الضفة ومفترق الضياع هل بات يحكمها سموتريتش؟
يتحرك الواقع في الضفة ضمن مشهدية تسارعية آخذة في دفعها نحو أتون الضياع، ولعل ذلك ما جعل ويتكوف يضرب واقعها الحالي كنموذج قابل للتطبيق في أوكرانيا.
-
الضفة تحت حكم سموتريتش؟
جزم وزير مالية الكيان الإسرائيلي سموتريتش أن عام 2025 سيكون أول عام منذ احتلال الضفة عام 1967، يتجاوز فيه عدد المباني التي يتم هدمها تلك التي يتم بناؤها في الضفة. وسبق للجنة إسرائيلية مختصة أن بحثت الوضع الاقتصادي في الضفة، وخلصت إلى أن الميزان في النظر لهذا الاقتصاد يتقرر في ضوء عدد المباني التي يتم بناؤها في الضفة، باعتبار ذلك خطراً مباشراً على مستقبل الضفة إسرائيلياً، فهل يفسر ذلك طبيعة سياسة القرصنة الإسرائيلية لأموال المقاصة الفلسطينية؟ وهل دخلت الضفة بهذا الحال تحت حكم سموتريتش بشكل فعلي وكامل؟
تتوعد أوروبا ودول عالمية أخرى "إسرائيل" بالاعتراف بدولة فلسطينية، في حال ظلت ترفض المطالبات الدولية بوقف الحرب على غزة والضفة، وهو توعد متوقع خلال الأيام القادمة، في مقابل إجراءات إسرائيلية فعلية تصعيدية على أرض الضفة، وفي الاتجاهات كافة، كما يلي:
أولاً: مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي، بما فيها منطقة وسط الضفة حول عاصمة السلطة الفلسطينية رام الله، بلغت في مجملها نحو 60 ألف دونم منذ السابع من أكتوبر فقط، دون المناطق الواسعة المصادرة سابقاً، والتي تجاوزت 50% من مساحة الضفة التي يقيم عليها قرابة مليون مستوطن.
ثانياً: عملية عسكرية مستمرة في شمال الضفة يتم فيها تدمير المخيمات وتهجير سكانها مع الأحياء القريبة منها، وخصوصاً في مدينتي جنين وطولكرم، وما يتبع ذلك من عمليات قتل واعتقال ودهم تشمل كل الضفة، ليتجاوز عدد المعتقلين المقيمين في السجون حالياً 10000 معتقل في ظروف إجرامية غير مسبوقة، مع تثبيت أكثر من ألف حاجز وبوابة عسكرية، ما حوّل قرى ومدن الضفة إلى معازل تنفصل وتتصل تبعاً للمزاج العسكري الإسرائيلي.
ثالثاً: تصاعد جرائم المستوطنين برعاية جيش الاحتلال وبمعرفة مسبقة من جهاز الشاباك، والتي بلغ عددها بحسب إحصاء المؤسسات الدولية أكثر من 2500 اعتداء، خلّفت 12 شهيداً على يد المستوطنين بشكل مباشر، من أصل 870 شهيداً ارتقوا برصاص جيش الاحتلال، ونحو 6700 جريح منذ السابع من أكتوبر. وتسبب المستوطنون بحرائق وأضرار مادية وصلت إلى نحو 1500 اعتداء.
رابعاً: مواصلة حجز أموال المقاصة الفلسطينية من عائدات الضرائب، والتي بلغ مجموعها حتى الآن نحو 8 مليار شيكل، ما جعل السلطة عاجزة عن دفع رواتب موظفيها منذ 3 أشهر، وهي بالأساس تدفع لموظفيها رواتب نسبية منذ عام 2021 بسبب هذه القرصنة، وذلك لمنع السلطة من دفع رواتب لعوائل الشهداء والأسرى. وعلى الرغم من نزول السلطة مؤخراً عند الاشتراطات الإسرائيلية وفق ترتيبات أوروبية، فإن إسرائيل صعّدت عمليات القرصنة، ما يشير إلى حقيقة مراميها المتصلة بالأرض، وليس سياسة السلطة تجاه عوائل الشهداء.
خامساً: الشروع في مشروع E1 الاستيطاني حول مستوطنة معالي أدوميم قرب القدس، وهو المشروع الذي يعزل القدس نهائياً عن الضفة عبر التواصل السكاني مع التجمعات اليهودية في عمق الداخل، والذي يفصل شمال الضفة عن جنوبها فصلاً بشرياً بمجمعات استيطانية هائلة.
وضعت هذه الإجراءات التصاعدية الضفة باتجاهات أربعة لا خامس لها في الأفق القريب، في واقع يتم فيه تجسير الفجوات بين الظروف المحلية والداخلية والإقليمية والدولية، وبين الأطماع الإسرائيلية الصريحة بإعلان السيادة الإسرائيلية على المجمعات الاستيطانية في الضفة. هذه الاتجاهات الأربعة هي:
أولها: ضم إسرائيلي رسمي كلي لكل المناطق المصنفة C في الضفة وفق اتفاقية أوسلو، بما فيها المستوطنات والقرى الفلسطينية المحيطة بها، ما يعني تهجير سكان نحو 200 قرية فلسطينية صغيرة وكبيرة على الأقل.
ثانيها: ضم المستوطنات فقط، وفي مرحلة متدحرجة لاحقة إقامة مناطق عازلة بعمق يتسبب بتهجير عشرات القرى الفلسطينية بشكل متدرج سقفه الزمني نهاية حكم نتنياهو في شهر نيسان القادم.
ثالثاً: ضم المجمعات الاستيطانية كافة، مع الشروع بمخطط كيدار والإمارات الثمانية، بفصل جنوب الضفة، وخصوصاً الخليل وبيت لحم، عن وسط الضفة وشمالها، وإقصاء السلطة الفلسطينية عن حكمها لمصلحة حكم عشائري، ما يعني تفجير واقع الضفة باتجاه انتفاضة ثالثة أو حرب أهلية فلسطينية.
رابعاً: تحرك سموتريتش وبن غفير ومؤيديهما داخل الليكود باتجاه إقامة دولة المستوطنين في الضفة، في حال تضعضع حكم نتنياهو أو تراجعه وتأجيله ضم الضفة، ما يعني بدء المستوطنين بحربهم الخاصة ضد أهالي الضفة، وما يترتب على ذلك من مواجهات ومذابح، وخصوصاً مع احتضان جيش الاحتلال للمستوطنين حتى في حالة تمردهم على المستوى السياسي والأمني الإسرائيلي.
تذهب الضفة خلال الأسابيع المقبلة في واحد من هذه الاتجاهات الأربعة. يؤكد ذلك جل المعطيات المحيطة، وأبرزها:
1- استغلال اليمين الإسرائيلي المتطرف لأصداء السابع من أكتوبر، باتجاه تعبئة داخلية عززت فرصة أولوية ضم الضفة، وهو الضم الذي تحدث عنه نتنياهو صراحة في فترة حكمه القصيرة السابقة عام 2020.
2- تأييد غالبية القوى والأحزاب الإسرائيلية لفكرة ضم الضفة كمبدأ، وإن اختلفوا بالتفاصيل، وهو خلاف لا يؤثر في المبدأ.
3- مشهد الضفة في أخطر تجلياته بات يظهر أهون ألف مرة من مشهد الذبح اليومي في غزة، ما يجعل كل الجرائم في الضفة دون التفات عالمي أو إقليمي وحتى محلي في ظل العجز عن وقف الحرب على غزة، ما يشجع المستوطنين على استغلال الفرصة التاريخية لفرض الوقائع على الأرض في الضفة.
4- التأييد الأميركي الصريح لحسم واقع الضفة، في وقت صار السفير الأميركي ورئيس الكونغرس وغيرهما من فريق البيت الأبيض يصفون الضفة بيهودا والسامرة.
5- ضعف الموقف الدولي وخضوعه بالنتيجة للمحددات الإسرائيلية حتى لو تطور باتجاه الاعتراف بدولة فلسطينية غير قابلة للحياة.
6- الضعف العربي الإسلامي أو التآمر العربي الإسلامي الصريح في خدمة "إسرائيل"، سواء من قبل منظومة التطبيع من القاهرة وعمان حتى دبي وأنقرة، أو من قبل الحكومات المتحفزة للتطبيع في دمشق وبيروت.
7- تراجع إسناد المحور ضمن ظروف الحرب الراهنة وتفاعلاتها المحتملة، وإن ظلت الحروب الإسرائيلية تفتح الباب نحو تغيرات محتملة، سواء مع لبنان أو إيران.
8- ضعف السلطة الفلسطينية وارتهان خياراتها السياسية وقمعها لقوى المقاومة، وخصوصاً شمال الضفة.
9- نجاح "جيش" الاحتلال في كسر شوكة كتيبة جنين وبقية كتائب شمال الضفة، واحتواء خلايا المقاومة في الضفة عموماً، مع تحييد غالبية الشارع في الضفة عن أي شكل من أشكال المقاومة في ظل تواصل شعور الصدمة عند كل فئات الشعب الفلسطيني في ضوء المذبحة في غزة، ومشاركة أجهزة السلطة في تدمير مخيم جنين وما كان يمثله من قبلة المقاومين، وتحريضها ضد المقاومة في غزة.
يتحرك الواقع في الضفة ضمن مشهدية تسارعية آخذة في دفعها نحو أتون الضياع. ولعل ذلك ما جعل ويتكوف يضرب واقعها الحالي كنموذج قابل للتطبيق في أوكرانيا، ما يشير إلى اعتبار ضياعها تحصيلاً حاصلاً، إلا إذا وقعت تطورات داخلية في الكيان الإسرائيلي تشغل النخبة السياسية عن استثمار الفرصة التاريخية، أو انفجرت مواجهات محلية في الضفة تفاجئ "إسرائيل" وتدفعها إلى إعادة النظر في قدرتها على مزيد من التلاعب بمستقبل الضفة، أو حصلت مستجدات إقليمية في الحرب الإسرائيلية على إيران ولبنان وسوريا، أو دولية تدفع الأميركي إلى لجم "إسرائيل" عن مزيد من الجرائم في غزة والضفة إلى حين، وهذا كله محتمل، ولكن احتماليته محدودة في ضوء المعطيات الراجحة الراهنة.