توجّهات حكومة نتنياهو بعد وقف إطلاق النار في غزة (3-3)

الشعور الإسرائيلي العامّ أقرب إلى الاعتقاد بأنّ الإفراج عن الأسرى الأحياء وبصحة جيدة أصبح في المتناول وأنّ فشل استكمال مراحل الاتفاق في غزة سيعني أنّ حياة الأسرى الإسرائيليين ستكون أخطر من أيّ وقت مضى.

0:00
  •  العودة إلى الحرب لم تعد تستهوي الرأي العامّ الإسرائيلي.
    العودة إلى الحرب لم تعد تستهوي الرأي العامّ الإسرائيلي.

دخلت الحرب على غزة يومها الـ 500 ، وتبقّى أقلّ من أسبوعين لانتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والدخول في المرحلة الثانية، ووفقاً لنصّ الاتفاق يبدأ التفاوض في اليوم الـ16 من المرحلة الأولى على بنود وتفاصيل المرحلة الثانية في إطار الاتفاق المقسّم على 3 مراحل، بيد أنّ مفاوضات المرحلة الثانية لم تنخرط فيها الحكومة الإسرائيلية بشكل رسمي وجدّي، حتى تاريخه، علماً أنّ زعيم الصهيونية الدينية بتسلئيل سموترتش اشترط على بنيامين نتنياهو عدم المضي في مفاوضات المرحلة الثانية إلا بعد مناقشته في الكابينت وبقرار منه.

ووفقاً للاتفاق، كان من المفترض أن تنتهي مفاوضات المرحلة الثانية بحلول الأسبوع المقبل، لكن هذا لم يحدث، لأنها لم تبدأ بشكل جادّ حتى الآن.

مما رشح عن زيارة وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الذي يعدّ أوّل مسؤول رفيع من إدارة ترامب يزور "إسرائيل"، أنّ أبرز موضوع تمّ طرحه خلال اجتماعاته مع القيادة الإسرائيلية، مناقشة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.

تدرك القيادتان الإسرائيلية والأميركية أنه من أجل مواصلة الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين  في المرحلة الأولى، يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تبدأ في إدارة المفاوضات حول المرحلة الثانية بجدّية، ما يفسّر مسعى "إسرائيل" في تسريع وتيرة إطلاق سراح الأسرى المقرّرة خلال الأسبوعين المقبلين، والضغط لأجل إطلاق الأسرى الستة الأحياء دفعة واحدة المتفق على الإفراج عنهم في المرحلة الأولى، بيد أنّ المقاومة تصرّ على الالتزام بجميع بنود وشروط الاتفاق بشكل متبادل وضمن الجداول الزمنية بما فيها الالتزام بالبرتوكول الإنساني، ولا سيما إدخال الخيام والبيوت المتنقّلة المؤقتة "الكرافانات" .

وربما تقبل المقاومة اختصار الأسبوعين المقبلين للمرحلة الأولى في أسبوع واحد في حال قبلت الحكومة الإسرائيلية تبكير موعد الانسحاب من محور صلاح الدين "فيلادلفيا" ، المقرّر استكماله بين يومي 42 و 50 من المرحلة الأولى، والبدء بمفاوضات جادّة حول المرحلة الثانية وعدم تمديد المرحلة الأولى إلا في إطار المفاوضات حول المرحلة الثانية من دون تبادل أسرى وسريان وقف إطلاق النار ما دامت المفاوضات جارية، بينما تسعى الحكومة الإسرائيلية وتحديداً رئيسها نتنياهو لإطالة المرحلة الأولى بحيث يستمرّ إطلاق سراح أكبر عدد من الأسرى الإسرائيليين الأحياء، واستمرار وقف إطلاق النار بشكل مؤقت حتى نهاية شهر رمضان المبارك بما يؤدّي لتحييد أكبر لعناصر التصعيد والمواجهة التي ترتفع في الشهر الكريم، وبما يضمن استمرار بقاء سموترتش في الحكومة وعدم تفكيك الائتلاف في حال انسحب حزب الصهيونية الدينية تنفيذاً لتعهّد زعيمه سموترتش بالانسحاب، وتفكيك الحكومة اذا لم يُستأنف إطلاق النار على غزة بعد انتهاء المرحلة الأولى.

بيد أنّ العودة إلى الحرب لم تعد تستهوي الرأي العامّ الإسرائيلي وباتت قضايا غير الحرب تحتلّ الأولوية لديهم على رأسها استعادة الأسرى الإسرائيليين واستنهاض الاقتصاد وغيرهما ..

لا يزال نتنياهو يناور بين الضغوط الداخلية المؤيّدة لإنهاء الحرب وتبادل الأسرى من جهة وضغوط سموترتش واليمين المتطرّف للعودة إلى القتال حتى تدمير المقاومة وإخضاعها وتهجير مواطني غزة، من جهة أخرى، ويعمل نتنياهو على تسخير الدعم الأميركي المطلق بقيادة ترامب لتحقيق عدة أهداف؛ الأول العمل على ترويض شركائه في الائتلاف وإقناعهم بعدم تفكيكه على خلفيّة مسار التفاوض مع غزة، والثاني الضغط على المقاومة وابتزازها، والثالث الضغط على الأنظمة العربية لطرح خطط سياسية تجاه غزة تتماشى مع المصلحتين الأميركية والإسرائيلية، ولا سيما موافقتها على المشاركة الفاعلة في إدارة غزة ما بعد الحرب، والعمل على تحييد المقاومة وأدواتها العسكرية والمدنية في غزة، بحيث لا تحكمها المقاومة ولا حتى السلطة الفلسطينية، ولا تريد الإدارتان الأميركية والإسرائيلية  مجرّد طرح خطط لإعادة إعمار غزة، بما سيعيدها إلى حالة شبيهة لما قبل السابع من أكتوبر.

يؤيّد قادة المستويين الأمني والعسكري الإسرائيليين استمرار تنفيذ مراحل الاتفاق ويعتبرون أنّ المهمة العسكرية والأمنية أنجزت ولا مزيد من الأهداف الاستراتيجية في غزة، وأنّ العودة إلى القتال في غزة تعني مزيداً من استنزاف في قواته التي أنهكتها الحرب الطويلة على غزة وهي الحرب الأطول والأشرس في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، إلى جانب كونها لن تستعيد الأسرى وقد تعرّض حياتهم للخطر.

كما أنّ "الجيش" يدفع المستوى السياسي بقيادة نتنياهو ليكون أكثر واقعيّة تجاه المسار السياسي الذي تقتضيه المرحلة الثانية من الاتفاق، واستبدال مفهوم القضاء على المقاومة كلياّ باعتباره هدفاً غير واقعي بهدف آخر وهو عدم تولّي المقاومة حكم غزة، واستخدام تهديدات ترامب بتهجير مواطني غزة كرافعة لتحقيق أهداف واقعية واستراتيجية ليس تجاه غزة وحسب بل تجاه الضفة الغربية المحتلة والتطبيع مع السعودية، ويعتقد فريق التفاوض الإسرائيلي وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، بأن لا مفرّ من بدء مفاوضات المرحلة الثانية.

قبيل بدء مفاوضات المرحلة الثانية ومع اقتراب نهاية المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق وتبادل الأسرى، فإنّ حكومة نتنياهو ستُفعّل المزيد من الضغوط النفسية والسياسية والإعلامية ضدّ المقاومة واستخدام التهديد بالعودة إلى القتال كأداة لابتزاز المواقف منها والحصول على تنازلات أكبر أثناء المفاوضات المقبلة على المرحلة الثانية، بيد أنّ أغلب المؤشرات تؤكّد أنّ " إسرائيل" برعاية وتوجيه أميركي تتجه لاستمرار الاتفاق وعدم عرقلة مسار إطلاق سراح كلّ الأسرى الإسرائيليين، خصوصاً مع نجاح وصمود الاتفاق في المرحلة الأولى بصرف النظر عن العثرات التي تمّ تجاوزها، كما أنّ الشعور الإسرائيلي العامّ على المستويين الرسمي والشعبي، أقرب إلى الاعتقاد بأنّ الإفراج عن أسراهم الأحياء وبصحة جيدة أصبح في المتناول وأنّ فشل استكمال مراحل الاتفاق سيعني أنّ حياة الأسرى الإسرائيليين ستكون أخطر من أيّ وقت مضى.

كما أنّ إدارة ترامب معنيّة بشكل أكبر باستكمال "اتفاقيات أبراهام" والتطبيع مع السعودية، وتسعى أقطاب اليمين واليمين المتطرّف لانتزاع اعتراف أميركي بالسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة، في مقابل قبولها إنهاء الحرب على غزة.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.