انتصار الأسير أبو هواش ليس بديلاً من إغلاق ملف الاعتقال الإداري

كان المحتلّ يتعمَّد إطالة مدة عدم التجاوب مع مطالب الأسرى لنيل حريتهم، في محاولة لكسر إرادتهم وتحطيم معنوياتهم.

  • انتصار الأسير أبو هواش ليس بديلاً من إغلاق ملف الاعتقال الإداري
    انتصار الأسير أبو هواش ليس بديلاً من إغلاق ملف الاعتقال الإداري

بقي الأسير أبو هواش في الإضرابات المفتوحة عن الطعام من أجل نيل الحرية عددٌ ليس قليلاً من المعتقلين الإداريين، وفي مقدّمتهم الشيخ خضر عدنان وماهر الأخرس، وصولاً إلى لؤي الأشقر وعياد الهريمي وعلاء الأعرج وكايد الفسفوس. 

كلّ هؤلاء المعتقلين الإداريين استطاعوا انتزاع حريّتهم بصمودهم وثباتهم وإرادتهم وصلابة موقفهم وانتمائهم، وبأمعائهم الخاوية، كعامل أساسي في تحقيق انتصارهم على سجّانيهم وأجهزة مخابرات الاحتلال. وقد تفاوتت مدة إضرابهم عن الطعام، ولكنها لم تقلّ عن 70 يوماً.

كان المحتلّ يتعمَّد إطالة مدة عدم التجاوب مع مطالب الأسرى لنيل حريتهم، في محاولة لكسر إرادتهم وتحطيم معنوياتهم والضغط عليهم للتراجع عن إضرابهم المفتوح عن الطعام، كما كان يعمل على إرباك عائلاتهم وجعلهم يعيشون أوضاعاً نفسية صعبة ضاغطة، قد تشكّل عاملاً ضاغطاً على أبنائهم لوقف إضراباتهم المفتوحة عن الطعام من دون تحقيق مطالبهم.

صحيح أنّ كلّ هؤلاء الأسرى انتصروا في معاركهم ونالوا حريتهم من خلال أمعائهم الخاوية وإضرابهم المفتوح عن الطعام، ولكن المهمّ هنا أنَّ الوضع الّذي تعيشه الحركة الأسيرة في واقعها غير الموحّد وغير المتماسك، وغياب القيادة الاعتقالية التمثيليّة الموحدة، وعدم وجود ممثل اعتقالي عام للحركة الأسيرة، وكذلك حالة الفصل بين أسرى منظمة التحرير وحركة "حماس" في السجون، أفرزت كلها واقعاً غير سويّ بخوض الإضرابات بشكل فصائلي وفردي، من دون أن يكون هناك التزام بالإضراب حتى في إطار القسم الواحد في المعتقل، وليس السّجن الواحد، ما سمح لإدارة المعتقل وإدارة مصلحة السجون الإسرائيلية العامة وأجهزة مخابراتها باللعب على التناقضات والخلافات والتباينات بين أبناء الحركة الأسيرة وفصائلها.

هذه الشرذمة والانقسام وعدم التوحّد بين أبناء الحركة الأسيرة ساهمت كلّها إلى حد كبير في إطالة مدة الإضرابات المفتوحة عن الطعام، وعدم استجابة إدارة مصلحة السجون للمطالب، وخصوصاً أنَّ الحملات والفعاليات والأنشطة والفعاليات التضامنية معهم ولنصرتهم، من مسيرات وتظاهرات واعتصامات، أخذت أيضاً البعد الفصائلي والفئوي بشكلها العام. 

وفي أغلب الأحيان، لم تكن بالمستوى والزخم المطلوبين، وكذلك الحالة الفصائلية ليست على ما يرام، وما قامت وتقوم به من أنشطة وفعاليات لنصرة الأسرى وقضاياهم بقي في الإطار الفوقي والنخبوي التمثيلي، ولم نشهد مسيرات حاشدة بالآلاف أو حتى المئات. 

لذلك، إنَّ القضية الجوهرية هنا هي ضرورة خوض الأسرى الإضراب المفتوح عن الطعام من أجل نيل الحرية وإغلاق ملف الاعتقال الإداري بشكل جماعي لكلّ الأسرى المعتقلين إدارياً، والذين يصل عددهم إلى 500 معتقل. وكانت صحيفة "هآرتس" قالت في افتتاحيتها عقب انتصار الأسير أبو هواش على سجانيه وجلاديه وأجهزة أمن الاحتلال ومخابراته، بعد 141 يوماً من الإضراب المفتوح عن الطعام: "كفى للاعتقال الإداري"؛ هذا الاعتقال الَّذي يستند إلى قوانين الطوارئ الظالمة منذ عهد الانتداب البريطاني، وهي قوانين تفتقر إلى أي شرعية، وهدفها تحطيم إرادة المناضلين وكسر معنوياتهم، واحتجاز طاقاتهم لأكبر فترة ممكنة، من دون أيّ أدلة وبراهين، ومن دون محاكمات، تحت ما يُسمى "المواد السرية".

ولذلك، يصبح مطلوباً في هذا الجانب على وجه الخصوص خوض الأسرى النضاليين نضالاً جماعياً، من أجل إغلاق ملف الاعتقال الإداري بشكل نهائي. هذا الملف يمكن أن يلتفّ حوله الكثير من المؤسسات الحقوقية والإنسانية والقانونية، وكذلك الكثير من أحرار العالم والمناصرين لقضية الأسرى وقضية شعبنا الفلسطيني، حتى الدول والقوى الداعمة لكيان الاحتلال، ستجد نفسها محرجة في الدفاع عن "إسرائيل" في مثل هذا الملف الذي يتعارض مع كل القوانين والمواثيق الدولية، ويشكّل خرقاً سافراً لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

القضية لا ترتبط بمقاطعة جلسات المحاكم بشأن الاعتقال الإداري فحسب؛ تلك المحاكم الصورية، التي ينفّذ فيها قضاة محاكم الاحتلال تعليمات أجهزة مخابرات سلطتهم، بل أيضاً أخذ خطوة استراتيجية بتحرك جماعي لوقف الاعتقال الإداري وإغلاق ملفّه.

صحيح أنَّ ما ساهم في تحقيق انتصارات الأسرى الإداريين في إضراباتهم المفتوحة عن الطعام هو حالة الإسناد والدعم والتضامن الشعبي والفصائلي، ولكنّ المتغيّر المهم هنا هو وجود مقاومة فلسطينية تمتلك القدرة على أن تسند هؤلاء الأسرى بالنار، وهو ما بات عاملاً مقلقاً جداً للمحتل وأجهزة مخابراته بعد معركة "سيف القدس".

وفي قضية الأسير هشام أبو هواش، كان قرار الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي أبو طارق النخالة وسرايا القدس ومواقف فصائل المقاومة الأخرى وأذرعها العسكرية تتمثل بأنّ استشهاده سيجعل الكلمة والفعل للميدان، ما يعني أن صواريخ المقاومة ستتساقط على مستوطنات الاحتلال، وعلى عاصمته السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والأمنية "تلّ أبيب"، وربما تتّجه الأمور نحو مواجهة عسكرية شاملة.

والأسوأ لـ"إسرائيل" هو تصاعد الفعل والاشتباك الشّعبي في الضفّة وتصاعد أعمال المقاومة، والتي قد تشكّل خطراً جدياً على قدرة السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية على السيطرة على الأوضاع أو احتوائها، وبالتالي أيّ انهيار في السلطة يعني أنَّ "إسرائيل" ستواجه شعباً بأكمله، ولن تقتصر المواجهات والاشتباكات على الحواجز والمعابر، بل ستكون مواجهات شاملة في المدن والقرى والمخيّمات الفلسطينية.

نعم، انتصر أبو هواش في معركة الأمعاء الخاوية، وسينتزع حريّته في 26 شباط/فبراير القادم، ولكنَّ هذا النصر المتحقّق يجب أن تُبنى عليه استراتيجية فلسطينية موحّدة، من أجل إغلاق ملفّ الاعتقال الإداري بشكل نهائيّ.