المنافسة التركية - السعودية في سوريا.. "إسرائيل" هي الرابح

الرياض وأبوظبي ومعها القاهرة لا ولن تقبل للإخوان المسلمين ذوي العقيدة المشتركة مع العدالة والتنمية التركي أن يحكموا سوريا إلا في حالة واحدة ألا وهي الإرادة الأميركية.

0:00
  •  تركيا تراهن على الدعم الأميركي لها لحل مشاكلها الاقتصادية والمالية الخطيرة.
    تركيا تراهن على الدعم الأميركي لها لحل مشاكلها الاقتصادية والمالية الخطيرة.

بعد عشرة أيام من لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي ترامب في الرياض وبحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم يتأخر الرئيس إردوغان في دعوته للشرع كي يسمع منه مباشرة وبأدق التفاصيل عن  مباحثاته مع ابن سلمان والرئيس ترامب.

مباحثات إردوغان مع الشرع شارك فيها وزيرا الخارجية والدفاع ورئيس المخابرات ومسؤولون آخرون وجرت خلالها مناقشة مجمل التفاصيل الخاصة بمستقبل التعاون بين أنقرة ودمشق في جميع المجالات وخاصة العسكرية والاستخبارية بعد أن بات واضحاً أن الدور التركي في تقرير مصير سوريا المستقبل سيكون الأكثر تأثيراً مع استمرار الدعم الأميركي لأنقرة في هذا الموضوع.

وحيث عين الرئيس ترامب سفيره في تركيا توماس باراك مبعوثاً شخصياً له إلى سوريا ( مع التذكير بما قاله روبرت فورد  السفير الأميركي السابق في دمشق والمسؤول عن الملف السوري بأكمله للفترة 2011-2014 عن أحمد الشرع)  كي يكون على تواصل دائم ومباشر مع أنقرة التي يبدو واضحاً أنها الأكثر تأثيراً في قرار الشرع وفريق عمله الذين كانوا على تواصل دائم مع أجهزة الدولة التركية المختلفة  وحصلوا منها على أنواع الدعم كافة منذ تشكيل جبهة النصرة ثم تغيير اسمها إلى هيئة تحرير الشام في إدلب وكانت تغطي جميع احتياجاتها من تركيا.

وجعل ذلك من أنقرة اللاعب الرئيسي، إن لم يكن الوحيد في الساحة السورية، بعد أن تحدث المسؤولون الأتراك باسم المعارضة السورية في أستانا وسوجي وجنيف والمحافل الأخرى، التي غابت عنها العواصم العربية لأسباب معروفة للجميع، وأهمها قصر النظر والافتقار للإرادة الوطنية  والخوف من واشنطن.

ويفسّر ذلك رضوخ أنظمة الخليج لتعليمات الرئيس ترامب خلال جولته الأخيرة التي جمع فيها 3,6 تريليونات دولار، كمبيعات أسلحة وتكنولوجيا واستثمارات في أميركا، التي إن أقنعت أو أجبرت حكام دمشق الجدد للتطبيع مع الكيان العبري فالطريق سيكون مفتوحاً أمام "تل أبيب" للتطبيع مع الرياض، ومنافستها التاريخية أنقرة خلال فترة أقصاها نهاية العام الجاري.

فقد شهدت العلاقات بين الطرفين منذ قيام المذهب الوهابي في أواسط القرن الثامن خلال الحكم العثماني للمنطقة العربية،  فترات متتالية من التوتر والمواجهات الساخنة. بعد أن  تمرد آل سعود على الدولة العثمانية سياسياً وعقائدياً وطائفياً اعتباراً من عام 1770 حيث وصلوا إلى مشارف دمشق، إلى أن قضى إبراهيم باشا، نجل محمد علي باشا والي مصر، على هذا التمرد، وألقى القبض على زعيم المتمردين عبد الله آل سعود، وأرسله إلى اسطنبول وأمر السلطان محمود الثاني بقطع رأسه عام 1818.

وكان ذلك  كافياً لعداء آل سعود للأتراك في العهدين العثماني ثم الجمهوري، عندما أصبحت تركيا دولة علمانية، فيما بقيت المملكة التي سُمّيت بالعربية السعودية تابعة لبريطانيا ثم أميركا، بعد الحرب العالمية الثانية.

وتبنّت الرياض بعد ذلك التاريخ جميع الحركات الإسلامية السياسية منها والمسلحة، لتقف إلى جانب واشنطن في حربها ضد الشيوعية والقومية العربية في عهد الرئيس عبد الناصر.

ومع استلام العدالة والتنمية للسلطة في تركيا نهاية 2002 بعد عام من احتلال أفغانستان، وقبل أشهر من احتلال العراق، وإعلان الرئيس إردوغان في حزيران/ يونيو 2004 الرئيس المشترك لمشروع الشرق الأوسط الكبير، ثم دوره فيما يسمّى الربيع العربي، عادت المنافسة بين أنقرة والرياض من جديد، بعد أن تبنّى الغرب التجربة الديمقراطية التركية  في بلد مسلم وعلماني.

وجاء دعم الدوحة، بخلافاتها العشائرية مع الرياض وأبوظبي، لتركيا، ليساعد الرئيس إردوغان على لعب دور ريادي في مجمل تطورات المنطقة، خاصة في بدايات الربيع العربي، حيث تسلّم الإخوان المسلمون السلطة في مصر وتونس وليبيا واليمن، وازدادوا قوة في سوريا.

وأزعج ذلك الرياض وأبو ظبي و المنامة، بل وحتى الكويت، التي يعرف الجميع أنها لا ترتاح للنهج الإخواني التقليدي، الذي خسر السلطة في مصر وتونس وليبيا مع دور إماراتي/سعودي مشترك في مجمل هذه التطورات وبالتنسيق مع القاهرة.

في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن الرياض وأبوظبي ومعهما القاهرة،  لا ولن تقبل للإخوان المسلمين ذوي العقيدة المشتركة مع العدالة والتنمية التركي، أن يحكموا سوريا، إلا في حالة واحدة، ألا وهي الإرادة الأميركية.

كل ذلك مع استمرار الحديث عن مساعي الرئيس إردوغان لأسلمة الدولة والأمة التركية وفق العقيدة الإخوانية، والعمل على إحياء  ذكريات السلطنة والخلافة العثمانية، على الصعيدين الداخلي والخارجي، مستفيداً من علاقات أنقرة المميزة مع حكام دمشق الجدد.

 وهم جميعاً في وضع  لا يُحسدون عليه أبداً، بعد أن أثبتوا أنهم على استعداد لتقديم كل التنازلات المطلوبة منهم تركياً/ قطرياً  وسعودياً/ إماراتياً وأميركياً /أوروبياً ما داموا قد وصلوا إلى السلطة بفضل هؤولاء جميعاً، وخلال  11 يوماً، وبفضلهم سيبقون فيها، وأياً كان الثمن بالنسبة إلى سوريا والمنطقة، وهي على حافة الانهيار التام، بكل المعايير السياسية والاجتماعية، بل وحتى الدينية والأخلاقية والنفسية.

وفي نهاية المطاف يبقى الرهان على ذكاء وحنكة كل الأطراف التي تملك العديد من الأوراق في مساوماتها مع الأطراف الآخرين وأقواهم الكيان الصهيوني، الذي حقق كل ما يهدف إليه في سوريا، لا فقط بفضل الدعم الأميركي، بل أيضاً بسبب منافسات وخلافات وعداءات الأنظمة الإقليمية، وفي مقدمتها دول الخليج مع تركيا.

ويبدو واضحاً أنهاـ أي تركيا، تراهن على الدعم الأميركي لها لحل مشاكلها الاقتصادية والمالية الخطيرة، وبالتالي، التخلص من أزماتها  الداخلية مع المعارضة، وبالتالي تبعات الملف الكردي، باعتبار أن وحدات حماية الشعب الكردية هي الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي الذي حلّ نفسه ولكن جناحه السياسي في البرلمان التركي ما زال قوياً.

ودفع ذلك أنقرة  للاستعجال في مصالحة الكردستاني ومنع الأطراف الآخرين من استخدام هذه الورقة ضدها خلال مساومات المرحلة المقبلة في سوريا، وعبرها في المنطقة المرشحة لسيناريوهات مثيرة، كُتبت وفق المزاج الصهيو/أميركي.

 وبعد أن بات واضحاً أن جميع الأطراف كانوا و مازالوا في خدمة هذا المشروع، تارة بشكل مباشر، وأخرى بشكل غير مباشر، وإلا ليس هناك أي تفسير منطقي لسقوط نظام الأسد خلال 11 يوماً وبالتالي تنصيب زعيم  هيئة تحرير الشام المصنفة دولياً في لوائح الارهاب رئيسا لسوريا.

وبات واضحاً أنها ستكون بعد الآن ضحية المنافسات التاريخية والحالية بين كل من تركيا المدعومة من قطر والسعودية المدعومة من الإمارات، وجميعها مستعدة لتقديم ما يُطلب منها من تنازلات،ما دام ذلك سيساعدها على رفع راية النصر في جبال قاسيون، حيث غدر قابيل بأخيه هابيل كما هي الحال الآن في سوريا التي إن لم يتفق الأشقاء فيها فمصيرهم جميعاً ومن معهم سيكون الفناء الأكيد بعد أن أثبتوا أنهم لا يستخلصون الدروس والعبر من التاريخ، هذا بالطبع إن لم يكن الجميع غبياً، والأذكى والأخبث  فيهم هو الذي سينتصر ويؤم المسلمين  في الجامع الأموي وبعد أن ترفرف أعلام الصهاينة في شوارع دمشق!