تصفير الإنجازات وتحويل حماس إلى "حماسَين"؟

العدو الاسرائيلي سيعتمد مبدأ "فاوِضْ من دون اتفاق" في انتظار انتهاء شهر رمضان على أن يشنّ حربه، التي يظن أنها الأخيرة على المقاومة في رفح، ضامناً أنه لن يثير حفيظة الدول العربية والإسلامية.

  • من الضروري عدم ترويج وجود
    من الضروري عدم ترويج وجود "حَماسَين"، واحدة في الداخل، وأخرى في الخارج.

الأرجَح أننا في مرحَلَة تفاوضيَّة معاكِسَة لطبيعَة الصّراع ولمجريات المفاوضات الطبيعية بين العدو الإسرائيلي، من جهة، والمقاومة في غزة، من جهة أخرى.

إنها مرحلة في غاية الدقة يحاول فيها الكيان الموقت تصفير إنجازات المقاومة الفلسطينية في الميدان وتذويبها في أمور تعجيزية، وفي عراقيل طاولة المفاوضات غير المباشرة. ويتولّى عملية التذويب والعرقلة هذين "الوسيط" الأميركي وسط التباس في موقف قطر والقاهرة اللتين تستضيفان المفاوضات غير المباشرة هذه.

التذويب يبدأ من بدعة توقف الطلعات الجوية الاسرائيلية مدة ثماني ساعات يوميّاً من دون أن يُعرَف عما إذا كان التوقف المذكور سيتم ليلاً أو نهاراً، وما القيمة المضافة على ما أُطلِق عليه "التهدئة المستدامة". 

ثمّ ألا يمكن أن يستعيض العدو بالأقمار الاصطناعيّة بدلاً من الطلعات الجوية، فيحقق عمليات الاستطلاع بوسائل أخرى لها النتائج نفسها للطلعات الجوية؟ وماذا عن الساعات الست عشرة المتبقية، والتي ستعاود فيها "إسرائيل" طلعاتها الجويّة؟ ألا تعني تعطيلاً لنتائج الطلعات هذه؟

في البنود التي يتم التفاوض عليها راهناً إدخال خمسمئة شاحنة غذاء يوميّاً. لكن، ماذا لو كانت شحنات الغذاء مسرطنة أو فاسدة؟ هل نسينا أن "إسرائيل" قتلت ياسر عرفات بالسمّ؟ وماذا يمنعها من تسميم شعب بأكمله، وهي التي قامت بتجويعه؟ ولماذا يقتصر إدخال شحنات الغذاء على الشّمال فقط، وليس الجنوب في قطاع غزة أيضاً، حيث القسم الأكبر من المهجرين؟

من دون التزام واضح وصريح لا لبس فيه من جانب العدو بشأن وقف الحرب على غزة، لا يمكن قبول أي بند من البنود الأخرى في المفاوضات. 

من دون ذلك، ستستمر الحرب على غزّة، وستستمر المقاومة أيضاً. ومن يروّج قرب التوصل إلى اتفاق فإنما يفعل ذلك لتحقيق مصالحه، لا مصلحة غزة ومقاومتها. ومن هذا المنظور، فإن أي مفاوضات، وفق الشكل التي تُدار فيه، ليست سوى تصفية للمقاومة وإنجازاتها.

الأهم فيما يجري اليوم هو الحرص على عدم التمييز بين القيادة السياسية لحماس، من جهة، وقيادتها العسكرية، من جهة أخرى. وهو ما تنبّهت له حماس عبر إعطاء اليد الطولى للفصائل المقاتلة في الميدان. 

من الضروري عدم ترويج وجود "حَماسَين"، واحدة في الداخل، وأخرى في الخارج، لأن الحرب الإسرائيليَّة تهدف أيضاً إلى تدمير وحدة حماس وتماسك بنيتها. ولهذا السبب، هناك خشية من أن تؤدي الدول الراعية للمفاوضات هذا الدور.

غالب الظن أنَّ العدو الاسرائيلي سيعتمد مبدأ "فاوِضْ من دون اتفاق" في انتظار انتهاء شهر رمضان على أن يشنّ حربه، التي يظن أنها الأخيرة على المقاومة في رفح، ضامناً أنه لن يثير حفيظة الدول العربية والإسلامية.

من هنا، نفهم تماماً موقف حماس والفصائل الفلسطينيَّة بشأن ربط تبادل الأسرى بوقف العدوان على غزة، في جميع أشكاله، وبألا يبدأ التبادل الذي يُتفاوَض عليه إلا بعد التأكد من أن العدو التزم البند الأساس، وهو وقف العدوان والانسحاب الكامل من القطاع، بل يمكن التشدد أكثر من جانب المقاومة، بحيث يتم الإفراج عن أسير واحد فب مقابل كل يوم بلا عدوان، فيكون تنفيذ "إسرائيل" لوقف العدوان وفق قاعدة "كل يوم بيومِه".

في المحصّلة، فإن نتائج طوفان الأقصى، والتي أثارت جدلاً واستعجل البعض في نفي "بركاتها" وفي نفي إنجازها للأبعاد الاستراتيجية في الصراع التحرري الفلسطيني، أثبتت على العكس من ذلك أنها حرّكت مياهاً راكدة منذ توقيع اتفاق "أوسلو"، بل ألغت مفاعيله فلسطينيّاً، وأحرجت السلطة الفلسطينيّة التي بات عليها هي أيضاً ان تبحث عن اليوم التالي، ليس في غزة فحسب، بل في رام الله أيضاً.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.