأشخاص المعنيين أو تفاصيل الظروف المحيطة بتلك الاتصالات.

وكانت وزارة الخارجية التونسية قد أصدرت الثلاثاء بياناً دعت فيه السفارات الأجنبية في البلاد إلى عدم التدخّل في شؤونها الداخلية، وذلك في أعقاب تقارير تفيد بأن شخصيات معارضة تونسية كانت قد عقدت لقاءات مع دبلوماسيين غربيين أوقفت مؤخّراً.

وفي اليوم التالي، أصدرت الخارجية بياناً جديداً، قالت فيه إنّ التعليقات بخصوص قضية راشد الغنوشي "تشكّل تدخّلاً مرفوضاً في الشأن الداخلي لبلادنا من قبل جهات على دراية بحقائق الأوضاع في تونس، وأنّ قوانين الجمهوريّة سارية على جميع المتقاضين على حدّ سواء ومن دون تمييز، مع توفير كل الضمانات اللازمة، وأنّ العدالة تُمارَس برصانة من دون تأثّر بموجة التعليقات غير المقبولة".