حرب ترامب التجارية ضد الصين... من يربح ومن يخسر؟

ما يروّجه ترامب، مفاده أن فرض مزيد من الرسوم سوف يجلب مزيداً من الأموال، وحينها من يستورد أكثر يحصل على رسوم جمركية أعلى، لكن ذلك لا يمثل أكثر من جزء ضيق من الصورة الكاملة.

0:00
  • حرب التجارة مع الصين... شروط اللعبة الصعبة.
    حرب التجارة مع الصين... شروط اللعبة الصعبة.

يسعى ترامب لزيادة الدخل الأميركي، عبر رفع الرسوم الجمركية على السلع التي تدخل سوق الولايات المتحدة، وينطلق في فرضيته هذه من أن الولايات المتحدة هي أكثر دولة استيراداً في العالم (أكثر من 3 تريليونات دولار سنوياً)، لكنها ليست أكبر اقتصاد منتج ومصدّر (بحيث تتصدَّر الصين هذا المؤشر بأكثر من 3 تريليونات دولار أيضاً).

حرب التجارة مع الصين... شروط اللعبة الصعبة 

استوردت الولايات المتحدة من الصين عام 2024 أكثر من 460 مليار دولار، بينما صدّرت إليها ما يقارب 160 مليار دولار فقط؛ أي أنها تعاني عجزاً تجارياً في تبادلها مع الصين بما يقارب 300 مليار دولار.

 إذاً، من يتضرر أكثر من رفع الرسوم الجمركية، ولاسيما عندما تردّ الصين بالمثل على هذه الإجراءات؟

ما يروّجه ترامب، مفاده أن فرض مزيد من الرسوم سوف يجلب مزيداً من الأموال لمصلحة الخزينة، وحينها من يستورد أكثر يحصل على رسوم جمركية أعلى، لكن ذلك لا يمثل أكثر من جزء ضيق من الصورة الكاملة وطبيعة النتائج:

· الرسوم الجمركية هي الحصة الأقل من الربح في عملية البيع والشراء. ويبقى التصدير في ذاته منحازاً إلى البائع (المنتج) في الربح. وهنا تميل الكفة لمصلحة الصين. لا يجوز أن يتمّ تشتيت انتباهنا عن جوهر العملية الاقتصادية المنحازة إلى المصدّر، ونَعلق في تفصيل الرسوم الجمركية للمستورد.

· رفع الرسوم الجمركية سوف يتسبب بانكفاء عدد من الشركات والأفراد عن الاستيراد، تجنباً للخسائر التي يتسبب بها هذا الرفع، وهذا سيعود بالضرر على عدد من المنشآت الاقتصادية، التي لن تتمكن من استكمال دورة إنتاجها، التي تقوم على مبدأ توزيع خطوط الإنتاج في أكثر من بلد، وأيضاً على استيراد "السلع الرأسمالية" التي تُستخدم كمدخلات في عملية إنتاجها.

الجدول أدناه يبيّن حجم الاستيراد والتصدير بين الولايات المتحدة والصين، بحسب نوع عدد من السلع والمنتوجات:

  •  حجم الاستيراد والتصدير بين الولايات المتحدة والصين.
    حجم الاستيراد والتصدير بين الولايات المتحدة والصين.

في الحرب التجارية، تحاول كل من الصين والولايات المتحدة تخفيف أضرار انقطاع وارداتها من الطرف الآخر، وتعظيم الأضرار من قطع صادراتها عنه:

1.  في مراجعة الجدول أعلاه، يعمل الميزان التجاري لمصلحة الصين في السلع الاستراتيجية، وعلى رأسها التكنولوجية.

من ناحية الكمّ، فإن عجز الولايات المتحدة في السلع الإلكترونية والكهربائية يصل إلى 113 مليار دولار؛ أي أن قطاع المعدات الكهربائية والإلكترونية هو القطاع الأكثر ضرراً للولايات المتحدة.

لذلك، تحاول واشنطن اللعب على النوع بدلاً من المراهنة على الكمّ، وتحاول إعاقة الإنتاج الإلكتروني الصيني عبر حجب/تقييد عدد من السلع المستعملة في الإنتاج (أشباه الموصلات، والشرائح الإلكترونية)، لكنها هنا أيضاً تصطدم بعائق كبير، وهو أن هذه الصناعة نفسها لها دورة طويلة من الإنتاج، موزّعة على عدد من الدول (تايوان، كوريا الجنوبية، اليابان)، بما في ذلك استخراج السيليكون الذي تسيطر عليه الصين. 

2.  البدائل الأميركية من الواردات الصينية أكثر صعوبة من البدائل الصينية من الواردات الأميركية. ففي الوقت، الذي تشكل منتوجات الطاقة سلعة استراتيجية للواردات الصينية من الولايات المتحدة، فبدائلها المتاحة كثيرة ضمن مروحة أوبك، وعدد من الدول المستفيدة من الاستهلاك الصيني الكبير لصادراتها من الطاقة، وتبدو أغلبية هذه الدول، إن لم تكن جميعها، متحمسة لإمداد الصناعة الصينية بمتطلباتها من الطاقة، بصرف النظر عن الضغوط الأميركية.

3.  من الناحية الكميّة، أغلبية القطاعات الاقتصادية تشهد عجزاً أميركياً أمام الصادرات الصينية، لذلك ذهب ترامب في حربه إلى هوية السوق، ("الهوية الأضعف في الحروب الاقتصادية")، وبقيت الهوية الأقوى في الحروب التجارية ("هوية المنتِج")، في يد الصين.

4.  يبقى العامل المالي سلاحاً في يد الولايات المتحدة، وهو الاستناد إلى الدولار والعقوبات. وتعمل الصين، من خلال سياسة متدرّجة، على تحييد السلاح التاريخي للولايات المتحدة.

وشهد الدولار، خلال الأعوام الماضية، تراجعاً لجهة العاملين الأكثر أهمية (حصته العالمية من احتياطات البنوك المركزية؛ حصته العالمية من التبادلات العابرة للحدود Cross Border Payment).

5.  يتجاوز مؤشر الاستثمار الأميركي في الصين 126 مليار دولار، وهو في منحنى متعاظم سنوياً، في حين لا يتجاوز المؤشر نفسه للصين في الولايات المتحدة 28 مليار دولار، وهو في منحنى تراجع.

ماذا يعني ذلك؟ يعني أن حماسة منشآت الأعمال للاستثمار في الصين أعلى من حماسة منشآت الأعمال الصينية للاستثمار في الولايات المتحدة. والحروب التجارية سوف تسبب أضراراً كبيرة للمنشآت الأميركية، التي ستجد الرسوم الجمركية المرتفعة عائقاً أمام عودة منتوجاتها المصنعة والمجهّزة في الصين إلى السوق الأميركية، والتي ستدفع تكاليف إضافية إذا فكّرت في توطين إنتاجها في الولايات المتحدة، بسبب التضخم وارتفاع تكاليف اليد العاملة.

6.  لا تقتصر أضرار الحروب التجارية على الشركات الكبرى والتجّار، وإنما تطال أيضاً المستهلك الأخير.

من جملة تداعيات رفع الرسوم الجمركية ارتفاع الأسعار والتضخم. وفي اقتصاد تصل نِسَب التضخم السنوية فيه إلى 3%، وتضرب أرقاماً عالية (8 % أو 9 %) في عدد من الشهور، تكون المعاناة أكبر (الاقتصاد الأميركي). 

في الجهة الأخرى، فإن معدلات التضخم في الصين أقل كثيراً (0.2 % لعام 2024)، ويعود السبب في ذلك إلى عدم مبالغة الصين في عالم المشتقات المالية (الأسهم، السندات، البورصات، العقود الآجلة، إلخ...)، والتي تشكل أساساً في الاقتصاد الأميركي.

لا تعاني الولايات المتحدة عجزاً تجارياً مع الصين فقط، وإنما تعاني عجزاً تجارياً مع دولة بحجم المكسيك، بما يتجاوز 100 مليار دولار، وبذلك تساهم المكسيك في جزء ليس قليلاً من العجز التجاري الأميركي. لكن، إذا كانت مشكلة العجز مع الصين سببها الإنتاج الصناعي الكبير لها، فكيف لذلك أن يحدث مع المكسيك أو كندا؟ 

يهاجر عدد من شركات السيارات والماكنات الآلية إلى المكسيك بحثاً عن اليد العاملة الأرخص، في دولة قريبة جغرافياً، الأمر الذي يخفّف تكاليف النقل للمنتج النهائي إلى السوق الأميركية أيضاً.

ورفع الرسوم الجمركية سوف يطال هذه الشركات الأميركية. أما في الحالة الكندية، فتأسست تاريخياً مجموعة من المصانع ومراكز البحث والتطوير لعدد من شركات السيارات (حتى تلك اليابانية، مثل تويوتا وهوندا)، والآن يريد ترامب الانقلاب على نظام تقسيم العمل العالمي، الذي صممته الولايات المتحدة، لكنها لم تعد تستفيد منه الآن.

الوضعية الإنتاجية في الحرب التجارية لمصلحة الصين، لكنها لن تتمكن من الانتصار فيها، إلا إذا تمكّنت من تحييد أسلحة واشنطن الأخرى: الدولار والعسكرة!